الأزمة المالية العالمية

دهاء الرأسماليّة

خالد صاغية
لم يأتِ فتح الأسواق بالطريقة التي تمّ بها، بناءً على نظريات اقتصادية وحسب. لقد جرى نسج عدّة فكريّة كاملة لتسويغ كفّ يد الدولة عن التجارة والإنتاج والأسواق الماليّة. وغالباً ما قُدِّم فتح الأسواق على أنّه جزء من عملية نشر الديموقراطيّة وحقوق الإنسان. فالنظام الديموقراطي فعلاً، الذي يحترم حقوق الإنسان فعلاً، هو النظام الذي يفكّ القيود عن أسواقه، ويترك للسلع ورؤوس الأموال (لا العمّال) أن تتحرّك كما تشاء. ولم تتوانَ الولايات المتحدة الأميركية عن تبرير ضغطها على دول أخرى لـ«تحرير» أسواقها، باستخدام حجّة نشر الثقافة الغربية القائمة على احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان.
لكنّ ما جرى أخيراً يطرح أسئلة عن هذه النقطة بالذات:
أوّلاً، إنّ إلغاء أيّ دور للدولة في الرقابة على الأسواق المالية وضع دولاً كثيرة تحت رحمة رؤوس الأموال هذه. فأيّ دولة تجرؤ على اتخاذ أي إجراء سياسي أو اقتصادي يضرّ بمصلحة رؤوس أموال سيؤدّي سحبها المفاجئ إلى انهيار الاقتصاد كلّه؟ لقد عطّلت الأسواق المتفلّتة من القيود أيّ أهمية لعملية الاقتراع السياسي المسمّاة ديموقراطية. وبات اليسار في الحكم شبيهاً باليمين. كلاهما عاجز عن «إغضاب» رأس المال الذي يحتاج إلى كبسة زرّ كي يهاجر من مكان إلى آخر.
ثانياً، لقد سبق أن أودت أزمة الأسواق الآسيوية بحياة ملايين البشر. والأزمة الحالية وضعت مئات آلاف الأميركيين خارج منازلهم. وملايين حول العالم مهدّدون بأن يخسروا وظائفهم. هل من مسؤول عمّا يجري؟ هل من محاسبة؟ هل من انتهاك لحقوق الإنسان هنا؟ الجواب هو لا، طبعاً. على العكس من ذلك، ها هي الدول تتدخّل لإنقاذ مسبّبي الأزمة عبر ضخّ مليارات كان من الأجدى أن تُنفَق على التقديمات الاجتماعية للمواطنين. الأدهى أنّ هذه الدول نفسها كانت تدّعي قبل أشهر أنّه لا إمكانات لديها لتمويل هذه التقديمات.
لكن رغم ذلك، لا يستطيع أحد الاعتراض على ما يجري. فمن مصلحة الجميع أن يُنقَذ ما يمكن إنقاذه. هنا نجاح الرأسمالية. لقد استطاعت أن تضع الطبقة العاملة في موقع المدافع عن إعادة إنتاج النظام… النظام نفسه الذي يستغلّها.
الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى