العلاقات السورية- اللبنانية: دبلوماسية أخيراً!
موفق نيربية
رغم اتّفاق الدوحة، والاتفاق الآخر الذي أُعلن في ختام زيارة الرئيس ميشيل سليمان إلى دمشق في أواسط أغسطس الماضي، كان من الأهمية بمكان صدور المرسوم الرئاسي السوري القاضي بإنشاء علاقات دبلوماسية مع لبنان، ثم ما تبعه مباشرة من توقيع اتفاقية التبادل الدبلوماسي من قبل وزيري خارجية البلدين.
ورغم ما قالته بعض الصحف الرسمية في دمشق من أن هذا «لا يعني اعترافاً سورياً باستقلال لبنان…» مؤكدةً أن سورية «تعترف دائما باستقلال لبنان»، فلا يوجد من لا يدرك أن ذلك الحدث كبير، لأن تاريخ المسألة يرجع إلى اتّفاق سايكس بيكو، وإلى إعلان «دولة لبنان الكبير» في عام 1920، ومجريات الانتداب الفرنسي واستقلال البلدين في الأربعينيات من القرن الفائت.
فهو حدث مهم وإيجابي يجب تشجيعه وتسهيل تطوّره، رغم مخالطته بعض الأسى من أولئك الذين مازالوا متعلّقين بحلم الوحدة القومية على الشكل القديم، وبعض الحسرة لدى بعض الخاسرين مباشرةً أيضاً، حتى لو قالوا عكس ذلك. هذا التطور ينهي مشكلة كان ينبغي أن تنتهي، ليتفرّغ الناس إلى ما ينفعهم في هذا الزمن العاصف بوقائعه وأزماته وآفاقه.
ففي إعلان استقلال سورية الأول في الثامن من مارس 1920 يوم جلوس فيصل الأول على عرش المملكة السورية- ذلك الاستقلال الذي لم يعش أكثر من أربعة أشهر بقليل- كان الحديث يجري عن «سورية الطبيعية» التي تضمّ أيضاً لبنان وفلسطين والأردن، وكان رفضاً للإقرار بما يدبّره الظافرون في الحرب الأولى من «تفصيل» للمنطقة. وبقي لبنان «وبالخصوص الأقضية الأربعة الملحقة به من ولاية دمشق العثمانية» جزءاً من القضية الوطنية للسوريين حتى مفاوضات الكتلة الوطنية مع فرنسا لتوقيع معاهدة 1936، حيث جرى الإقرار بالوضع القائم.
ثمّ انقلب الوضع بطريقة حماسية في مرحلة التأسيس والاستقلال عام 1943، وساهم وزير الخارجية السوري آنذاك جميل مردم بك في إقناع الأطراف اللبنانية المتحفّظة وتشجيعها على الالتزام بما أصبح يُدعى بالميثاق الوطني، معرباً بحرارة عن استعداد سورية للتخلي عن المزيد من الأرض إذا كان ذلك يساعد على تأسيس لبنان الوطن الوطني.
ويصف أكرم الحوراني الشخصية الكبيرة في تاريخ سورية الديمقراطي «ووالد رئيسة المجلس الوطني لإعلان دمشق نزيلة السجن حالياً» تلك المرحلة كما يلي:
«ظلت سورية خلال كل فترة الانتداب تطالب- كما كان أبناء هذه المناطق ذاتها يطالبون- بإعادة الأقضية الأربعة إلى سورية… إلى أن قامت الحركة الاستقلالية في لبنان الكبير بقيادة بشارة الخوري ورياض الصلح ورفاقهما وحققت انتصارها على الانتداب الفرنسي في 22 تشرين الثاني 1943، فانقلبت الآية ولم يعد يرتفع في سورية صوت واحد للمطالبة بعودة الأقضية الأربعة الى الأم سورية، بعد أن عبر لبنان في حركته الاستقلالية المظفرة عن هويته العربية، وهزم المحاولات القديمة المشبوهة التي كانت تريد أن تصبغه بهوية غير عربية.
وقد عبرت عن ذلك في ردي على المسيو هيللو في المجلس النيابي إذ قلت: إنني أعلن لإخواننا اللبنانيين أن يضموا إليهم ما اختاروا من الداخل. فأي أرض أرادوا ضمها هي أرضهم وبلادهم، وأي مكان في هذه البلاد هم أهلهم وإخوانهم، فلا نعد نحن الواهبين ولا هم الموهوبون. ما كان لبنان في يوم من الأيام أجنبياً بل كان دوماً بلداً مجاهداً عربياً».
وفي عام 2006، جاء في الفقرة الأولى من «إعلان بيروت- دمشق، إعلان دمشق- بيروت» الذي أصدره مئات المثقفين في البلدين معاً، ما يلي:
«أولاً: احترام وتمتين سيادة واستقلال كل من سورية ولبنان في إطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين وتعزز مواجهتهما المشتركة للعدوانية الإسرائيلية ومحاولات الهيمنة الأميركية. وإننا ندعو في هذا المجال إلى إرساء تلك العلاقات على أسس نابذة لمشاريع الإلحاق والاستتباع من جهة والاستعلاء والتقوقع والقطيعة من جهة أخرى.
في هذا الصدد، يطالب المشاركون السوريون بضرورة الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان ومغادرة كل تحفظ ومواربة في هذا المجال. ويعلن المشاركون السوريون واللبنانيون معاً تمسُّكهم الحازم بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سورية مقراً أو ممراً للتآمر على البلد الجار والشقيق أو على أي بلد عربي آخر. وإننا معاً نرى أن الخطوات الأولى في هذا الاتجاه تتمثَّل بترسيم الحدود نهائياً والتبادل الدبلوماسي بين البلدين».
وهو ما من أجله تُحجز حرية ميشيل كيلو وأنور البني ومحمود عيسى خلف القضبان، في حين تسير السلطة في سورية خطواتٍ جدّية على طريق تحقيقه… مما يؤكد ضرورة الإفراج عنهم فوراً، وينعش فكرة ارتباط استقلال لبنان بديمقراطية سورية.
* كاتب سوري