الأزمة المالية العالمية

الازمة الأمريكية العالمية والازمة الاشتراكية

عمّار ديّوب
يتابع السياسيون والمثقفون في كل أنحاء العالم ما يجري في الاسواق العالمية والأمريكية بصورة رئيسية. باعتبار مركز الازمة هناك بالتحديد. مع أنّها تتطوّر وتتصاعد إلى كل دول العالم. ويضع سادة الانظمة الحاكمة الطرق المؤدية للخروج منها أو محاولة الخروج منها. ومحاولة تحديدها في البعد المصرفي المالي، وعدم تخطيّها إلى قطاعات الانتاج الرئيسية ، لانها حينذاك ستكون أزمة نمط إنتاج رأسمالي وليست أزمة قطاع إقتصادي مالي تحديداً.
الاهتمام الاعلامي الحثيث والتصريحات المتتالية عن عمق الازمة يشي بأنها في طريقها للتطور نحو أزمة إقتصاد كلي وبالتالي أزمة عامة في مجمل آليات عمل الاقتصاد العالمي الرأسمالي وهو ما يفرض على جدولة أعمال التاريخ ضرورة تغييره.
كثافة التدخل لا سرعته في دعم المصارف الامريكية والعالمية، يؤشر لفشل كل ما زعمته الليبرالية الجديدة من آليات لحل أزمة الثمانينيات بما يخص دولة الرفاه وإفلاس نظريات كينز وضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد حيث أن الخصخصة والتحرير واللبرلة لم تؤدي سوى إلى أزمة مالية كارثية بالكامل وتدخل جديد من الدولة الرأسمالية كي تنقذ تلك المصارف والاقتصاد بعد ان تهاوى بسرعة كبيرة على أثر أزمة القروض العقارية مباشرة. إلا ان هذه الازمة تعود بدايتها إلى أزمة النمور الاسيوية 1996 مروراً بأزمات تركيا ووصولاً الان إلى الازمة الامريكية و إلى غير ذلك،عدا عن إفلاس أكثر من 700 شركة في الولايات المتحدة الامريكية بدءاً من عام 2000. وبالتالي جاءت بداية الحل بالعودة لنظريات كينز وضرورة أن يكون للدولة دور أساسي في الاقتصاد والتخطيط له، حيث أشيع عن “إجراءات إشتراكية” كان قد شُنّع بها بشكل أيديولوجي فاسد مع بداية الليبرالية الجديدة المرتبطة بصعود ريغان وتاتشر.
الليبراليون العرب،بدؤا يزعمون أن الليبرالية الجديدة شيء والرأسمالية شيء آخر.وما يبدو أنه سقط هو الليبرالية الجديدة حصراً ولا بد من العودة إلى الرأسمالية وهو ذات ما يقوله بوش الان وساركوزي وبقية من لف لفهم. رغم أنهم كانوا دعاة أيديولوجيين شرسين لليبرالية الجديدة بعجرها وبجرها. والعودة عن ذلك أمر جيد وصحيح. ولكنهم يربطون تلك العودة بنفي أي دور للماركسية او انه يمكن أن يكون لها دور ما وبعضهم يؤكد كل رجعة للماركسية ردّة رجعية..!!.متجاهلين بطريقة العميان، كثير- كي لا نقول كل الاستطلاعات – التي تؤكد على عودة أكيدة لماركس وشبحه الذي يخيم على أوربا ويبدوأنّه تحليلاته أصبحت تخيّم على العالم بأسره. وما لجؤء بعض الاقتصاديين إلى الكلام عن إجراءات إشتراكية إلّا من هذا الباب.
كلامنا السابق لا يعني بأي حال من الأحوال أن الرسمالية دخلت طور نهايتها رغم أنها في ازمة عميقة.حيث أنها لا تزال تحاول إدارة أزماتها ولم يتشكل البديل الاشتراكي عنها وما هو موجود عالمياً ربما لا يخرج عن كونه رأسمالية تهيكل نفسها، وربما يحدث تقدم جزئي لليسار العالمي كما بدأت تفعل أمريكا اللاتينية .وبالتالي وضع نهاية لهذا النظام يتطلب فعل متقدم جداً أساساته الكبرى يسار عالمي متجاوز لكل يسار عالمي كان، دولا او احزابا أو تحليلات. وكذلك لكل ما قدمته من أنظمة ديموقراطية ومواطنة وعلمانية وغير ذلك.
ربما يفيد التركيز هنا على أن دور الدولة الاقتصادي في النظام الرأسمالي ليس الاساس فيه.وبالتالي دورها محدّد في تثبيت نمط الانتاج عن طريق أجهزة القمع والايديولوجيا. أي أن الاساس فيه هي أليات السوق ذاتها. والحرية المطلقة في حركة رؤوس الاموال والبضائع بعيداً عن تدخلات الدولة؛ التي لا تتدخل فعلياً إلّا حينما يكون هناك أزمة ثورية أو أزمة اقتصادية تمس أركان نمط الانتاج.
وقد ظهر التدخل على شكل دولة الرفاه أو دولة النازية أو الفاشية أو الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية والمكسيك أو تركيا أو التشيلي وغيرها. وبالتالي مهمة الدولة هنا هي الحفاظ على نمط الانتاج وليس الحفاظ على مصالح مختلف الفئات الاجتماعية. مع تأمين مستوى معيشي لها يضعها فوق مستوى الفقر، بما يعيد إنتاجها كجزء وعجلة في ذات النمط دون صراعات سياسية وإقتصادية فاعلة. ويُخشى كثيراً بعكس ما يحاول بعض المحللين من أن الديموقراطية لن يتم التراجع عنها. أن يتم ذلك .و ربما ستستدعي حدّة الازمة تدخلاً أمنياً عالمياً بما يُحكم السيطرة على الطبقات المتضررة من هذه الأزمة،وقد تكون هناك حروب جديدة. والتي تنعكس بشكل أساسي على الفقراء. عدا عن أن معظم القروض التي تدعم بها الدول الرأسمالية مصارف كبار الرأسماليين كي لا تنهار، أو التي تشتريها ، تشتريها بأموال دافعي الضرائب، والذين هم أول العاطلين عن العمل كما جرى لعمال المصارف التي إنهارت ، ويبدو بالفعل وكما قال ماركس أن الرأسمالية تحفر قبرها بنفسها، ولكنها هذه المرة تسرق أموال الفقراء دون إخفاءٍ كي لا تستعجل دفنها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى