الاستثمارات العربية وخسائرها
رأي القدس
لا توجد تقديرات دقيقة حول حجم الخسائر التي منيت بها الصناديق السيادية الاستثمارية العربية من جراء الازمة المالية الحالية التي هزت البورصات الامريكية والاوروبية، بسبب الغياب الكامل للشفافية، وحرص اصحاب هذه الصناديق، ومعظمهم من الاسر العربية الحاكمة، على التكتم حول طبيعة معاملاتها واستثماراتها الخارجية، على اعتبار انها، اي الصناديق، من الاسرار الاستراتيجية للدولة.
الأمر المؤكد ان هذه الصناديق، مثل بعض الشخصيات والبيوتات المالية الكبرى قد تأثرت بشكل كبير، لان نسبة كبيرة من استثماراتها في البورصات والاصول الغربية، فاذا كانت هذه البورصات خسرت حوالي خمسين في المئة من قيمتها، والاصول العقارية اقل من هذه النسبة بقليل، فمن الطبيعي ان تفقد الاستثمارات العربية مئات المليارات من الدولارات.
فاذا كان الملياردير الروسي ابراموفيتش مالك نادي تشيلسي فقد حوالي 11 مليار دولار من ثروته التي تقدر بحوالي 25 مليارا، ترى كم خسر الامير الوليد بن طلال، وكم خسرت الصناديق الاستثمارية التابعة لاسر خليجية حاكمة في ابوظبي والكويت وقطر؟
من محاسن الأزمة المالية الحالية ‘فضح’ اكذوبة الاسواق الحرة، وحرية الاستثمار، ونظام العولمة المالية. فقد تبين ان الانظمة الحاكمة في العالم الغربي لا تتردد لحظة واحدة في اتخاذ اجراءات حمائية لحماية اقتصادها من الانهيار، من بينها ‘التأميم’ وضخ اموال لشراء اسهم البنوك المفلسة.
ولم يخطر على بال احد ان تذهب الاجراءات الحمائية هذه الى درجة الاقدام على خطوات ذات طابع عنصري ضد الصناديق السيادية الاجنبية، والشرق الاوسطية على وجه الخصوص. فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي طالب القادة الاوروبيين بتشكيل صناديق استثمارية اوروبية حكومية، لشراء حصص في الشركات الصناعية الغربية التي تواجه مصاعب مالية، لقطع الطريق على الصناديق المالية الاجنبية، والحيلولة دون وقوعها، اي الشركات الصناعية الغربية، في قبضتها.
رئيس الوزراء الايطالي الذي يتنافس مع نظيره الفرنسي في التقارب مع الولايات المتحدة، كان من ابرز القادة الاوروبيين المشجعين لهذه الفكرة، بينما ابدت كل من المانيا واسبانيا تحفظا عليها، ولكن مجرد طرحها بهذه الصورة يكشف مدى الكراهية للاستثمارات الخارجية، والعربية النفطية منها على وجه الخصوص، في اوساط ما يسمى بالعالم الحر.
الأزمة المالية تتفاقم، وانخفاض اسهم المؤسسات الكبرى يتواصل رغم التدخلات الحكومية بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاسواق، الامر الذي قد يشكل فرصة استثمارية جيدة للدول التي تملك فائضا ماليا مثل دول الخليج، لتعويض خسائرها على الاقل، ولكن هذا الخيار يبدو غير متاح حاليا.
لعل القائمين على هذه الصناديق الاستثمارية العربية يستخلصون الدروس المستفادة من الأزمة المالية الحالية وردود فعل الحكومات الغربية عليها، من حيث البحث عن فرص استثمارية في دول العالم الثالث، والعربية منها على وجه الخصوص، بعد ان تبين ان الاستثمارات في الغرب بدأت تفقد اهم عناصر الجاذبية فيها وهو الأمان.
القدس العربي