اقتصاد إسلامي في مواجهة الأزمة المالية!
علي الشهابي
نشرت «الحياة» في 4/10/2008 مقالة للسيد عيد بن مسعود الجهني، رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية، بعنوان «تجاعيد على وجه الرأسمالية» يتحدث فيها عن الكساد الاقتصادي الرأسمالي الراهن، الذي بدأ كأزمة مالية في الولايات المتحدة. ويرى أن هذا الكساد لن يقتصر على الولايات المتحدة، بل سيشمل اقتصادات العالم برمته بنسب مختلفة. وسيطال، أكثر ما يطال، تلك الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، بما فيها الاقتصادات العربية، وفي مقدمتها اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي التي تستثمر أرقاماً فلكية في الاقتصاد الأميركي. ويستغرب كيف أن البنوك العربية، باستثناء البنك المركزي في الإمارات العربية المتحدة الذي ضخّ 50 مليار درهم، لا تحرك ساكناً للتصدي لآثار هذه الأزمة، إلاّ مجرد التأكيد على أن الدول العربية بمنأى عن هذه الأزمة، وعلى أن ارتباط عملاتها بالدولار مستمر.
إذاً بعد سقوط الاقتصاد الشيوعي في نهاية الثمانينات، والترنح الحالي لاقتصاد السوق الرأسمالي الذي ينذر أيضاً بسقوطه، يسأل الأستاذ الجهني: لماذا تستسلم الدول العربية وتسلّم قيادة اقتصادها لدول أخرى؟ ولماذا لا تتبنى الدول العربية والإسلامية نظرية اقتصادية إسلامية تجعلها في مأمن من التأثير السالب لتلك الاقتصادات المتهاوية، وقد أثبت الإسلام في كل العصور أن نظريته الاقتصادية هي أعدل النظريات وأقدرها على الثبات أمام التغيرات العاتية، وكل ما نحتاج إليه سلامة وعدالة التطبيق!
لا شك في أن السيد الجهني محق في انتقاده لامبالاة العرب، وخصوصاً بلدان مجلس التعاون الخليجي، في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية. فطالما أن هذه الأزمة تؤثر عليهم مباشرة، وخصوصاً على استثماراتهم المباشرة في الولايات المتحدة، فيجب عليهم التحرك كي لا تظل هذه الاستثمارات في مهب الريح. وبديهي أن المخول باجتراح الحلول هم الأكاديميون وخبراء المال والمستثمرون االخليجيون الذين يشغّلون هذه الأموال، أو يشرفون على تشغيلها عن كثب، والذين يعتبر السيد الجهني واحداً منهم طالما أنه «رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية».
والحلول، بحكم طبيعتها كحلول، ينبغي أن تكون مفهومة حتى تكون قابلة للتطبيق العملي. فمثلاُ يمكن لمن يريد أن يقدّم حلاً أن يقول: إن الأزمة المالية الراهنة التي بدأت في الولايات المتحدة ستنعكس في كل البلدان الصناعية المتطورة على شكل ركود اقتصادي مديد، وقد بدأت نذر هذا الركود تلوح في الأفق. صحيح أن هذا الركود قد يتردد صداه لاحقاً في كوريا الجنوبية والصين وباقي بلدان جنوب شرق آسيا، كما يرى مدير صندوق النقد الدولي في رسالته إلى صحيفة «الحياة»، في 23 أيلول (سبتمبر) الماضي. لكن هذه النذر لمّا تلح في هذه البلدان. وبالتالي يمكن للاستثمارات الخليجية القابلة للتحويل أن تتحمل بعض الخسائر، التي ما زالت طفيفة، وتنتقل إلى هذه البلدان بانتظار ما يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة.
ويمكنه أيضاً مطالبة بلدان مجلس التعاون الخليجي بفك ارتباط عملاتها بالدولار، طالما أنه لا يمكن الاعتماد عليه لا على المدى المنظور ولا المتوسط، وخصوصاً أنها سائرة على طريق توحيد عملاتها. وإن شاء، يمكنه الإشارة إلى أن هاتين الخطوتين، اللتين تشدان الاقتصاد الأميركي المتعثر إلى الوراء، قد لا يجرؤ المعنيون على الإقدام عليهما، وخصوصاً فك ارتباط العملة بالدولار. لذا على الخليجيين الضغط على حكوماتهم للقيام بها.
لهذه الحلول، بصرف النظر عن مدى صحتها، لغة واضحة يمكن النقاش فيها وحولها اتفاقاً أو اختلافاً. وبالتالي تمتاز بأنها لا تسمح لاثنين بتفسيرها كلٍ على هواه، طالما أنها ليست «حمّالة أوجه». وبنفس الوضوح تقريباً هناك مفاهيم مثل «اقتصاد السوق، الاقتصاد المركزي المخطط الذي سمي «إشتراكياً»، وملكية الدولة لوسائل الإنتاج». هذه المفاهيم، عندنا بها معرفة مباشرة وملموسة حتى أنه قلما يختلف ببعض تفاصيلها مهتمان بالاقتصاد. وعندما نسمع الحكومات الأوروبية الأربع، التي اجتمعت في باريس في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، تعلن أنها «ستحاول تغيير قواعد الرأسمالية المالية»، تتشكل عندنا فكرة مبهمة عن مضمون الإطار العام لما قد تفعله هذه الحكومات طالما أننا نعرف أن رأس المال المالي، الذي نتج عن اجتماع رأس المال الصناعي ورأس المال التجاري، في الوقت الذي شرع يمولهما أخذ يستقل عنهما شيئاً فشيئاً، ووصل إلى آلية في العمل مستقلة تماماً حتى صار يمول رأس المال الائتماني ويتمول منه. باختصار، إن رأس المال المالي هذا، صارت له آلية عمل ستحاول الحكومات الأوروبية تغييرها… وسنرى كيف.
هذه هي الفكرة المبهمة التي تتشكل عندنا لدى سماعنا التصريح المذكور. لكن هذه الفكرة، بالغموض الشديد الذي يكتنفها، أشد وضوحاً من «النظرية الاقتصادية الإسلامية» التي يتكلم عنها السيد الجهني، والتي يرى أن تبنيها يحل المشكلة الاقتصادية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية. لذا، إن كان عنده مفهوم واضح لهذه النظرية الحديثة، فإنني أدعوه لعرضها لنا مشكوراً عسى أن نقتنع بها معه لنباشر العمل على تطبيقها. أما إن لم يكن عنده هذا المفهوم، واكتفى بالاستشهاد بما قاله فلان وفلان و/أو بالقول «لننظر كيف عاش المسلمون في القرن كذا» فهنا الطامة الكبرى. فأوباما مثلاُ يأخذ على بوش أنه يريد خوض الصراع في القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين، مما يعني أن تفكير بوش بات بالياً مع أنه لم ينقض على ذاك القرن إلا سبعة أعوام. وبالتالي أتمنى ألاّ يريدنا السيد الجهني أن نحل المشكلات الاقتصادية لعصرنا بعقلية القرن كذا.
خاص – صفحات سورية –