الأزمة المالية العالمية

دور ألعاب الإنترنت في الأزمة المالية الراهنة!

نشرت مجلة »نيوزويك« (12 تشرين الأول 2008) تقريراً مطولاً عن دور الانترنت في الأزمة الاقتصادية العالمية. منه نقتطف:
لقد وفت شبكة الانترنت بوعودها بتوفير المعلومات الى عامة الشعب. فكل المعلومات الضرورية لتشخيص أزمة القروض الحالية ـ وأحدث وأفضل المعلومات بشأن انهيار أسعار الأسهم المرتبطة بالقروض السكنية، والأرقام المضخمة في سوق القروض السكنية العالية المخاطر، والسلوك الغريب لشركات تصنيف جدارة السندات، وغير ذلك ـ كانت متوافرة مجاناً لأي شخص يعرف كيفية استخدام محرك البحث Google. لكن ما نفع كل هذه البيانات إن لم يلاحظها أحد؟
طوال أكثر من عقد، تمت الاشادة بشبكة الانترنت على انها ستوصل المعلومات الى الجميع، وكان يفترض بها ان تمكن المستثمرين الأفراد، وتجعل الأسواق المالية الغامضة اكثر شفافية، وتخلق جيلاً جديداً من المواطنين المستثمرين الذين يمكنهم استثمار مدخراتهم في شتى الأمور، بدءاً من مؤشر ستاندرد أند بورز 500 وصولاً الى عقود مستقبلية تتعلق بزيت النخيل، كان من المفترض ان تجعل العالم أصغر وتحوله الى قرية، حيث يحدث كل شيء في الساحة العامة، ولا مكان لإخفاء الفساد والجشع. ثمة مقولة كانت تتردد في تسعينات القرن الماضي مفادها ان »المعلومات تريد ان تتحرر«. وقد كان من المفترض ان يجسد القرن الـ21 هذه الفلسفة.
أحد أكبر مؤيدي هذه النظرة كان آلان غرينسبان. ان معظم علماء الاقتصاد يوافقون الآن على ان غرينسبان، عندما كان حاكماً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أبقى معدلات الفائدة متدنية جداً لمدة أطول من اللازم. المسألة التي تحظى باهتمام أقل هي دوره كمؤيد للتكنولوجيا، في مارس عام 2000، في ذروة أزمة شركات التكنولوجيا، ألقى خطاباً عن ثورة قوامها شبكة الانترنت. كانت تغير القطاع المالي حسبما قال، متيحة إمكانية »إعادة توزيع المخاطر« من خلال »استحداث وتقييم وتبادل… منتجات مالية معقدة على نطاق عالمي«. باختصار، رأى غرينسبان ان تلازم شبكة الانترنت وأجهزة الكمبيوتر السريعة كان مثالياً لتقسيم القروض السكنية الى أجزاء صغيرة، وإعادة قولبتها ومن ثم بيعها الى مستثمرين يريدون الحصول على أعلى مردود في كل انحاء البلد والعالم. لكن كان يجدر به أن يعرف ان ذلك سيؤدي الى »مشكلة وكالة«، كما يسميها نظراؤه من علماء الاقتصاد: فمالكو أجزاء صغيرة من القروض السكنية كانوا بعيدين عن استثماراتهم وغير مسؤولين عن مراقبة القروض، ولا يقلقون بما يكفي بشأن نوعية القروض، وكان من المستحيل التفاوض معهم إذا تخلف أصحاب القروض عن تسديدها. لم يكونوا مهتمين إلا بجني المال. وهكذا اشتعل فتيل أزمة قروض مستقبلية.
من باب الوضوح، فإن شبكة الانترنت كان لها تأثيرات مهمة ومفيدة على النظام المالي العالمي. فالمؤثرات الصحافية التي تنشر فيها النتائج المالية للشركات التجارية أصبحت متاحة أمام الجميع وليس فقط أمام المحللين، والاتجار بالأسهم إلكترونياً جعل نسبة العمولة تلامس الصفر، يمكن الاتجار بالاسهم لاسلكياً من أي مكان في أي وقت. ويمكن للمستثمرين أن يتابعوا عمليات اختيار الاسهم وجدارة المتخصصين باختيار الأسهم عبر لوائح تصنيف على شبكة الانترنت. هذه الابتكارات كانت ضرورية بالطبع، لكن شبكة الانترنت كانت أيضاً، بشكل غير متعمد، محفزاً لأزمة القروض الحالية. فقد جمعت بيننا، لكنها أتت بنتائج عكسية أيضاً. وأدت الى نشوء مجتمعات ذات توجهات ضيقة جداً، حيث يمكن للناس ان يجدوا أشخاصاً يشركونهم اهتماماتهم الخاصة، مثل صانعي سجلات القصاصات أو مراقبي القطارات أو مبتكري منتجات جديدة غريبة لسوق المشتقات المالية التي بلغت قيمتها الآن 668 تريليون دولار (هذا الرقم ليس خطأ طبيعيا«).
في الوقت نفسه، من خلال جعل المعلومات متوافرة مجاناً، أغرقتنا شبكة الانترنت بالبيانات، مما حال دون تنبه معظم الناس لتفاقم أزمة القروض. بدلاً من تحويل العالم الى قرية موحدة تضم مستثمرين تتوافر لهم كل المعلومات، فإن كثرة البيانات ساعدت بعض الحاذقين في وول ستريت على اختطاف الاقتصاد العالمي بسهولة وكأنهم يلعبون لعببة فيديو، بواسطة رسائل قصيرة وتريليونات الدولارات من المشتقات المالية المعقدة.
انهيار شركات التكنولوجيا عامي 2000 و2001 ربما تضمن أسهم شركات الانترنت، لكن السبب الجوهري كان »الحماسة المفرطة« (على الأقل غرينسبان كان محقاً في تعبيره هذا). كان ذلك أشبه بفترة مراهقة في حياة الانترنت. في المقابل، نحن نمر الآن بأول أزمة مالية في فترة نضوج الانترنت، وهي أزمة متأتية، الى حد كبير، من التقنيات المتشابكة التي أصبحت الآن ركيزة النظام المالي ومجتمعنا ككل.
هذا الفشل يثير أسئلة مهمة عن كيفية تنظيم الأسواق المالية، إذا كانت المعلومات متوافرة للجميع، فهل يعني ذلك ان مسؤولية اعلامنا بما يجري لم تعد محصورة بوول ستريت؟ ما هو الدور الذي يلعبه المنظمون في مراقبة كل هذه الخدع المالية المعقدة؟
لقد أتاحت شبكة الانترنت لكل من لديه حساب استثماري الكتروني عبر وسيط ووسيلة اتصال سريعة بالانترنت ان يصبح مستثمراً عالمياً، لكن هذه الحرية ترافقت مع مسؤولية كبيرة: ان يعرف المرء ما يقوم به من دون الاعتماد على الاشراف الحكومي. وفي عالم حيث قدرتنا على الاتجار بمشتقات مالية غريبة تفوق الى حد كبير قدرتنا على فهمها وتقييمها، هذا أمر خطير جداً. حري بنا أن نتريث وننظر الى القوى التي قادتنا الى هنا، وما يمكننا ان نفعله لتجنب تكرار ذلك.
بحسب بعض التقديرات، فإن ما يقارب التريليون دولار من المقايضات بالقروض غير المسددة أجريت إلكترونيا وهي الآن غير موثقة وغير مفهومة جيداً. إنها أشبه بملاحظات مدونة على ملصقات في الأثير الالكتروني تنتظر ان يتنبه إليها أحد.
إن النزعة الى اعتبار المشتقات المالية مزيجاً بين الثرثرة وألعاب الفيديو أمر مؤذ. فالأحاديث التافهة عبر الرسائل القصيرة يمكن ان تتحول الى عمليات تجارية. يتم التطرق الى كل الموضوعات، بدءاً من الأحوال الجوية وصولاً الى الكلام عن شراء قروض متعثرة بقيمة 100 مليون دولار. ويصعب تمييز المسائل المهمة عندما تبدو كل الأمور متشابهة ويتم إرفاقها بوجه الكتروني مبتسم في نهاية الجملة.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى