الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

“الاعتدال” و”الممانعة” أمام القضاء

عبد الوهاب بدرخان
خبران في يوم واحد: افتتاح أول مصنع لإنتاج الوقود النووي في أصفهان… النيابة العامة المصرية تحبس 49 شخصاً على ذمة “قضية حزب الله”، الفارق بينهما هو تماماً الفارق الراهن بين العرب وإيران. الانشغالات مختلفة بل متفاوتة على نحو مذهل، على رغم أن “الأمن القومي” محور اهتمام الطرفين، لكن بأسلوبين متعارضين.
من جهة يمضي الإيرانيون في التحدي ويراهنون عليه، فلا يغريهم اعتزام الأميركيين الانفتاح عليهم، ولا يفكرون في التراجع. ومن جهة أخرى، يمضي العرب في اختصام إيران وإقفال قنوات التواصل معها، مع علمهم أن هذه الطريقة لن تثني طهران عن مواصلة اختراق القضايا العربية والشارع العربي والمجتمعات العربية. فأي مقارنة على أساس الجدوى لابد أن تعطي نتيجة مؤلمة في وضوحها، وهي، ببساطة، ليست لمصلحة العرب.
بديهي أن إيران تعد للذهاب إلى المفاوضات مع الأميركيين بشيء من التصعيد، مشيعة الانطباع بأنه ليس وارداً لديها الاستغناء عن برنامجها النووي مهما كانت الحوافز التي ستقدمها الولايات المحتدة إليها. من هنا فإن الإسراع في توسيع البنى التحتية لهذا البرنامج يرمي إلى جعل وقفه أو إلغائه أكثر صعوبة وتعقيداً. وإذا اقتضت الضرورة تنازلات ما، فإنها يمكن أن تتم في الملفات الأخرى التي برمجت أساساً لحماية البرنامج النووي، وتجنباً للتضحية به. أي أن وظيفة الاستثمار الإيراني، سياسياً وعسكرياً ومالياً، في العراق وأفغانستان كما في فلسطين ولبنان، هي أن تبرهن للغرب والولايات المتحدة أن إيران أقامت حالة نفوذ تبرر تحصينها لتصبح دولة نووية، وبالتالي فإن حالة النفوذ هذه يمكن الاعتماد عليها واستخدامها لدى بلورة أي منظومات أمنية إقليمية، والواقع أن أميركا هي التي بدأت بالتنازل عن شرط التخصيب.

أما مصر فيبدو أن المصالحات العربية لم تعنِ لها إطلاقاً أن ثمة هدنة قد نشأت مع إيران، بل إنها تحفز، على العكس، على فتح المواجهة، ولابد أن تكون البداية مع “حزب الله” ومع أمينه العام شخصياً بعدما ذهب خلال أزمة حرب غزة إلى حد تحريض الشارع والجيش ضد الحكم في مصر. لم يكن السيد حسن نصرالله موفقاً في تلك الخطوة التي جوبهت برد فعل عكسي، شأنها في ذلك شأن كل خطوة أقدم عليها خارج إطار المقاومة ضد العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان. ومن الواضح أنه مقبول كمقاوم لبناني، لكنه كلما تجاوز هذه العباءة المحترمة سواء للتعاطي بالسياسة الداخلية اللبنانية أو بمسارات القضية الفلسطينية وتفرعاتها العربية سينظر إليه ككادر يعمل في الأجندة الإيرانية.
سيكون على القضاء المصري إثبات أن الاتهامات الموجهة إلى “حزب الله” نقلة موفقة على شطرنج الصراعات، فالقضية بالغة الحساسية، لذلك يجب أن يكون ملفها بالغ الوضوح والشفافية، وإذا كانت سياسية أصلا فالأفضل أن تعالج بعيداً عن القضاء. أما إذا أبقيت تحت سلطة القضاء فلابد من جلاء الاتهامات وجعلها في أحجامها الحقيقية ومسمياتها القانونية.
واقعياً، يمكن توصيف “قضية حزب الله” بأنها قضية شبكة تمرر أسلحة وعتاداً إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، ولما كانت مصر في حالة سلام مع إسرائيل فإنها أمام إشكال سياسي-قانوني، كان يمكن أن تعالجه بهدوء وصمت، أما وقد تجاوز الأمين العام لـ”حزب الله” الخطر الأحمر فلا مجال للمعاملة الخاصة. وفي أي حال، لا تقتصر “القضية” على نصرالله والحزب، وإنما هي أيضاً رسالة إلى جهات عدة، إلى “حماس” وإيران وسوريا. لكن سيُكتَفَى الآن بتوجيه الاتهام إلى “حزب الله”. هذه أول مواجهة قضائية بين محوري “الاعتدال” و”الممانعة”.

جريدة الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى