بين “رأس المال” ورأس زغلول النجّار
وهيب أيوب
بعد فجيعة العالم الرأسمالي بالانهيار الاقتصادي الكبير الذي أرخى سدوله على مجمل اقتصاديات العالم وما شكّله من أزمة، ما زال العالم يجهل تداعياتها التي لم تكتمل بعد، على اقتصاد العالم وعلى مستقبل النظام الرأسمالي برمته، بحيث عادت لحية كارل ماركس الكثة وكتابه “رأس المال” إلى التداول من جديد في المكتبات بعد أن أُنزِل عن رفوفها على أثر انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المعسكر الشرقي السابق، وبعد أن بشّر وطمأن فرانسيس فوكوياما الجميع بـ “نهاية التاريخ”، منقلباً بظنّه على “الحتمية التاريخية” ونظرية ماركس الاشتراكية. وبصرف النظر عن تينك المقولتين اللتين لا يمكن أن تنطبقا على العقل البشري ومسار تطور المجتمعات الإنسانية غير المحكومة بقوانين ثابتة كقوانين الفيزياء ومعادلات الكيمياء. ففي مسائل التطور البشري والمجتمعي لا يوجد نهايات ولا حتميات ولا مُطلقات. هذا ما علّمنا إياه التاريخ الإنساني حتى الآن على الأقل.
لكن ماركس كغيره من الفلاسفة والمفكرين لم تهبط عليه نظريته من السماء مُسطّرة بآيات لا يمكن مناقشتها أو تغييرها أو المساس بها، لكنها خاضعة للتطورات والاكتشافات العلمية، كما يُقر ماركس نفسه بذلك.
وقد قضى ماركس حياته في البحث والدراسة مٌستعرضاً في “المادية التاريخية” و “رأس المال” وغيرهما من مؤلفاته كيفية تطور المجتمعات وانتقالها من مرحلة لأخرى حتى خرج باستنتاجاته المعروفة. وهي ليست بأنجيل أو قرآن كما حاول البعض فهمها أو التعامل معها.
كذلك الأمر فعل داروين في كتابه “أصل الأنواع” ونظرية التطور بعد ترحال طويل وأبحاث وتجارب مُضنية في العديد من البلدان، وما زالت نظريته هي المُقرّة والمعمول بها حتى الآن. وقبله مونتسكيو في “روح الشرائع” حيث أبدع فصل السلطات الثلاثة، التشريعية والتنفيذية والقضائية لمنع الاستبداد، بعد دراسته وبحثه في التاريخ السياسي والاجتماعي منذ العصر اليوناني إلى حين استنتاجاته. وجون لوك البريطاني عن التسامح، و “كانت” الألماني عن اتحاد الأمم والسلام العالمي، واسبينوزا في “اللاهوت والسياسة” وكوبر نيكوس في الفلك وكروية الأرض ودورانها حول الشمس التي تابعها وأثبتها العالم الشهير جاليليو عبر اختراعه للتليسكوب الانكساري قبل أن تجبره الكنيسة الكاثوليكية عن التراجع تحت تهديد الحرق، ثم تعود لتعتذر له بعد أكثر من أربعة قرون.
ويعكف علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع اليوم في العالم، على دراسة والبحث في الأسباب التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي العالمي التي سبّبته النظم الرأسمالية المتوحشّة وحيتان شركاتها في العالم الغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة، ولينظروا بالسبل التي تخرجهم من الأزمة الكارثة.
ولا شك أن من أحد الأسباب المُتفق عليها في الانهيار الحاصل، هو إطلاق يد الشركات ورؤوس الأموال وجشعهم غير المحدود بالسيطرة على العالم وأسواقه دون أي ضوابط أو أخلاق، فأفقروا العالم من خلال حوالي مائتي شركة باتت تسيطر على ثلثي ثرواته.
في هذا الخِضَّم والارتباك العالمي، كيف يخاطب “علماء” وجهابذة الإسلام شعوبهم حول أسباب الانهيار الاقتصادي. ثم تفسيرهم للكوارث الطبيعية التي تحلّ بالخلق؟
سننقل بعض ما قاله علاّمة عصره الدكتور زغلول النجّار؛ حول تفسيره للأزمة الاقتصادية ولأسباب الكوارث الطبيعية. يقول:
(هذه حرب من الله ورسوله، ولا يمكن لعاقل أن يتخيل إمكانية الصمود في حرب من الله ورسوله) ويُضيف: (أن ما يحدث الآن هو بداية انهدام النظام الرأسمالي كما انهدم النظام الشيوعي من قبله، وهي دعوة لقيام المؤسسات الاقتصادية العالمية على أُسس إسلامية صحيحة، وهذا بداية لتفهّم الناس لحقيقة الإسلام ولفضله على غيره من المعتقدات).
ويردف: (كما أن إعصار “تسونامي” والعواصف والأعاصير الأخرى… هي صور من صور العقاب الإلهي الذي ينزلها ربُنا تبارك وتعالى على من يشاء من عباده، عقاباً للعاصين الظالمين المتجبِّرين على الخلق، وابتلاء للصالحين وعبرة للناجين).
ولكن لنسأل الدكتور النجّار، هل انتقام الله من المسلمين في زلزالي باكستان وأفغانستان، وفيضانات اليمن والمغرب وإغراق النساء والأطفال والشيوخ تحت الأوحال هو من ذات طبيعة الله الموجّهة ضد عباده المسلمين الذين فضّلهم عن العالمين؟! ثم انهيار جبل المقطّم على العائلات يندرج ضمن انتقام إلهك هذا؟؟ أم أن هذا من عمل الشيطان ضد المسلمين في منافسته الله في القتل والإبادة؟!
وهل قتل الناس أطفالاً وشيوخاً ونساء وعاجزين ومرضى بشكل جماعي ووحشي عبر الأعاصير المُدمِّرة هي من الهوايات المفضّلة عند ربّك هذا؟!
إذا كان الله بهذا المستوى من روح الانتقام وشهوة التدمير والقتل الجماعي، فهل نعتب بعد ذلك على ابن لادن والظواهري والزرقاوي وأحمدي نجاد وحسن نصرالله!!
ولم نسأل العلامة النجار أيضاً لماذا يستنجد العالَم بالصين الشيوعية الكافرة لإنقاذ الاقتصاد العالمي، وليس بالدول الإسلامية والمؤتمر الإسلامي! أو بالنموذج الاقتصادي التي كانت ترعاه حكومة الطالبان في كابول وطورا بورا! أو السياسات المالية للجماعة الإسلامية في مصر التي أدّت إلى تخريب الاقتصاد المصري، الذي كشفها المفكر المقتول على أيديهم (فرج فودة) في كتابه “الملعوب”.
ثم يأتي زعيم انقلاب غزّة الإسلامي “الحماسي” إسماعيل هنية، ليؤكِّد أن المواجهة هي بين أميركا والغرب والله ورسوله، فيقول:
(إن الله أعلن الحرب على آكلي الرِبا في العالم، وهو يهدد الأميركان… بأن الله ورسوله أعلنا الحرب عليهم، انتقاماً لفلسطين والعراق وأفغانستان والصومال ولكل من رفع لواء الإسلام).
يذكرنا هذا العقل الأسير العاجز المريض، بما صرّح به مُفتي الأردن أعقاب هزيمة الـ 67 حيث قال: (إن الله قد هَزَمنا ليمتحن الإيمان فينا). وقال زعماء الإخوان المسلمون في مصر كلاماً مشابهاً، بحيث حمدوا الله على الهزيمة لأن مِصر كان يحكمها العلمانيون الكَفَرة.
إذن، على ضوء هذا التحليل الارتوازي “الإسلامي” العبقري للأزمة الاقتصادية الراهنة…
فليسمح لنا العلاّمة زغلول النجّار؛ أن نستعيض هذه المرّة عن رأسه، بعد إذنه طبعاً… بـ “رأس المال”.
وهيب أيوب
الجولان المحتل – مجدل شمس
2 \11 \ 08
خاص – صفحات سورية –