الأزمة المالية والاقتصادية الدولية وضرورة اليقظة
مروان اسكندر
أظهرت الايام الاخيرة عمق نطاق الازمة المالية الدولية وتوسعها، هذه الازمة التي تتحول يوما بعد يوماً ازمة اقتصادية عالمية تتمثل في حالة انكماشية متوسعة ستكون مظاهرها الاساسية توسع البطالة، انحسار الطلب، تقلص التسهيلات المصرفية، تجميد المشاريع العقارية، وانخفاض حجم التجارة العالمية واستمرار اسعار النفط والمواد الاولية على ضعف بارز.
ولا شك في ان لبنان لم يتعرض لازمات نتيجة توصيات مصرف لبنان بالامتناع عن المضاربات بالمشتقات المصرفية المتنوعة، والعقود المستقبلية، والمضاربات العقارية، الخ. وقد تابعت لجنة الرقابة الاشراف على تنفيذ توصيات مصرف لبنان السارية منذ اكثر من ثلاث سنوات. وغالبية المصارف الكبيرة والصغيرة اتخذت اجراءات لاستجابة توصيات المصرف المركزي ولجنة الرقابة وطبقت شروط توصيات “بازل 1” و “2”. هذه الاجراءات رتبت على المصارف اعباء فنية ومالية وبشرية ملحوظة، لكن النتيجة تجلت في استمرار النظام المصرفي اللبناني من دون تساؤلات وخضات.
ان الشائعات التي تناولت بعض المصارف كانت مغرضة، ذلك ان كثيرين لا يتمنون الخير للبنان ويمعنون في التعريض بسمعة اللبنانيين. والواقع ان المصارف العشرة الكبرى التي تحوي أكثر من 85 في المئة من الودائع هي في صحة جيدة وتتمتع بسيولة فائقة وقادرة على تلبية اي مطالب للمودعين. ويمكن القول ان هذه المصارف، وخصوصا نتيجة انتشارها اقليميا ودوليا خلال السنوات الثلاث المنصرمة، اصبحت الوجه المشرق للبنان في سوريا والاردن ومصر والجزائر، وحتى في السودان.
ولا يجوز ان نحصر تقويمنا بالمصارف الكبيرة نسبيا (على القياس اللبناني). فثمة مصارف متوسطة، وحتى صغيرة، تتمتع بقدرات ممتازة على كفاية حاجات المودعين والزبائن. ومن دون مبالغة، هذه المصارف لديها اسس امتن من مصارف غربية وشرقية تبلغ ميزانياتها مئات المليارات من الدولارات ولكنها عاجزة عن تأمين حقوق المودعين واصحاب الاسهم.
من المؤكد ان حقوق المودعين في المصارف اللبنانية محفوظة، سواء أكانوا زبائن منذ اعوام أو أشهر أو أسابيع، كذلك الودائع بالليرة اللبنانية لانها مستقرة ومردودها جيد ولا خوف على خسارتها قيمتها ازاء العملات الاخرى وبالأخص الدولار في المستقبل المنظور.
بعد كل ذلك، يجب الانتباه الى التأثيرات السلبية للازمة العالمية والتحوط لانعكاساتها على الدورة الاقتصادية عالمياً ولبنانياً.
ان الانكماش المتفشي والذي بدأت مظاهره تتوضح، حتى في بلدان الخليج مثل الكويت وامارة دبي، اكثر البلدان الخليجية تأثراً.
وقد توسعت الازمة لتشمل بلداناً مثل اوكرانيا ورومانيا والمجر، اضافة الى جميع البلدان الصناعية المعروفة مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا وايرلندا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة والمكسيك، الخ. حيث يعيش لبنانيون يعملون ويكتسبون، على اختلاف أوضاعهم بين متعهد ثري وتاجر ناجح ومدير متفوق وموظف عادي، الى ما هنالك.
هؤلاء اللبنانيون يرسلون تحويلات سنوية الى لبنان كما يحملون معهم أحياناً لدى زيارتهم بلدهم أموالا نقدية يقدر مجموعها بثمانية مليارات دولار في السنة. واذا كانت موجة الانكماش محدودة القوة، فان حجم التحويلات معرّض للانخفاض الى النصف، واذا تم ذلك فسنخسر أربعة مليارات دولار من التدفق نتيجة أعمال في الخارج.
ومن نتائج الانكماش السريعة تسريح العمال والموظفين وتجميد مشاريع البنية التحتية ومشاريع البناء، ما عدا تلك التي قاربت الانتهاء. وسيكون على لبنان ان يستقبل 60 الى 80 الف شاب وشابة يبحثون عن عمل في سوق جامدة نسبياً. حتى وإن يكن معدل النمو المتوقع ستة في المئة لسنة 2008، فمعظم النمو عائد الى حركة البناء، وتوسع القاعدة المالية في البلد عبر تزايد التحويلات والودائع. ومعدل النمو هذا، على ارتفاعه، بالكاد يكفي لاستيعاب الطاقات الشبابية التي تصب في سوق العمل بانتهاء كل سنة.
بكلام آخر وبوضوح، سوف نواجه الانكماش وإن تفادينا الأزمة المصرفية، وعلى الحكومة ان تبتكر برامج لتنشيط الاقتصاد، وامتصاص الشباب، وتفعيل الطاقات المالية التي يقال انها متدفقة وستزداد تدفقاً.
ان الحكومة لا توحي انها منشغلة بإبعاد التطورات السلبية المتوقعة، بل هي مهملة لأبسط مستوجبات الاحتياط في النطاق النقدي الذي، وان يكن يبدو محصنا، يستوجب رعاية جدية.
على صعيد آخر، ان فترة تعيين نواب جدد لحاكم مصرف لبنان انتهت، والنواب الحاليون لا يتابعون اعمالهم، واذا فعلوا يكونون مخالفين للقواعد القانونية. ومع ان العاصفة في العالم هي في المقام الاول نقدية ومصرفية، فمن المستغرب أن تتردد الحكومة اللبنانية في تسمية نواب جدد للحاكم.
لقد اصبح حاكم مصرف لبنان، على قدراته الكبيرة وخبرته المديدة، المسؤول الاول والأخير والوحيد عن القطاع المصرفي، وتاليا عن وضع الليرة، فهو يحمّل مسؤوليات لا يجوز تحميله اياها، من الاشراف – وإن من بعد – على عمليات طيران الشرق الاوسط وصحتها، الى ملاحقة تطورات شركة انترا للاستثمار، وكازينو لبنان، فيما ينكب مصرف لبنان على وضع اصول تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعم هذه المؤسسات وشروطه.
ان رياض سلامة، بشهادة الجميع، قدير ومتمكن ولا يجوز استنزاف طاقاته بتحميله المسؤوليات المشار اليها من دون مبادرة الى التعجيل في تسمية نواب الحاكم، وتعيين اعضاء مجالس ادارة جدد لبعض المؤسسات (مثل الكازينو) التي يملك غالبية اسهمها مصرف لبنان بصورة غير مباشرة.
قبل نحو سنة اراد الرئيس فؤاد السنيورة ان يدرس طلبات لبنانيين من أصحاب الاختصاص لتولي دور اداري في تهيئة مؤسسة كهرباء لبنان للتخصيص مستقبلاً. ومع ان التوصيات صدرت عن لجنة من المكلفين درس ملفات المرشحين من دون تمييز، منذ زمن، فان شيئاً لم يحصل في هذا المجال.
قد يجوز تأخير بت تسمية اعضاء مجلس ادارة الهيئة التي ستعمل على اعداد تخصيص مؤسسة كهرباء لبنان، سواء على صعيد الانتاج والفوترة ، مع حفظ مسؤوليات النقل للدولة، أو غير ذلك من الترتيبات. انما من غير الجائز، في خضم ازمة مالية مصرفية عالمية، تأخير تسمية نواب حاكم مصرف لبنان الاربعة. فليكن هذا الاختيار الامتحان الاول لصدقية التحول نحو اختيار الأكفياء. فهناك طاقات متميزة من الطوائف الاربع المتمثلة في هذه المراكز (وليت التمثيل غير طائفي)، لكن البحث لم يتم مع اصحاب الطاقات، والحكومة تبدو كأنها مرتاحة الى تأخير التسمية.
ان المواطنين غير مرتاحين الى التأخير ويطالبون الحكومة ورئاستها، وحتى مجلس النواب ورئيسه الذي يقوم بدور مميز في ترسيخ قواعد الحكم، يطالبونهم باختيار نواب الحاكم، ومن بعد المرشحين لمناصب ادارة مؤسسات اخرى متعددة.
التأخير مقلق وغير مفيد، وصبر المواطنين قارب النفاد، فعسى أن يشهد الاسبوع المقبل عملاً انتقائياً حاسماً يستند الى الخبرة والكفاية وليس فقط الى اختيار الصحابة.