عرينا … وعريهم
درويش محمى
كالعادة, ومع اول فنجان من القهوة العربية الحلوة المذاق, اتصفح بريدي الالكتروني كل صباح, والبارحة بالتحديد استوقفتني رسالة وصلتني من طرف احدهم وقد عنونها ب¯ “صورة زوجة ساركوزي عارية تماماً”, لا اخفي عليكم, وبعد ان تمنيت بيني وبين نفسي, ان تكون الصورة العارية للزوجة الجديدة الجميلة الفاتنة “كارلا” وليست للقديمة المطلقة “سيسيليا”, عقدت العزم ومن دون تردد على فتحها فوراً, وانا كلي فضول واكثر من فضول .
بمجرد حركة سريعة ساحرة من اصبعي على جهاز “كومبيوتري” الخارق, وبفضل نعمة “الهوت مايل” فتحت رسالتي المفضلة, ولا اخفي عليكم من جديد, ما اصابني من احباط ويأس شديد, عند اكتشافي لحقيقة الميل المذكور, وحين لم اجد لا صورة ولا عارية ولا من يحزنون, وبعد تأكدي بأن الامر ليس الا مجرد “نقل لخبر” وبالكلمة لا بالصورة, بدأت الاسئلة تتكاثر في دماغي الصباحي النشط من دون توقف, ما الذي دفعني ويدفعكم لكل هذا الاهتمام ب¯ “المدام” ساركوزي ? سواء كانت الصورة تلك تخص “المدام” الجديدة او القديمة, وسواء كانت “المدام” ساركوزي عارية او محتشمة, ونحن ما شاء الله وبارك, نملك تاريخاً طويلاً عريضاً مع ظاهرة العري والتعري, بمفهومه الواسع والشامل طبعاً لا بمفهومه الشرقي ولا بمفهومه العربي الضيق .
في الغرب الناس يتعرون للبحر والشمس وحتى للقمر, كما يتعرون لبعضهم بعضاً ولاسباب اخرى عديدة نعلمها وقد لا نعلمها, اما عندنا في الشرق فاللعري والتعري اسبابه وشروطه وضحاياه, فبالله عليكم, هل تعلمون كم طفلاً وطفلة “شبه عراة” يوجد اليوم في مجتمعاتنا الشرقية والعربية الاصيلة ? وهل تعلمون كم مواطناً كريماً يتألم كل يوم من قسوة الحياة ويشتكي ربه صباحاً ومساء من سوء احواله المادية ومن جيبه العاري من العملة الوطنية ? وكم مظلوم يعرى ويضرب يومياً بسبب ومن دون سبب في زنزانات بلداننا العريقة? وكم مليونا من البشر في شرقنا المحافظ يعتبر منذ ولادته والى يوم مماته, عار تماماً من ابسط حقوقه السياسية والمدنية والانسانية ? وكم حاكماً وصاحب سلطة عار على القيم والاخلاق وثقافة التسامح والمسؤولية, يتحكم في رقابنا ورقابكم ? وهل تعلمون كم جريمة وقعت وتقع في شرقنا الملتزم تعتبر كل واحدة منها وصمة عار في تاريخ البشرية ? هل اذكركم يا ابناء شرقنا العريق والعتيق, بما حدث ويحدث في بلاد “الدارفور” السودانية ? وكم الف والف امرأة مسلمة بريئة عريت من ثيابها لتغتصب وتقتل ? وفي الماضي القريب, هل نسيتم يا اخوتي المحترمين والمحتشمين, كم الف والف والف روح مسلمة بريئة ازهقت في كردستان “شمال العراق” بالاسلحة الكيمياوية, وكم الف والف والف قرية هدمت ليترك اهلها للعراء والتشرد .
لا شك ان ثقافتنا تختلف عن ثقافتهم, وعرينا كذلك يختلف عن عريهم, ومن المؤسف اننا نحن ابناء الشرق لا نرى الا الاسوأ من انواع العري وغيرنا يستمتع بالنوع الافضل منه, وحز في نفسي كثيراً انني خدعت برسالة كانت عارية تماماً عن الصحة, لذا عدت من جديد لجهاز كومبيوتري المستورد والمصنوع في الغرب, لابحث عن رسالة اخرى وفنجان آخر من القهوة العربية المرة .
كاتب سوري