صفحات مختارةغسان المفلح

الإسلام الأوروبي ومسألة الهوية.

غسان المفلح
كنت في مقالة سابقة” سلطة النقاب ونقاب السلطة” قد تعرضت لمسألة النقاب، والمزمع حظره في فرنسا في 11مايو القادم، بعد عرضه على البرلمان الفرنسي، ولقد جاءتني مجموعة من الرسائل، والتعليقات، تتسائل” لماذا لا تتعرض للأجانب الذين يعملون في الدول العربية، وخاصة إذا كانوا من أديان أخرى؟ ولماذا دافعت عن المنقبة التي خولفت بِقيادتها السيارة منقبة في فرنسا؟ ثم أتى اعتراض آخر لا يقل أهمية، من أن النقاب هو امتهان للذي ترتديه وللذي يراها أو يحتك بها في مكان عام أو في مترو..الخ وفي محاولاتي التركيز على ما أسميته ظاهرة” الإسلام الأوروبي” والتي باتت بحاجة ماسة للتعرض لها والحديث عنها، بوصفها إسلاما أوروبيا، وليس بوصفها إسلاما عربيا، فهي ظاهرة احتلت خلال العقدين الأخيرين مساحة هامة في الحقلين السياسي والإعلامي، وكانت تتعرض هذه الظاهرة لتجني طرفان:
الأول- الطرف الإسلامي، لما يعتبر أن الغرب متآمرا على الإسلام كدين…الخ المعزوفة التي تنتشر في كل البلدان الإسلامية لدى إعلام ومثقفي هذه التيارات الإسلامية، وينسحب الأمر بالطبع” من أنها نفس المؤامرة ضد شعوب المنطقة الإسلامية ممتدة إلى أوروبا وأماكن إقامة المسلمين كلها” هذا تكثيف يظهر ضده أيضا، وهو هنا رفض ثقافة الغرب، وهذا منطق هوياتي ذو أس سياسي واضح، لأنه يحصن المستوى السياسي السلطوي في بلاد العرب، من عملية التغيير ككل! ولهذا درجت مقولات، الغزو الثقافي، والخصوصية الثقافية والقومية والدينية، وكلها تحصينات ميدانية لقوى الاستبداد السياسي/ والسياسي الديني، بمواجهة سنة الكون، في التغيير الحضاري والقيمي.
الثاني- هو الذي يتناول الظاهرة منطلقا من دوافع مرضية، تصل أحيانا حد البصاق على الذات، من أجل تبرير كل ما يقوم به الغرب تجاه إسلامه، أو من أجل تفريغ أحقاد صغيرة كانت أم كبيرة، ويتوافق مع هذا الطرح ثلة من العلمانيين الجدد، لاحظنا وجهات النظر التي تم طرحها، أثناء منع بناء المآذن! والأطرف أن هنالك من يدعو من هؤلاء إلى طرد المسلمين، وإعادتهم لبلادهم! إنه منطق الخصوصية الثقافية والدينية مقلوبا، ومرفوعا ليتمظهر كعلمانية متشددة، تعتبر أن سر التقدم يكمن في تطهير العالم من الإسلام والمسلمين. ماذا يقول هؤلاء في الخبر التالي” أثارت الوزيرة الألمانية من أصل تركي أيغول أوتسكان عاصفة من الاحتجاجات بعد مطالبتها بنزع الصلبان من صفوف المدارس الرسمية، مؤكدة أن الدستور الألماني يفرض على المؤسسات الرسمية أن تكون محايدة إزاء الأديان. وسارعت الكنيسة والمستشارة أنغيلا مركل الى رفض طلب الوزيرة المنتمية الى حزب ميركل (الديموقراطي المسيحي)، والتي عيّنت حديثاً وزيرة للشؤون الاجتماعية في حكومة ولاية ساكسن السفلى، فيما أيدت الأحزاب اليسارية هذه الدعوة. وصدرت سلسلة من التصريحات الغاضبة من مسؤولين كثر في الحزبين المسيحيين المشاركين في الحكومة، تندد بموقف أوتسكان، وهي أول وزيرة من عائلة مهاجرة. وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية كريستوف شتيغمانز إن المستشارة ميركل ترفض نزع الصلبان من صفوف المدارس الرسمية، وهو الموقف الذي أعربت عنه مفوضة حكومتها لشؤون الاندماج والهجرة ماريا بومر؟
ماذا يقول العلمانيون الجدد في هذا، حيث يشكل المسلمون 5% من سكان ألمانيا؟
قبل متابعة الحديث عن ظاهرة الإسلام الأوروبي وهويته، أجيب سريعا على بعض التعليقات” ماذا يحدث للأجانب في الدول الإسلامية أنهم معززن مكرمون وخاصة الأوروبيين منهم، أما ما تتعرض له العمالة في دول الخليج، فهذه خارج هذا السياق، لأن 90% من العمالة هناك هم مسلمون. ويصبح الحديث عن تعامل دول الخليج مع هذه الظاهرة خارج نطاق بحثنا، أما الأوروبيون والأمريكان فهم مرحب بهم أينما ذهبوا حتى في دول الممانعة، كما لديهم حرية الحركة أكثر من مواطنين بلداننا أنفسهم..
أما ما يخص دفاعي عن المنقبة، فهذا أمر لم أتناوله بهذه الطريقة مطلقا، بل سؤالي بسيط” لكونها مواطنة فرنسية، لماذا قام الإعلام الغربي بعرض مخالفة سير لإمرأة، فقط لكونها منقبة، هذا ما حاولت نقاشه، ولم أدخل حتى الآن في نقاش موقفي من النقاب لأنني كنت ناقشته أكثر من مرة في مقالات سابقة، أقله أنني اعتبر أن تعميمه القليل الذي جرى، هو نتاج لظاهرة الأفغان العرب، والنقاب ليس رمزا إسلاميا، ولاعادة تقليدية تأخذ بها غالبية البلدان العربية والإسلامية، أما بالنسبة للعربية السعودية، للوضع هناك نقاش مختلف، أكثفه بهذا القول للمفكر العربي نصر حامد أبو زيد حيث يقول في نفس إشكالية الحجاب والنقاب في مصر “الإسلام الخليجي، هو بشكل أو بآخر، إسلام الجزيرة العربية، وهو أشدّ صيغ الإسلام تشدّدا وتزمّتا. إذا كان الإسلام الأوّل هو إسلام الحجاز، فالإسلام السعودي/الخليجي هو إسلام نجد القرن الثامن عشر. وشتّان بين إسلام الثقافة العالية، في القرن السابع – ثقافة التجّار والمدن – وإسلام بداوة “نجد”، المتمثل في “الوهابية”، التي لم تتطوّر في مقولاتها الأساسية خطوة واحدة منذ مؤسّسها “محمد بن عبد الوهاب”. بل إنّ المعارضة السياسية/الدينية للنظام السعودي تكفَّر حكام السعودية، لانحرافهم عن الدين الحقّ، الذي أسّسه ابن عبد الوهاب. هذا هو الإسلام الذي غزا، بقوة المال، وعي أبناء المجتمعات الأخرى، وعلى رأسها مغتربي المجتمع المصري” ما أردت قوله أيضا من هذا الاستشهاد بأبي زيد حول المجتمع المصري، أن الحجاب والنقاب إشكالية معاصرة، إشكالية تندرج في إطار صراع القوى على مصر ودورها من جهة، وداخل مصر من جهة أخرى، حيث أنه لا يراد لمصر دورا عربيا محوريا يعبر عن وزنها، خاصة إذا كان عنوانه
” الحرية ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان” إنه نقاش في الحقل السياسي وليس في تفنيد ظاهرة الحجاب دينيا وتاريخيا!
ثم أليست مفارقة أن تخرج علينا وزيرة العدل الفرنسية محتجة على إجراء منع النقاب بقولها، لماذا يحتجون علينا وهنالك دولا عربية وإسلامية منعت الحجاب والنقاب، وهنالك علماء الدين الإسلامي لا يعتبرون النقاب رمزا إسلاميا؟ وتكمن المفارقة أن وزيرة العدل بهذا التصريح إنما تعيد الوضع إلى حقله الأساس وهو الحقل السياسي، وطرقه في استخدام كل ما يستطيعه من أجل صراع وتنافس القوى داخله.
كما أن كل النص الإسلامي لا يتحدث عن النقاب، ولاتعنيه هذه الظاهرة، وحادثة نساء النبي لها مدلول مختلف ولا علاقة له بظاهرة كالنقاب كظاهرة معاصرة، ويمكن مناقشة الأمر لاحقا.
هل النقاب هو عنصر ماهووي في هوية المسلم الأوروبي؟ وحتى الحجاب أيضا؟
الجواب ببساطة” لا” مشددة، لأنه لو فعلا درسنا أوضاع الجاليات المسلمة في أوروبا، لوجدنا أن أكثريتها قطعت شوطا كبيرا في اندماجها الحضاري في العالم الغربي، أما الثقافة الجديدة التي تتمحور حول الحجاب والنقاب، فهي ظواهر يمكن إيجادها عند قسم من هذه الجاليات التي لازالت مهمشة وفقيرة، وخاصة المهاجرة حديثا، أي خلال العقدين الأخيرين، ولازالت تعاني من عوائق هذا الاندماج، والأسباب في ذلك كثيرة ولكن أهمها:
ماجرى في العقدين الأخيرين من تصاعد في العداء لاندماجهم في المجتمعات الغربية، ومحاولة وضع العراقيل، وإحاطتهم بفضاء إعلامي قاهر لا قدرة لهم على مواجهته من أجل تصحيح صورتهم..
ثم هنالك دور الإسلام السياسي كظاهرة معاصرة، ودور نظم الاستبداد السياسي في المنطقة الشرق أوسطية، في تنمية ثقافة متخلفة، ولأساب سياسية وليست دينية مطلقا، فهل تدعم هذه النظم مثلا: تجمعات ما لهذه الجاليات ذات طابع مدني وعصري، أم أنها تدعم المؤسسات ذات الطابع الديني التي تنعم بحرية الغرب، وتكفره بالآن معا، إنه النفاق من زاوية قيمية، ولكنه المباح بالنسبة لهذه المنظمات من زاوية سياسية؟ إن أكثر فعاليات هذه التنظيمات من أصحاب اللحى أو الياقات بدون ربطات عنق، تذهب معززة مكرمة وتعود محملة بكل أنواع الطيب، إلى إيران وبعض دول الخليج وسورية! وهذه مسألة ليست غائبة عن سياسي الغرب، ولا عن المستشارة ميركل ولا عن وزيرة العدل الفرنسية!بينما الأمريكيون باتوا أكثر تشددا في التعاطي مع هذه الظاهرة، وحذروا النظم الشرق أوسطية من دعم مثل هذه المؤسسات، من خلال قوانين مكافحة الإرهاب!
ثم هنالك ما يمكننا تسميته، نتائج المأساة الفلسطينية على أوضاع الجاليات الإسلامية في أوروبا، وأضيفت لها العراق، من الصعب أن تستوعب هذه الجاليات أن الغرب هذا الذي تعرفه وتعيش فيه عاجز عن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية!
مثال: التفاعل الذي حدث أثناء العدوان على غزة في نهاية عام 2008 وصور هذا العدوان.
من جهة أخرى هنالك إعلام فضائي عربي يندى له الجبين في الواقع، ويتابعه المواطن العربي في الغرب، أكثر ما يتابع إعلامه كمواطن أوروبي، لأنه يعتبر أن هذا الإعلام الأوروبي منحازا لإسرائيل!
مع كل هذا وغيره هل يمكننا الحديث عن هوية الإسلام الأوروبي، كهوية ملغقة وقاتلة- على حد تعبير الروائي اللبناني أمين معلوف؟
-2-
مسألة الهوية عند الإسلام الأوروبي، تتلخص في كيفية قيام الجاليات المسلمة في كل بلد أوروبي، على صياغة علاقتها بمجتمعها الأوروبي هذا من جهة، ومن جهة أخرى كيفية استمرار علاقتها مع بلدانها الأصلية، وترتيب هذه العلاقات، بما يعزز الذات سواء الفردية أو الجماعية..والتي تتمحور حول سؤال الهوية نفسه” من أنا”؟ وهذا السؤال أعتقد يضاف عليه سؤالا آخر في حالتنا وهو” أين أنا”؟
هذه القضية كيف يمكن مناقشتها، في ظل وضع معقد كوضع الجاليات المسلمة في أوروبا، معقد من حيث انها جاليات من بلدان متعددة، ومن ثقافات متعددة، ومن عادات وتقاليد متعددة، ويراد لها أن تندمج في مجتمعات مختلفة عن تقاليدها وثقافتها، إضافة إلى خضوعها لسلطات متعددة…وهذا يحتم علينا ملاحظة الفارق مثلا بين الجالية التركية والباكستانية أي بين كل جالية إسلامية وأخرى، وخاصة العربية منها.
رغم كل هذه الفوارق وما يجب أن يتم التعامل معه غربيا بمفهوم المعرفة النسبية والتجريبية، إلا أن التصنيف قد حصل: المسلم في أوروبا، بغض النظر عن كل هذه التاريخية، وهذه الفوارق والتعددية الإسلامية الأوروبية، إلا أن قدر سياسي فرض أنه” كلهم مسلمون..حتى الملحد الوافد من بلد إسلامي! هو مسلم! لا بل” حتى المسيحي الشرقي يتم التعاطي معه أحيانا كمسلم…مع التمييز بين الفضاء الذي يتم التعامل فيه مع الهجرة عموما، والتعامل فيه مع الهجرة من البلدان المصنفة” إسلامية”خصوصا..
الجالية التركية، لم تشكل تهديدا لما يزعم أنه تهديد إسلامي- هكذا بإطلاق- للمجتمعات الغربية، سواء إرهابيا أم ثقافيا، وهي تشكل الجالية المسلمة الأكبر والأكثر تنظيما والأقدم تواجدا..وهي الجالية المسلمة الأكثر عددا في الدول الناطقة بالألمانية. ثم أن هذه الجالية كان ولازال عماد ثقافتها التي أتت منها، هو مشروع الدولة التركية بما له وما عليه، وهو مشروع لا يتنافى مع ثقافة الغرب، ولا يشكل تهديدا له، بل هو مشروع لبيرالي بامتياز. والمؤسسات التي أقامتها وتقيمها هذه الجالية تعتبر مؤسسات مدنية، رغم أن فيها مؤسسات ذات بعد إسلامي، ولا ترتبط أي ارتباط بتركيا كأشخاص سلطوية، وعائلات مالكة، بل ترتبط بمشروع دولتها الصاعد ومجتمعها المدني أصلا…وهذه الحال ليست متوفرة لدى الجاليات العربية المسلمة، فهي في غالبية مؤسساتها، التي تنشأها، ترتبط بعلاقات مع سلطات دولها وليس مع مشاريع دولها كدول طبيعية، كتركيا، وهذا أمر مهم يجب علينا أخذه بعين الاعتبار، الجاليات التركية تريد سمعة تركيا كدولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي، بينما الجاليات الأخرى تريد سمعة سلطاتها وليس دولها، لنلاحظ أن الجالية السورية مثلا” أي مؤسسة تنشأ لديها يجب أن ترتبط بهذا الشكل أو ذاك بالسلطة القائمة وليس خافيا على أحد طبيعة هذه السلطة وما تريده، وأنا لا اتحدث عن مؤسسات هشة لبعض المعارضين السوريين. وهذا أيضا يمكن لنا أن ندرسه من خلال متابعة نشاط روابط المغتربين السوريين الذي تشرف على متابعته وزارة المغتربين في حكومة النظام في دمشق. روابط المغتربين ورجال الأعمال السوريين مهمتهم في أوروبا تلميع صورة النظام، والعمل لتأمين مصالح رجالاته الأكثر حظوة وقوة.
الجالية الباكستانية والمتواجدة بشكل كبير في بريطانيا ولأسباب تاريخية، لم يدخل لها الإرهاب إلا بعد أن قرر الغرب إقامة تنظيمات إسلامية لطرد السوفييت من أفغانستان..ونشوء حركة طالبان…وماجرى بعد ذلك..انعكس أيضا على هذه الجالية، ولكن بقيت السلفية المتشددة تشكل أقلية داخل هذه الجالية، ودون أن ننسى أن بريطانيا كانت خلال كل العقود الماضية اللاعب الأساسي مع الحركات الإسلامية منذ نشوءها في المنطقة العربية، والإعلام الغربي رغم نفخه بقضية الإرهاب، وانتشاره في الأجيال الجديدة، إلا أن نفس الإعلام في ماوراء أخباره وضجيجه، يعرض أن هذه كلها لم تجد تربتها سوى عند أقلية ضئيلة من هذه الجالية المسلمة في بريطانيا.
مثالا بسيطا آخر” لنلاحظ أن الجاليات المشرقية، فلسطينيين سوريين لبنانيين عراقيين أردنييين، يتعاملون مع بعضهم ومع العرب الأخيرين باللغة العربية، بينما الجاليات الجزائرية والمغربية والتونسية يغلب على تعاملهم اللغة الفرنسية في فرنسا وبلجيكا مثلا؟ سؤالي لماذا؟
أعطيت هذه الأمثلة بشكل مكثف وسريع، لكي أبين وجهة الحديث في موضوعنا الشائك هذا، وأريد أن أعود إلى سؤال الأنا” هل المواطن المسلم في أوروبا هو” مسلم” أم” عربي” أهو ألماني أم تركي؟ مغربي أم فرنسي؟
أهو مسلم ومن يعيش في كنفهم كفار؟ أم هو مواطن مثله مثل بقية هؤلاء المواطنيين الذين يتعامل معهم؟ هل شكلت فرنسا وطنا للمواطن من أصل مغربي في وعيه، وفي ممارساته؟ تطرح مسألة الهوية، أيضا من زاوية هذه العلاقة المعقدة مع هذا الآخر، الذي أنعم بما تقدمه بلده لي! وأصبحت مواطنا لي ما له وعلي ما عليه- طبعا يجب أن نتعامل مع هذه القضية بحذر شديد، لأن هنالك من يقول: بأنهم رغم حصولهم على الجنسية لازال التمييز موجودا بين المواطنين الأصلاء والوافدين..!
الإسلام وراءه في بلاده، مستهدف، وقوميته مستهدفة، والغرب يحاول أن يفقد أمته خصوصيتها الدينية والثقافية! كما تصدره ثقافة بلاده إليه، وخطاب سلطاتها ومثقفيها، وإذا بقي مهمشا في مجتمعه الجديد تحدث له عقابيل ازمة نفسية واغترابية، فصاما يطرح عليه سؤال الهوية” من أنا” إن مسألة الهوية يقول محمد عابد الجابري”” في الغالب “أزمة نفسية”، أزمة على صعيد الوعي، قد تشتد لدى شريحة أو شرائح في المجتمع، إلى الدرجة التي تؤدي إلى طرح سلبي لمسألة الهوية. هذا في حين أن المسألة كلها تؤول في نهاية الأمر إلى إعادة التوازن داخل الوعي، الفردي والجماعي””
ومن هنا يبدو واضحا أن معالجة مسألة الهوية، ككثير غيرها من المسائل، تتوقف على الطريقة التي نتعامل بها معها، وهل تمثل بعض المؤسسات الإسلامية التي تنشأ في بلدان الغرب جالياتها، وتساعدها في عملية الاندماج في أوطانهم الجديدة؟” يرى الباحث في العلوم الإسلامية وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة هومبولد في برلين، بيتر هاينه Peter Heine أنَّ في هذه الجمعيَّات بالذات ما يشير إلى نشوء “إسلام أوروبي” في ألمانيا؛ فحسب رأيه يثبت المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا والمجلس الإسلامي وكذلك اتِّحادهما في مجلس للتنسيق أنَّ هناك نية للاندماج داخل المجتمع المدني الألماني. ويلاحظ هاينه أنَّ “قبول مثل هذا التمثيل يتنامى لدى المسلمين الألمان”. ويراهن الباحث الألماني بيتر هاينه على ما يسميه” إسلام أوروبي” حيث أنه: متفائل بنجاح سير هذه العملية الاندماجية” التي تقوم بها حكومة بلاده” قائلا إنَّ “الإسلام في جوهره نظام مرن”؛ ويضيف أنَّ الإسلام قد اندمج على مدى تاريخه مرارًا وتكرارًا في مجتمعات مختلفة. لهذا السبب فإنَّ الإسلام مصبوغ في الهند أو في شرق إفريقيا بصبغة مختلفة عن صبغته مثلاً في العراق. ويقول هاينه إنَّ “الكثير مما ما يزال يدعو له في يومنا هذا بعض الدعاة الإسلاميين مثلاً من أبناء الدول العربية لم يعد يتَّفق مع طبيعة حياة معظم المسلمين في أوروبا” انتهى قول هاينه.
نعم لماذا المشكلة إذن في اندماج الإسلام العربي؟ هذا سؤال أسئله رغم تفاؤل بيتر هاينه بذلك..
وقبل أن أنهي هذا الجزء، لابد من التأكيد على أن النقاب في مؤداه الأخير” كما هو جاهزية سياسية” يتم التعاطي معه” سياسيا” أيضا،أما الحديث عن حقوق المرأة المنقبة، يجب أن يمر عبر بوابة التمييز بين منقبة بالقسر، وبين منقبة بخيارها هي.

-3-
ماذا بقي فيَ من الإسلام ربما لمجرد أنني أتكلم العربية؟ أم لأنني أشعر أنني معني بقضايا العرب كجزء من هذه البشرية؟ هل ممارسة الطقوس الإسلامية الخمسة! أم لأنني من أصول إسلامية؟ كلها أسئلة وغيرها، يمكن أن يطرحها المسلم الأوروبي على نفسه، هل يمكن أن تمنع عني هذه الأسئلة في” أن أصبح مواطنا أوروبيا بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى؟
مشكلة أوروبا مع الإسلام العربي أم مع الإسلام بالمطلق؟ أين كانت هذه المشكلة قبل عقدين من الزمن؟ كانت شوارع باريس مليئة بالسائحات الخليجيات المنقبات، كان الأوروبي شغوفا بالمعرفة،ولازال…
شغوفا ليعرف ماذا تحت” الخمار الأسود؟ ولكن لم يكن يشعر أن هذا الخمار يشكل تهديدا لحضارته أو ثقافته..ربما هنالك ما يدعو لشيء من الابتسامة المريرة، إنني مسلم..وعربي..ومهاجر..وغير مرغوب فيه، علماني، ملحد، شيوعي، لبيرالي، يساري، ديمقراطي، هذه بضاعة تتاجر بها في بلادك، وليس هنا في بلادها، أو بلادنا” نحن من صدرها إليكم…تسفيل العرب هذا هو المعنى من كل هذا الضجيج، حول النقاب، وحول الإرهاب…هم يعرفون مصادره ويعرفون مموليه، هذا شأن عربي خاص…
أما موضوع الهجرة والخوف من الهجرة، يمكن أن يلمسه المرء، المهاجر عموما بات غير مرغوب فيه في أوروبا، يتحدثون عن الهجرة الأفريقية، حتى ولو كان المهاجرين غير مسلمين…الهجرة غير العربية، لا تعطى أبعادا سياسية، فقط الجاليات العربية هي التي تسفل…مسيحية كانت أم مسلمة…ماذا تحت” الخمار الأسود” نفط وإسرائيل واستبداد عربي مزمن وعريق، وله في سجل الخلود الأرضي حكاية، كحكاية ألف ليلية وليلة، دون أن تنتهي لياليها، وكلما شارفت على الانتهاء يبدأ العد من جديد..توريث جمهوري…هذه المعادلة التي تدافع عنها أكثرية النخب السياسية الأوروبية الآن…هذه الثلاثية هي التي يسترها الإعلام الأوروبي، ويضع عليها النقاب، نقابه الخاص.
بلجيكا حظرت النقاب اليوم…وأنا مع أن تحظر كل أوروبا النقاب في الأماكن العامة..وأن تظهر المنقبة وجهها عند اللزوم القانوني… لكن الأمر كله مرهون بتجدد الاستبداد العربي ضمن اللوحة الثلاثية، التي صنعتها أوروبا، ولازالت تحتاجها…
عندما أطلت نخب أوروبية، تجد مصلحتها في إشاعة الديمقراطية في الدول العربية، أغلقوا الباب بوجهها.
الذي حدث في العامين الأخيرين، هو انتصار اليمين التقليدي الليبرالي الأوروبي…وانكفاء التيارات الليبرالية العولمية…اليمين التقليدي الليبرالي الأوروبي..عرف وخبر هذه المنطقة العربية…وأمن تاريخيا مصالحه عبر نظم الاستبداد…واكتشف أن تحرر الشعوب العربية، أمر مرفوض وخطر على مصالحه…
الشعب الإيراني نزل إلى الشوارع يطالب بحريته…ماذا كان موقف أوروبا هذه؟
الحكاية هنا ليست حكاية ثقافة، والنقاب حكاية تافهة في مجريات الأحداث..لو تم طرح التصويت على منع النقاب على الجاليات الإسلامية في أوروبا…لنجح بنسبة ساحقة..لو بادرت بلجيكا..وجربت بأن تطرح موضوع منع النقاب على جالياتها المسلمة…لوجدت أن النتيجة ستكون لصالح منع النقاب…
لتبادر كل الدول الأوروبية وتطرح موضوع منع النقاب أولا على التصويت لدى الجاليات المسلمة..
– ارتدت الصحافية الفرنسية إليزابيث إلكسندر بمجلة “مارى كلير” الفرنسية النقاب لمدة 5 أيام وانطلقت في شوارع باريس لتكتب تجربتها الشخصية. وتُفرد المجلة خمس صفحات في عدد مايو (آيار) المقبل لهذه التجربة التي واجهتها خلف النقاب يوماً بيوم، والتي قام بتوثيقها بالصور زميلها المصور آلان كيلر. المنتقبات يدافعن عن موقفهن، في مقابل هجوم سهام حبشي، رئيسة جمعية “لا عاهرات ولا خاضعات”، على النقاب واعتباره على حد قولها “رمزاً لاضطهاد المرأة”، وكذلك جان فرانسوا كوبيه- سياسي فرنسي مخضرم ورئيس مجموعة الاتحاد من أجل حركة شعبية- المشارك في حملة منع النقاب، الذي اقترح غرامة 750 يورو على من تخرج عن الحظر. معسكران متضادان تحول الحوار بينهما إلى حوار “الطرشان”، ولكنه حوار يثير لعاب وسائل الإعلام التي لم يعد لديها إلا هذا الموضوع، وطبقاً للإحصاءات الرسمية الفرنسية فإن هناك 1900 امرأة منتقبة في فرنسا. تتساءل إليزابيث إلكسندر: كيف تم إحصاؤهن، وكيف نعرف أنهن مرغمات على النقاب كما يدعى البعض؟ وتضيف: المؤكد أن المرغمات على النقاب لن يجدن طريقهن للظهور أمام التلفزيون وسيُمنعن من ذلك- نقلا عن العربية…
هذا خبر طازج تناقلته وسائل الإعلام ..من أصل أكثر من ستة مليون مسلم في فرنسا…يوجد فقط 1900 إمراة منقبة..أعتقد أن هذه الصحفية الفرنسية الجريئة والتي تحترم مهنتها، قد وضعت يدها على الجرح: العلاقة بين السياسة والإعلام والنقاب، هنا جوهر القضية…
والسياسة لها بعد داخلي أيضا…ليست فقط بعد داخل اللوحة الثلاثية التي ذكرناها، ولكن اليمين الليبرالي التقليدي والمتطرف أيضا حتى ينجح بمواجهة يمين العولمة، والنيو لبيرالي، عليه أن يثير مسألة الهوية الحضارية والثقافية..وهنا الخطورة في الموضوع، لنلاحظ ذلك في الانتخابات البريطانية الآن!
ولاحظنا أن ساركوزي أثارها في حملته الانتخابية، وكذا اليمين الألماني…عليه أن يجند الشارع الغربي ضد خوف ما، خوف وإن كان موجودا فإنه مسيطر عليه تماما” هل تخاف أوروبا على حضارتها- قوتها من أقلياتها الإسلامية؟ هذه نكتة….وسأدفع الأمر خطوة إلى الأمام” لنفترض أن تنظيم القاعدة أعاد تكرار إرهابه مرة أخرى في أية دولة أوروبية، فهل الموضوع له علاقة بالنقاب، أو انه يؤثر على الحضارة الأوروبية في الحقل السياسي- حقل القوة؟
الموضوع يذكرنا بستالين الشيوعي الأممي” عندما استفز قومية الروس وأحيا القياصرة في مواجهة ألمانيا، وهو الجورجي أيضا” اليمين الأوروبي التقليدي يحتاج لاستثمار جديد من أجل إعادة الحياة له، وهذا ما حصل ويحصل الآن..الهوية الأوروبية..وفيها كل هوية على حدا..ألمانية فرنسية.. هنا تبحث مشكلة النقاب…
أما الجاليات المسلمة ورغم كل هذا الضجيج غالبية أجيالها تندمج في المجتمعات الأوروبية، وتستمد رموز هويتها الآن: من إسلام أوروبي تكرس عبر السنين كأمر واقع..والخطير في الموضوع لازال يتعلق بالجاليات العربية، التي لم تستطع الخروج من كون مرجعيتها هي” السلطات في البلدان العربية، وعندما تتخلص هذه الجاليات من هذه المرجعيات التي هي سبب في هجرتها، ويصبح لها مرجعيات تعددية أوروبية المصالح والقانون….عندها فقط يتغير مصيرها” نحو مواطن أوروبي مسلم…وهذا يقتضي من الدول الأوروبية، الدفع بالتجربة الألمانية نحو الأفضل، وصرف مبالغ حقيقية من أجل قيام مؤسسات، لمرجعيات أوروبية حقيقية..وليس البقاء في منطقة الرهان على ترحيل مسلميها…!
على المسلم الأوروبي أن يفصل بين دينه وبين احترامه للقانون في البلد الذي يعيش فيه، القانون ليس معتقد ديني…القانون الذي يسري على الجميع بمعزل عن أديانهم، ولا دين له خصوصية مطلقا تعارض القانون، الزواج من أربعة مثلا….إنه ظاهرة فردية…ويمكن للقانون الأوروبي أن يعالج هذه المسألة وفقا لنصوصه، لا أن تحال إلى حقل تسفيل كل الجاليات العربية المسلمة…كم مسلم عربي متزوج من أربعة في أوروبا؟…حتى في البلدان العربية هل هذه ظاهرة منتشرة؟ وأعتقد أن مرجعية أوروبية إسلامية، أمر سهل، لأن الإسلام عموما ليس فيه مؤسسة مرجعية واحدة…ليس لكل دولة عربية إسلامها وحسب، بل لكل منطقة في هذه الدول إسلامها…وماشاء الله مشايخنا أصبحوا أكثر من الطبقة العاملة!
أوروبا وطني…هذا العنوان الذي يجب أن ترفعه الجاليات العربية المسلمة، وبغير ذلك تبقى لعبة في يد تلك الثلاثية التي تحدثنا عنها…ومن هذا العنوان عليها أن تستمد هويتها…وليس من المسلمين الأوائل” بعض رؤساء العرب وملوكهم، وليس من بعض مشايخ العرب سواء كانوا بن لادنيين أم قرضاويين، سيستانيين أم حسونيين…تسمتد هويتها من البلدان التي تعيش فيها.
أما الحديث عن أن هنالك محاولات لأسلمة أوروبا، فهذا حديث من أجل الطرفة و”التهويش” ليس إلا، لأنه لا يوجد أساسا ما يستوجب التفكير بهذه الطريقة، سوى أوهاوم بعض الإسلاميين القليلي العدد والعدة، وتخوفات بعض علمانيي الشرق الجدد، إضافة إلى ثقافة استنفار الهويات العصبوية لدى اليمين الليبرالي التقليدي في أوروبا، وأحزابه بشقيها الليبرالي والديمقراطي المسيحي.
-4-
أكد رئيس ألمانيا الاتحادية هورست كولر معارضته لفرض حظر على “النقاب” في البلاد، مؤكداً أن النقاش حول القضية “لايجوز أن يتخذ منحى أيديولوجياً” حسب تعبيره.
وأوضح كولر في تصريحات صحافية أنه على الرغم من كون “النقاب” يتعارض مع فهمه في مجال تحقيق المساواة للمرأة “إلا أنني أفضل اجراء محادثات واجتماعات مع المسلمين” حول المسألة، وشدد رئيس الدولة الألماني على ضرورة “التلاقي بوجه منفتح وباتفاق مع المجتمع المستنير الحر” وأضاف “إذا كانت بعض النسوة في ألمانيا لازلن يرغبن في ارتداء النقاب، فأنا لا أرى في ذلك سبباً حتى الآن للدعوة إلى فرض حظر عليه” على حد قوله. وأكد رئيس ألمانيا الاتحادية أن “الاسلام دين سلام” مضيفاً أن “اللقاء بين الاديان أمر جوهري ويحمل في طياته الأمل” مشيراً إلى أن “الدستور الاتحادي يحمي الإسلام أيضاً” ومن الواضح “ان تسمح الدولة ، على سبيل المثال ، بالتعليم الديني الإسلامي باللغة الألمانية” حسب تعبيره
ولفت الرئيس كولر إلى أن “على المجتمع صياغة ما يريده من المسلمين، وهذا يعني أيضا أن على المهاجرين احترام القوانين وكذلك السلوكيات في ثقافتنا” على حد قوله. برلين (11 أيار/مايو) وكالة (آكي) الايطالية للأنباء.
كما أدانت منظمة العفو الدولية تصويت مجلس النواب، وهو المجلس الأدنى في البرلمان البلجيكي، بأغلبية ساحقة، يوم الخميس 29 إبريل/نيسان 2010، على قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وقد صوت لصالح القانون 141 نائباً من نواب البرلمان، وتغيب اثنان ولم يعارضه أحد.
وكان مجلس الدولة الفرنسي وهو أعلى هيئة قضائية إدارية أعلن في وقت سابق أن فرض حظر على النقاب بشكل كامل في فرنسا لا يبرره القانون وسيسقط عند أول مواجهة قانونية. وأكد في تقرير قدمه للحكومة الفرنسية ردا على استفسار الأخيرة حول فرض حظر كامل للنقاب أن حظر النقاب يجب أن يكون فقط لدواع أمنية ومنع التزوير وفي بعض الخدمات العامة وأماكن محددة.
الموضوع باختصار، ليس ثقافة، ولا هو دفاع عن حرية المرأة، الموضوع سياسي ..هذا ما أردت تأكيده من خلال إيراد هذه التصريحات، حول ملف النقاب..فكما هو عند الإسلام السياسي المتشدد جاهزية سياسية، ذات غلاف ديني متهافت، هي أيضا في أوروبا الغربية الآن، جاهزية سياسية ذات غلاف ثقافي أكثر تهافتا.
أي قطعة قماش على وجه عدة ألوف من النساء، خلعها يهدد الإسلام! وأي نقاب هذا الذي يهدد هوية ساركوزي!!؟

المهاجر مسلم كان أم غير مسلم، عندما لا يجد فرصة عمل حقيقية، في بلده سيهاجر، وعندما لا يجد فرصة عمل في بلاد المهجر هذه، سيصبح عالة على مجتمعاتها، هنالك نفس منتشر لدى أوساط المهاجرين، وهو أنه:
– يحاول العيش على مساعدات الدولة التي يعيش فيها…وإن تسنى له العمل في الأسود، فيكون هذا أفضل له، وهذه تنطبق على كل المهاجرين بغض النظر عن أديانهم ومنبتهم الجغرافي.
– هذا الأمر يندرج في أحيان قليلة، عند بعض الإسلاميين، أنه مال حلال…وهذا سلوك مرفوض ومستهجن. أحيانا كثيرة يبرر الإسلامي تقاعسه عن العمل ومحاولة الاندماج في مجتمعه الجديد، باللجوء إلى هذا الغطاء الديني. ولكن في المقابل هنالك تمييز في اختيار فرص العمل، وهذا التمييز” منه ما هو موضوعي ومنه ما هو ذاتي..الموضوعي أن ابن البلد دوما يكون له المؤهلات الأفضل، والبطالة بالضرورة كأزمة عامة ستنعكس على المهاجر أكثر مما تنعكس على ابن البلد الأصلي، أما من جهة اخرى هنالك أصحاب شركات وموظفي دولة يفضلون ابن بلدهم على الغريب لأنه كذلك، وهذه نلمسها أكثر ما نلسمها عند الأجيال الناشئة من أصول مهاجرة. وهنا نجد أن التهميش حالة تقع على أبناء المهاجر أكثر مما تقع على ابن البلد. والتهميش منبتا للإرهاب.
– لا يوجد تضييق أبدا على ممارسة الشعائر الدينية، وهذا أمر لا غبار عليه مطلقا…أما موضوع منع المآذن والنقاب كما قلت لا تناقش إلا في الحقل السياسي المتحرك.
– الاحتكاك بين المهاجر والأوروبي، يولد حالة من الإحساس بالدونية عند بعض الفضاءات المهاجرة، وهذه لا ذنب للمواطن الأوروبي فيها، ولكن يرد عليها أحيانا بإحساس بأن هنالك تمييز عنصري، وهذا رد مرضي. وبالمقابل ونتيجة للسياسة صار الأوروبي يتحاشى المهاجر على لونه بغض النظر عن دينه أو أيديولوجيته، وهذه سببها العمليات الإرهابية والأكثر منها هو” نتائج الحملة على الإرهاب” وذات جذور سياسية وليست ثقافية، لأن من يعود لأوروبا الستينيات والسبعينيات لا يجد هذه الحالة.
– فقدان المهاجرون الشرق أوسطيين إلى مؤسسات منبثقة منهم تدافع عن حقوقهم وتتابع شؤونهم، وإن وجدت غالبا ما تكون تابعة إما لسلطة مشرقية أو لجماعة إسلامية سياسية، وهذا يفقد هذه الجاليات المهاجرة، الاستفادة من الحالة المؤسسية- النقابية التي تتيحها القوانين في الغرب، وهذه أجهزة! غاليا لا تشارك مجتمعها الجديد بهمومه عن الإرهاب، ولا تدين أعماله، وهذه قضية منشؤها في الشرق الأوسط، والموقف نابع من مواقف إما تلك السلطات أو مؤسسات الإسلام السياسي.
– حتى الأجيال الناشئة للجاليات المهاجرة تعاني من قلة الصداقات مع زملائهم في المدارس والمعاهد.
– الإسلاموفوبيا قضية لا يمكن مناقشتها من منطلقات، تصارع الأديان، أو تصارع الحضارات، بل يجب مناقشتها في حقل الصراع السياسي، مصالحه وقواه، وعلاقات السيطرة والهيمنة وشروطها الاجتماعية الاقتصادية…
– من المفارقات الملفتة للانتباه، والمغفلة في الواقع، لماذا لا يوجد أسلامو-عربفوبيا، في دول أوروبا الشرقية؟ أو في دول أمريكا اللاتينية؟ أو حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تأخذ بعدا سياسيا مساندا لإسرائيل فقط؟ لماذا تتمركز هذه الإسلاموعربفوبيا في اوروبا الغربية فقط، بزعامة الرباعي التاريخي فرنسا ألمانيا إيطاليا وبريطانيا؟ لماذا لا توجد في اليابان والصين، وكوريا الجنوبية هذه الإسلاموعرب-فوبيا؟ أليس غريبا ألا يتسائل علمانيوننا ويتسائل نقيضهم المثمر!!! الإسلام السياسيوي بشقيه المعتدل والمتشدد، هذه الأسئلة؟ لماذا هذه الإسلاموعرب فوبيا لاتعني بوتين وميديفديف وجنتاو والأمبراطور الياباني، ولا تعني أكاديميي روسيا والصين والبرازيل والهند؟ أم ان روسيا غير معنية بوهيتها الوطنية؟!
ملاحظة: هنالك نقطة ربما تحتاج إلى نقاش من زاوية أخرى، الإنسان الأوروبي، بات الآن يرى تفوقه أمامه، دون الحاجة للقراءة عنه من دراسات مستشرقيه ومابعد حداثوييه، في أحوال بلدان العالم الثالث، بل يرى تفوقه في الشارع والمترو…لأن المهاجرين المتفوق عليهم حضاريا باتوا الآن جيرانه في سكنه.
العلاقة بين الاستبداد التسلطي المشرقي والإسلام السياسي والسياسة الأوروبية والنفط وإسرائيل هي مربض الفرس، أما الحديث عن علمانية وثقافات وحضارات، فكله للاستهلاك المحلي الداخلي في أطراف هذه العلاقة.
غسان المفلح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى