صفحات الحوار

فاروق مردم بيه:الجمهور الفرنسي لا يهتم كثيراً بالآداب التي تشبه أدبه

null
اسكندر حبش
فاروق مردم بيه: ليس عندنا ماركيز لكن أكثر من ١٠ كتاب عرب يحتلون موقعاً
ربما هو الناشط الوحيد الذي جعل للأدب العربي الحديث مكانا مميزا اليوم في المشهد الثقافي الفرنسي وحتى الأوروبي بشكل عام ـ إذ إن اللغات الأخرى تكتشف أدبنا عبر الترجمة الفرنسية ـ وذلك عبر إشرافه على سلسلة »سندباد« التي تصدر عن منشورات »أكت ـ سود«. في هذا الحوار يتكلم فاروق مردم عن ذلك كما عن جملة من المشكلات الأخرى.
سنبدأ الكلام حول سلسلة »سندباد«، كيف تجد اليوم استقبال الفرنسيين للأدب العربي؟
﴿ قبل الوصول إلى استقبال الجمهور الفرنسي للأدب العربي، ربما كان من المفيد أن نستعرض ولو بسرعة، تاريخ »سندباد« وكيف انتقلت إلى ملكية »أكت ـ سود«. كانت السلسلة الأولى من نوعها في فرنسا وربما في أوروبا التي خصصت إنتاجها للعالم العربي وللإسلام بشكل عام. وقد جاء تأسيسها سنة ١٩٧٢ في وقت لم يكن فيه أي اهتمام حقيقي بالأدب العربي في فرنسا. فالأدب الكلاسيكي كان محصورا في الجامعات والدراسات الاستشراقية باستثناء »ألف ليلة وليلة« التي كان لها جمهور واسع وعريض منذ زمن بعيد. اما الأدب الحديث فلم يكن يثير اهتماما ذا شأن عند الناشرين والقراء الفرنسيين. لم يكن في المكتبة الفرنسية أكثر من عشرة كتب كترجمة عن العربية لطه حسين مثلا، »الأيام« وتوفيق الحكيم »يوميات نائب في الأرياف« أما الجديد آنذاك الذي اخترق الحصار فكان »أنا أحيا« لليلى بعلبكي الذي صدر سنة .١٩٦١
استطاع بيير برنار مؤسس »سندباد« خلال عشرين سنة من النشاط أن يعرف ببعض الكتاب المهمين، شعراء وروائيين، مثل نجيب محفوظ والطيب صالح وصنع الله إبراهيم وأدونيس والسياب والبياتي. وأدى تأسيس هذه الدار إلى دفع بعض دور النشر الأخرى إلى العمل على ترجمة بعض الأعمال العربية في منتصف الثمانينيات فترجمت أعمال لإميل حبيبي وجمال الغيطاني وحنان الشيخ وفؤاد التكرلي، الخ…
هذه الدار اضطرت إلى التوقف عن العمل سنة ١٩٩٢ لأسباب اقتصادية وبيعت سنة ١٩٩٥ لأكت ـ سود التي كانت آنذاك في مرحلة نهوض حقيقية. منذ إنشائها العام ١٩٧٨ رغبت دار »أكت ـ سود« في ترجمة الآداب الأجنبية وكانت قد ابتدأت سنة ١٩٩٢ بترجمة أعمال من الأدب العربي بعنوان »عوالم عربية« ظهرت فيها كتب لرشيد الضعيف وصنع الله إبراهيم وهدى بركات وحنان الشيخ ومحمود درويش وسليم بركات وبذلك صارت »أكت ـ سود« بعد شرائها »سندباد« الدار الأولى في فرنسا المعنية بالعالم العربي الحديث.
والحقيقة أن هذه الكتب التي نشرت تحت شعار »أكت ـ سود« حققت نجاحا حقيقيا منذ البداية. وقد حصلت من جهة على اهتمام الصحافة وصارت بعض الأسماء التي نشرت معروفة لدى أصحاب المكتبات ومما أكد حضور هؤلاء الكتاب والشعراء في المشهد الثقافي الفرنسي ما نسميه »سياسة الكتاب« التي تعني في الواقع الوفاء المتبادل بين الكاتب ودار النشر بحيث تتابع وترافق الكاتب في أعماله اللاحقة وأن لا تكتفي بترجمة كتاب واحد وإذا لم ينتشر بأن تتخلى عنه وأن تنشر له كتابا ثانيا وثالثا كي يثبت أقدامه في المشهد الثقافي الفرنسي.
وكيف تفسر تقبل الجمهور لهذا الأدب؟
﴿ من الواضح أن الجمهور الفرنسي والأدبي لا يهتم كثيرا بالأعمال التي تشبه أغلب الإنتاج الفرنسي الحالي. لا يريد أن يشعر بأن بضاعتنا ردت إلينا وإنما يبحث عن عوالم أخرى دون أن تكون هذه العوالم فولكلورية أي أن تكون لها نكهة محلية ولكن ليس على حساب عالميتها، بل لطرحها للمشاكل الكبرى التي تهم الناس في كل مكان. ومما لا شك فيه أن تطور الرواية العربية في السنوات الأخيرة يذهب في هذا الاتجاه.
٦٠ ألف نسخة
بهذا المعنى هل تعتقد أن القارئ الأوروبي لم يعد يبحث عن أي اكزوتيكية عند الكاتب العربي؟
﴿ هناك أكثر من جمهور فرنسي لا جمهور واحد. لا شك أن هناك جمهورا يحب أدب الاستشراق الاكزوتيكي كنوع من التغريب عن عالمه ولكني اعتقد أن هناك جمهوراً آخر، الأهم، المعني بالقيمة الأدبية للعمل، لا فقط بالتسلية، تجاوز هذا الإغواء الاكزوتيكي الشرقي. وصار يقرأ الأدب العربي كما يقرأ الأمم الأخرى، الآداب التي صارت تترجم أكثر إلى الفرنسية واللغات الأوروبية الكبرى.. مثلا آداب أوروبا الشمالية صارت موجودة بقوة في دار النشر وكذلك آداب شرق آسيا، وآداب أوروبا الشرقية، نهوض عام لحركة الترجمة من اللغات الأخرى وهذا واضح ليس في فرنسا بل في إيطاليا واسبانيا. هناك كتاب عرب لاقوا نجاحا مهما جدا وقد يكون مفاجئا لأسباب يصعب تحديدها. قد يكون العمل الأدبي مسليا ويمس قطاعا واسعا من الجمهور الفرنسي أكثر من كتب أخرى تبدو أصعب وأبعد تناولا للقارئ الفرنسي ولكن يمكن القول إن أكثر من عشرة من الكتاب العرب الناشطين يحتلون موقعا في المشهد الثقافي وتجاوزت عدد النسخ المباعة لهؤلاء الكتاب ٦٠ ألف نسخة وهو رقم معقول بالمقارنة مع ما ينشر لترجمات الآداب العالمية الأخرى. بالإضافة إلى بعض النجاحات الاستثنائية كعلاء الأسواني الذي تجاوز ٢٠٠ ألف من »عمارة يعقوبيان« وتجاوزت »شيكاغو« ٥٠ ألف نسخة وأنا أعتقد أن هذا النجاح أعطى دفعة قوية للكتاب الآخرين بعكس ما يعتقده البعض.
هل تعتقد أن الوضع السياسي العام يدفع أحيانا إلى هذه القراءة؟
﴿ ربما كان عند الكثير من القراء الفرنسيين فكرة أعتقد أنها صائبة وهي أن الأدب قد يكون أكثر عمقا لتحليله المجتمعات العربية الحالية وللمشاكل التي يعاني منها العالم العربي أكثر من الأعمال السياسية المباشرة. وأذكر بهذا الصدد أن بعض الصحافيين الفرنسيين قالوا وكتبوا أنهم فهموا مشاكل المجتمع المصري من خلال رواية »ذات« لصنع الله إبراهيم أكثر مما فهموا من قراءة الدراسات السياسية والاجتماعية عن مصر. وبهذه المناسبة نقول إن جيل الحرب الأهلية الروائي اللبناني يُعرف أيضا بالمجتمع اللبناني والصراعات التي تدور فيه بشكل قد يكون أكثر دقة من كثير من التحليلات السياسية. أعتقد أن الاهتمام بالقضية الفلسطينية كان وراء الاهتمام بالشعر الفلسطيني في البداية. إذ أن أول عمل شعري عربي معاصر ترجم إلى الفرنسية كان مجموعة من قصائد درويش الأولى أي قصائد المقاومة، وأدت شهرته السياسية آنذاك إلى أن يتابع الكثير من القراء أعماله اللاحقة التي كان يتجاوز فيها كتابه السابق بحيث صار من أكثر شعراء العالم شهرة في فرنسا.
في الثمانينيات كان هناك في فرنسا قارئ حقيقي لأدب أميركا اللاتينية وللأدب الياباني. لماذا برأيك لم يستطع الأدب العربي بعد أن يحتل مكانة مماثلة عند القارئ.
يجب أن لا ننسى أن الاهتمام بالأدب المكتوب بالهيسبانية (أي اسبانية أميركا اللاتينية) قد بدأ منذ الحرب العالمية الثانية وكانت عند بعض أهم دور النشر سلاسل خاصة لهذا الأدب أي أن انتشاره في الثمانينات جاء بعد جهود طويلة من المترجمين للتعريف به دام نحو ٤٠ سنة، حتى تمكن من النفاذ إلى أوروبا ولعب ماركيز بالذات دورا جوهريا عبر »مئة عام من العزلة«. كان أول كتاب يحوز شهرة واسعة عند الجمهور العادي والمثقف، فبيع منه مئة ألف نسخة… هذا الأمر ليس وليد يومه. بالإضافة إلى أنه يجب الاعتراف بأن ليس لدينا ماركيز حتى الآن.
كيف هي سياسة النشر والترجمة التي تتبعونها في سندباد؟
﴿ هناك مبدأ أساسي عند »أكت ـ سود« بشكل عام، ليس لدى الدار برنامج محدد ودقيق للترجمة. أغلب الترجمات من جميع اللغات تتم عبر إعجاب الناشر بكتاب ما ويعتقد أنه يمكن أن يهم القارئ الفرنسي. في ما يتعلق بالأدب العربي أحاول بالإضافة إلى ذلك، أن أبين أن هذه الحركة العامة الثقافية في العالم العربي والتي اعتبرها الجانب الأبرز في مقاومة الثالوث هو نشاط الأدباء والفنانين. أي الذين يعطون صورة مخالفة لهذا الاستبداد السياسي والتطرف.. أريد أن ابين أنه يهم جميع العالم العربي وليس فقط العالم العربي المشرقي فلذلك حاولت في السنوات الأخيرة أن افتح المجال للأدب العربي المكتوب بالغرب وكذلك آمل لآداب شبه الجزيرة العربية. أعتقد أن هذه البلدان تساهم في نهضة الرواية العربية عبر أعمال كثير من الكتاب والكاتبات.
أن تكون عربيا
أنت هنا اليوم لاعتبارين، الأول سندباد وتحدثنا عنه والثاني كتاب »أن تكون عربيا«. ماذا يعني أن تكون عربيا؟
﴿ هذا الكتاب هو نوع من المقابلات أجراها صحافي فرنسي يساري من أسبوعية »Politis« مع صديقي الياس صنبر ومعي. كان الهدف منه توضيح بعض القضايا التي اعتقد أنها أساسية والتي يساء طرحها وفهمها في الأوساط الثقافية والسياسية الفرنسية، أولها ما يتعلق بالهوية العربية التي تبدو كما لو أنها معطى ثابت لم يتغير يخترق العصور والبلدان، فالهدف الرئيسي كان أن نبين أن هذه الهوية هوية متعددة وليست أحادية الجانب وأن الهوية العربية ليس لها بالضرورة نفس المعنى في الجزائر ولبنان والعراق ومصر، لها وجوه عديدة وليس من المناقض أن تكون لبنانيا وعربيا في الوقت نفسه.
النقطة الثانية التمييز بين العروبة العقائدية وبين ما أسميناه العروبة العملية فالأولى هي اتجاه سياسي محدد، فقد تكون معه أو ضده أو أن تتحفظ عليه. أما العروبة الثقافية فهي أمر لا رد له، طبيعي. وجميع الحركات الوطنية في العالم العربي استندت إلى هذا الشعور العميق عند الأغلبية العظمى عند الشعوب العربية لتحرير بلادها من الاستعمار الخارجي لتحديث المجتمعات العربية. التيار السياسي أدى إلى تجميد الهوية العربية بصورة معينة لم يتجاوزها.
بالرغم من كل هذه المحاولة، هل استطعنا أن نظهر أننا لسنا فقط »كائنات تاريخية«؟
﴿ هو محاولة لدحض بعض الأفكار المنتشرة عند الغربيين ولكن عند الكثير من العرب في نظرتهم إلى أنفسهم وإلى تاريخهم البعيد والقريب. من الواضح أن هذه المجموعة البشرية التي تسمى العرب هي في أصلها مجموعة معربة ومستعربة وليست سلالة العرب القدماء. فالهوية أيضا وحتى تكون أساسية وذات معنى لا تكون وراءها إرادة سياسية في الانتماء وإلى مجموعة، ليست أمرا عفويا بالمعنى السياسي.
النقطة الثانية في الكتاب، محاولة فهم الأزمة العميقة والأخلاقية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها العالم العربي والتي تتميز بهيمنة »الثالوث«: »السيطرة الأجنبية« (والعالم العربي هو المنطقة الأخيرة التي لا تزال تعاني من استعمار مباشر، كما إلى جميع أشكال الاستعمار المبطنة) وثانيا »الاستبداد السياسي« الذي يعم العالم العربي من المحيط إلى الخليج والذي يشل بناء مجتمعات مدنية حقيقية ودول حقيقية ذات سيادة ومواطنية، وثالثا »التطرف الديني« الذي يسمى بعودة الإسلام ويظهر لنا.
يتكامل هذا المثلث، بحيث يبدو مثلا أن التطرف الديني هو الرد الوحيد على السيطرة الأجنبية والاستبداد السياسي ويبدو الاستبداد السياسي الحاضر الرئيس في وجه التطرف الديني والسيطرة الأجنبية. أطراف المثلث متصارعة لكن متكاملة وتؤدي إلى شل كل القدرات على جميع المستويات. وهناك أخيرا تحليل للوضع في فرنسا بالذات وآثار استقرار عدد كبير من المهاجرين في فرنسا، لقضاء بعض السنوات وجمع مبلغ من المال… منذ السبعينيات صار الاتجاه الغالب للاستقرار في فرنسا وإلى الفرنسة، الجيل الثاني والثالث طرح مسألة الاندماج أو عدمه في المجتمع الفرنسي ونشأ عن ذلك توتر في بعض ضواحي المدن الكبرى محاولة للكلام عن هوية هؤلاء إلى أي مدى هم فرنسيون أو عرب أو بربر….
نقطة أخيرة أكدناها في الكتاب وتبدو لي مهمة هي رفض فكرة التركيز على حق التمايز الثقافي وهو حق محترم وحقيقي على ألا يؤدي إلى نبذ المبادئ الكونية غير المقبولة من الطرف الغربي أو العربي، أن يعتبروا فروقا جوهرية بينهم وبين الآخرين من حيث الموقف من حقوق الإنسان والمرأة وأن ينسى مثلا أن اضطهاد المرأة هو جزء من الثقافة العربية وأن لا يؤدي هذا الحق الذي تم تأكيده إلى اعتبار أن العرب من كوكب آخر ينطبق عليهم ما ينطبق على جميع البشر في عالم اليوم.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى