صفحات الحوار

فوكوياما: الديموقراطية تقوم على مؤسسات يصعب إنشاؤها

null
في عام 1992، قام فرانسيس فوكوياما، وهو مؤرخ وفيلسوف ياباني أميركي من الجيل الثاني، بنشر أطروحة “نهاية التاريخ” السباقة لعهدها والمثيرة للجدل، التي يقول فيها إن الصراع الأزلي حول الإيديولوجيات السياسية قد انتهى وإن الديموقراطية الليبرالية خرجت منتصرة. بيد أن السنوات الـ16 الماضية، التي شهدت بروز النظام الروسي الاستبدادي، والنمو الاقتصادي الهائل للصين وفشل مُثل المحافظين الجدد في العراق، حيث أيد فوكوياما منذ وقت باكر اطاحة صدام حسين، ألقت شكوكاً حول افتراضاته.
مجلة “نيوزويك” (30 أيلول 2008) أجرت حواراً معه. وهذه مقتطفات منها:

ألا تزال النظرية المطروحة التي بنيت عليها أطروحة “نهاية التاريخ” قائمة؟
ـ الافتراض الأساسي لا يزال قائماً. فالمشكلة المتعلقة بالفهم الرائج للنظرية المطروحة تكمن في اعتبار التاريخ مجرد أحداث تجري وتتوالى، بينما الفرضية الجدلية تطرقت أكثر الى تطور المجتمعات البشرية، وإلى الاتجاهات التي كانت تسير فيها وإلى محطتها الأخيرة المحتملة من ناحية أشكال الحكم. وعلى الرغم من اعادة إحياء توجهات استبدادية في روسيا والصين، لا تزال الديموقراطية الليبرالية هي الشكل الشرعي الوحيد للحكم المقبول على نطاق واسع. طبعاً، لقد اختارت مجموعات عدة عدم اللجوء إليها، مثل المتشددين الإسلاميين، ولكن على المدى الطويل لا أزال واثقاً جداً بأن الأنظمة الديموقراطية هي الوحيدة القابلة للنجاح والحياة.
ألا يعارض أطروحتك احتمال أن تكون أميركا سائرة نحو التراجع وأن الديموقراطية الليبرالية تعرضت لضربة في العراق؟
ـ لم ترتبط الأطروحة قط ارتباطاً محدداً بالهيمنة الأميركية. إن الاتحاد الأوروبي يمثل هذه المثل العليا تمثيلاً أفضل، في الواقع. القوة الأميركية بالنسبة الى العالم تتراجع بسبب نمو مراكز قوة أخرى، وكان هذا متوقعاً حتماً. لكن الشيء الذي تغير هو أن الفكرة بحد ذاتها القائلة إن الديموقراطية جيدة ـ إن علينا أن نتهم لتكون الدول ديموقراطية ـ تلوثت بالطريقة التي استغلتها إدارة بوش لتبرير هذه الحرب على الإرهاب. لقد بدأ الناس في العالم يربطون اليوم فكرة الديموقراطية بإدارة بوش، وبإمكان فلاديمير بوتين أن يقول: “لسنا مكترثين بالديموقراطية”.
عام 1992، كنت متفائلاً فيما يخص روسيا. أما زلت على تفاؤلك؟
ـ ما يحدث في روسيا أقرب الى حالة مرتبطة بالجيل الجديد. لدى الروس الأصغر سناً الذين نضجوا خلال التسعينات من القرن الماضي ارتباط سلبي بالفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. إن نمو الاستهلاكية يروقهم. وهم يعتبرون التسعينات من القرن الماضي فترة إهانة وطنية، وضعف، وفوضى وتراجع في الخارج. إنهم يشعرون بحنين الى قوة الاتحاد السوفياتي. لم يختبروا تلك القوة بشكل مباشر، ولهذا السبب يشعرون بذلك. هذا هو أساس تأييدهم لبوتين. السؤال الحقيقي هو: هل يريد ذلك الجيل التخلي عن إمكانية السفر الى أوروبا لقاء السيطرة على أوكرانيا وجورجيا؟
هل ينبغي قبول هاتين الدولتين عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)؟
ـ نعم، وأعتقد أنهما يستحقان الحصول على ضمانة بأننا سنرسل قوات للدفاع عن أعضاء حلف الناتو. لكن من غير الواقعي أن نعتقد ان الولايات المتحدة ستلجأ الى ذلك في حالة أي منهما. فنحن منهمكون جداً في حماية بولندا ودول البلطيق، بوجود روسيا هجومية اليوم، يشعر الناس بأن حلف الناتو هو التعويذة السحرية التي توفر الحماية من دون الاضطرار الى دعمها. في ظل الظروف الراهنة، من غير الواقعي أن نبالغ هناك في وجه روسيا التي ترد بهذه القسوة. علينا أن ندرك أنه ينبغي ألا نطلق وعوداً بالتزامات عسكرية نحن غير قادرين على تنفيذها.
أصبحت بعيداً جداً عن ميولك الأولى نحو المحافظين الجدد.
ـ لقد تنكرت لها منذ سنوات. لطالما امتلكت نظرة ماركسية الى التاريخ: الديموقراطية هي نتيجة عملية تحديث واسعة تجري في كل بلد. المحافظون الجدد يعتقدون أن استعمال القوة السياسية يمكن أن يسرع وتيرة التغيير، لكن في نهاية المطاف التغيير يعتمد على إجراء المجتمعات أنفسها ذلك التغيير؟
هل كان هذا رأيك عام 1992؟
ـ العملية أصعب وأطول مما كنت أشعر به وقتئذ. أصبحت أقدر تقديراً أكبر كون الديموقراطية تبنى على مؤسسات يصعب جداً إنشاؤها، ولا سيما حكم القانون. الشيء المهم الآخر الذي لم أتخيله عام 1992 هو إمكانية أن تصبح الولايات المتحدة مثيرة للجدل الى هذا الحد ومضرة الى هذا الحد باحتمالات حلول الديموقراطية.
كم من الوقت يستغرق إصلاح ذلك؟
ـ يستغرق على الأرجح عقداً من أعمال إعادة البناء. لكنه أمر تمكن إعادة إحيائه لأن المبحث الأساسي، أي أن المجتمعات الديموقراطية ضرورية، يبقى متيناً.
هل ينبغي أن تعيد الولايات المتحدة التركيز على المشاكل الداخلية؟
ـ ما كنت لأتراجع عن التدخل الخارجي. في العالم مشاكل كثيرة، وقد قدمنا التزامات كثيرة ونحتاج الى الحفاظ عليها. ويتم الحفاظ بشكل أفضل على معظمها بواسطة القوة غير العسكرية، وأعتقد بالتالي أن هناك حاجة الى إعادة تأكيد لاستعمال القوة الأميركية اللينة.
قلت إن الصين تشكل تحدياً أكبر من التحدي الذي تشكله روسيا.
ـ هناك خياران، إما أن نبني حاجز احتواء بمواجهة الصين، وهو أمر اقترحه أصدقائي المحافظون الجدد، وإما أن نحاول اجتذاب الصينيين الى أكبر عدد ممكن من المؤسسات العالمية، مثل منظمة التجارة العالمية. أعتقد أن السيناريو المفضل هو السيناريو الثاني، لا سيما في ظل تخيلنا عالماً بعد 20 سنة يكون فيه حجم الصين موازياً لحجم الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى