زيارة إلى مقرّ المحكمة الدولية
فوربرغ (خاص “الأخبار”)عمر نشابة
وقع اختيار الأمم المتحدة والسلطات الهولندية على مبنى للاستخبارات مقرّاً للمحكمة الدولية الخاصّة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. زارت «الأخبار» المبنى وعلمت أن أعمال التجهيز والصيانة فيه لم تنطلق، كما أن بياناً رسمياً أفاد بأن عمل المحكمة يبدأ في 2009 وينتهي في 2014!
أبلغت بلدية ليدسكندام ـ فوربرغ (Leidschendam – Voorburg) سكانها أن المبنى الذي كان مخصصاً للاستخبارات الهولندية (AIVD- Algemene Inlichtingen en Veiligheidsdienst) اختير مقرّاً للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كما أُعلِم الأهالي عبر بيان نشر على الموقع الإلكتروني للبلدية أن المحكمة ستبدأ عملها في مطلع 2009 وتنتهي منه عام 2014. وكان وفد من الأمانة العامة للأمم المتحدة برئاسة نيكولا ميشال، مساعد بان كي مون للشؤون القانونية، قد زار هولندا واجتمع مع المسؤولين فيها للاتفاق على المكان المناسب لانعقاد المحكمة. الاستخبارات الهولندية أخلت المبنى منذ شهرين، وانتقل مقرّها إلى مبنى تابع لوزارة التربية في منطقة زوترمير (Zoetermer) المجاورة. فالمبنى المؤلّف من 9 طبقات لم يعد كافياً لاستيعاب عدد العاملين في مديرية الاستخبارات الهولندية المتزايد، وخصوصاً بعد تكرّر الهجمات الإرهابية في أوروبا خلال السنوات الخمس الماضية.
آراء سكّان ليدسكندام ــــ فوربرغ باستضافة مقرّ المحكمة الدولية في بلدتهم متفاوتة. فمنهم من قال لـ«الأخبار» إنه لا فرق بين وجود مبنى للاستخبارات أو مبنى لمحاكمة إرهابيين، بينما عبّر آخرون عبر نشرة محلية أسبوعية عن خشيتهم على أمن البلدة، لأن المحكمة ستدين إرهابيين يمكن أن تسعى المنظمات التي يعملون لمصلحتها إلى مهاجمة مقرّها. وأضافت النشرة، نقلاً عن مواطنين هولنديين، أن المحكمة ليست مؤسسة شرطة تعمل للحفاظ على أمنهم وسلامتهم، وبالتالي، يفضّل هؤلاء الاستخبارات الهولندية عليها، لأن وظيفة الأولى هي حمايتهم من الإرهاب، بينما الوظيفة العملية للمحكمة تقتصر على التدقيق والإدانة والمحاسبة.
يذكر أن مخاوف بعض سكان ليدسكندام على أمنهم كانت قد تفاعلت عام 2006 عندما ألقت السلطات الهولندية القبض على شاب مغربي الأصل يدعى سمير عزّوز، وجدت بحوزته خرائط وخططاً لمهاجمة عدد من الأهداف في مختلف أنحاء البلاد. كانت كلّ الأهداف مباني رسمية، وبينها مبنى البرلمان في لاهاي ومقرّ الاستخبارات في ليدسكندام. حُكم على عزّوز وعلى عدد من المتعاونين معه بجرم التحضير لهجمات إرهابية، وهو يقضي عقوبة 8 سنوات خلف القضبان.
وبحسب صحافيين محليين قابلتهم «الأخبار»، كانت هناك خلافات بين السكان وجهاز الحماية التابع للاستخبارات على خلفية مواقف السيارات. إذ لا تكفي المساحة المخصصة للمواقف لعدد السيارات التابعة للاستخبارات والزوار، ولا يوجد مرأب سفلي، ما اضطر جهاز الحماية إلى استخدام مواقف مخصصة للأحياء السكنية. لكن عولج الخلاف عبر استحداث موقف بالقرب من مدخل المبنى. لكن ذلك لم يحلّ المشكلة التي عُدّت من أسباب انتقال الاستخبارات إلى مقرّ آخر.
أهمية هذه القضية لا تقتصر على أماكن لركن السيارات، بل على ضروريات المحكمة الأمنية، وخاصة مع انتقال القضاة وشهود يتمتعون بحماية خاصة (برنامج حماية الشهود السرّي) ومتهمين، من وإلى المبنى بعد انطلاق الجلسات.
خصوصيات المبنى وموقعه
المدخل الرئيسي لمبنى المحكمة (خاص “الأخبار”)المدخل الرئيسي لمبنى المحكمة (خاص “الأخبار”)يقع مبنى المحكمة الدولية في شارع ستامسترات (Stamstraat) في بلدة ليدسكندام ــــ فوربرغ، وهي جزء من الضاحية الشمالية لمدينة لاهاي. تحيط بالمبنى من الجهة الشمالية والغربية مبان سكنية، أما الجهة الجنوبية ففيها مبنى مهجور مؤلف من عشر طبقات كان تابعاً لوزارة الإسكان، وكان يستخدم لاستضافة اللاجئين السياسيين.
في لقاء مع «الأخبار»، قالت المتحدثة باسم بلدية ليدسكندام ــــ فوربرغ إن مالك مبنى الاستخبارات سابقاً هو الدولة الهولندية، وسيسلّم إلى الأمم المتحدة عبر مؤسسة «ريجكسغيبوندينست» الرسمية(Rijksgebouwendienst)، وهي مكلّفة حالياً بصيانته. لكن عند زيارة المبنى الذي يبعد نحو 400 متر عن مبنى البلدية، تبيّن أنه خال من عمّال البناء والترميم والتجهيز، وفيه حارس واحد باللباس المدني. وبعد قرع الجرس الخارجي لباحة المبنى لأكثر من سبع مرّات، حضر حارس وقال بتهذيب إن المبنى بعهدة مؤسسة «ريجكسغيبوندينست» التي يعمل لديها، ما يشير إلى أن الأمم المتحدة لم تتسلّم المبنى حتى اليوم، ولم تنطلق ورشة تجهيزه ليتحوّل إلى محكمة. وسيحتاج المبنى الذي يتضمّن قاعة كبيرة شبيهة بالمسرح، وعشرات المكاتب الصغيرة ومختبراً، إلى إعادة تجهيز قد تستغرق شهوراً. إذ يفترض تحويل القاعة إلى غرفة محكمة أو ربما قاعتين. فالنظام الأساسي للمحكمة الدولية (ملحق القرار 1757) ينصّ على احتمال إنشاء أكثر من غرفة للمحاكمة.
عند سؤال المتحدثة باسم البلدية عن الإجراءات الأمنية التي ستُتخذ لحماية المحكمة والقضاة والشهود، أجابت بأن السلطات المحلية لم تبلّغ بأي إجراءات تضاف على إجراءات الحماية الذاتية لمبنى الاستخبارات سابقاً.
المبنى مجهّز بأكثر من 50 كاميرا مراقبة مركّبة في محيطه وفي الطوابق العليا. واللافت أن أحواضاً من المياه تحيط به، ما يجعل مدخَلَيه الرئيسيين على جسرين إسمنتيين يعلوان المياه. وهذه الخصوصية المعمارية تشبه خصوصية الحصون التي بُنيت في القرون الوسطى لحمايتها من الهجمات العسكرية. يذكر أن أمن مبنى المحكمة الدولية سيكون من مسؤوليات جهاز الحماية في الأمم المتحدة، كما هي حال مقرّ المحكمة الدولية في جرائم يوغسلافيا السابقة الموجود في مدينة لاهاي. أما الشرطة الهولندية، فستقوم بمؤازرة عناصر الأمن الأمميين، وستكثّف الدوريات في محيط المبنى، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية الهولندية.
كان جهاز الحماية في الاستخبارات الهولندية قد وضع غرفة حديدية سوداء بالقرب من المدخل الخارجي للمبنى، للتدقيق في هويات الزوار والعاملين فيه، والبوابات الحديدية مجهّزة بأجهزة إلكترونية لقراءة بطاقات التعريف.
ويبعد سجن سكافنينغن (Scheveningen) الذي سيستخدم لتوقيف المتهمين باغتيال الحريري وبالجرائم الأخرى إذا ثبت تلازمها معها، 30 كلم عن مقرّ المحكمة الدولية في ليدسكندام. وستحرس قوة أمنية تابعة للأمم المتحدة القسم المخصص للمتهمين بجرائم من اختصاص المحكمة الدولية داخل سجن سكافنينغن وتنقلهم إلى قاعة المحكمة بمؤازرة الشرطة الهولندية.
بلدة ليدسكندام ــ فوربرغ فيها أربعة فنادق فقط، في كلّ منها 15 إلى 20 غرفة، لذا يفترض، بحسب المتحدثة باسم البلدية، أن يقيم العديد من الزوار والعاملين في المحكمة في مدينة لاهاي التي تبعد حوالى نصف ساعة بالسيارة عن مبنى المحكمة