صفحات أخرى

موسم الهجرة إلى الغرب

null

نشرت مجلة “آخر ساعة” (26 آذار 2008) ملفاً عن الهجرة العربية وتدفقها الكبير بعد ازدياد الضغط الديموغرافي وارتفاع معدلات البطالة.

من الملف نقتطف:

اذا كان من الصعب معرفة حجم الهجرة بدقة إلا أن اخر هذه التقديرات وفق دراسة أعدتها إدارة ما بين 15 إلى 20 مليون مهاجر عربي من بينهم خمسة ملايين من الفلسطينيين و2.7 مليون مصري ونحو 3 ملايين مغربي ومليون جزائري ونحو 800 ألف تونسي وما يزيد على 600 ألف لبناني و600 ألف سوداني ونحو مليون يمني.

إلا أن أعداد السوريين واللبنانيين المقيمين أو المتجنسين بأميركا الجنوبية يبلغ عدة ملايين.. حيث يقدر عدد السوريين واللبنانيين في الشتات نحو عشرين مليوناً أي أكثر من إجمالي السكان الحاليين.

ولعل ما يميز خصائص الهجرة العربية خلال السنوات الأخيرة هو ارتفاع نسب المتعلمين بين المهاجرين الجدد وتنامي هجرة العقول والكفاءات وأصحاب المهارات العليا… فهناك ما يزيد على مليون مهاجر عربي في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية OECD هم من الحاصلين على شهادات جامعية عليا وهم رقم تقريبي.

ويقدر عدد الاطباء العرب الذين يهاجرون سنوياً الى البلدان الأوروبية بنحو خمسة آلاف طبيب.. كذلك فإن عدد المهاجرين سنوياً من الحاصلين على شهادات جامعية من الجامعات العربية يقدر بنحو 70 ألف جامعي من مجموع 300 ألف متخرج سنوياً من الكليات العربية.

فعلى سبيل المثال نجد نسبة المهاجرين من المغرب الحاصلين على الثانوية العامة من 20.2 % ما بين عامي 1970 و1984 لتصل إلى 44.1 % خلال التسعينات… كما ارتفعت نسبة المهاجرين الجامعيين من 5.9 % إلى 8، 15 % خلال الفترة نفسها.

كذلك تنامت هجرة الكفاءات المتخصصة من ذوي التحصيل العلمي المرتفع… فعلى سبيل المثال ارتفعت نسبة المهاجرين المتخصصين في الاردن من 31 % عام 1975 إلى 57.9 % في عام 1995,. أيضاَ تزداد اعداد الكفاءات المغاربية الذين يعملون بالمركز الوطني للبحوث العلمية الفرنسي (CURS) نحو 1600 باحث. كما بلغت نسبة اساتذة معهد الرياضيات بجامعة الجزائر الذين هاجروا خلال السنوات الأخيرة 70 % من اساتذة هذا المعهد… أيضاَ تتراوح نسبة المهاجرين سنوياً من مجموع المتخرجين في المعهد الوطني للبريد والاتصالات والمدرسة المحمدية للمهندسين بالمملكة المغربية 50 % إلى 70 % من المتخرجين.

واذا كان حراك الهجرة العربية يتوزع تقريباً بالمناصفة بين دول الخليج وبين المهاجرين إلى البلدان الغربية في أوروبا خاصة فرنسا وألمانيا، وحديثاً اسبانيا وايطاليا وهولندا وأميركا وكندا (حيث تتميز الهجرة إلى أميركا وكندا بارتفاع المستوى التعليمي بين افرادها)، إلا أنه من المستجدات في تيارات تنقل هجرة العمل خلال السنوات الأخيرة هو انحسار فرص هجرة العمل العربية نحو بلدان الخليج العربي… حيث انخفضت هذه النسبة في بلدان الخليج من 72% من اجمالي المهاجرين عام 1975 إلى 31 % فقط عام 1990 إلى أن وصلت إلى ما بين 25 % و29 % فقط عام 2002 … في الوقت الذي تزايدت فيه نسبة العمالة الآسيوية الى قرابة ثلثي العمالة الوافدة الى الخليج… وتذهب بعض التقديرات الى أن مجموع الهنود وحدهم في الخليج يقارب مجموع المهاجرين من مصر واليمن وسوريا والأردن.

يأتي ذلك بالرغم من الدور الذي لعبته الهجرة علي الصعيد العربي في جهود التنمية وبنيان الدولة الحديثة، خاصة، عند بداية تنفيذ مشروعات البنية الأساسية وعصرنة مؤسسات الدولة الخدمية والانتاجية والتعليم والصحة والإدارة وغيرها كما هو الحال في دول الخليج وليبيا على سبيل المثال.

وبحسب تقديرات المتخصصين فإن المردود الإيجابي للعمالة العربية في هذه البلدان كان متعدد الأبعاد.

فقد أسهم انتقال العمالة في زيادة الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول… كما وفرت لهم أيدي عاملة جاهزة الاعداد لم تنفق عليها استثمارات مسبقة في التعليم والصحة وغيرها… كذلك خفضت من تكلفة تشغيل الأيدي العاملة في هذه الدول من حيث الأجور النقدية والعوائد الأخرى، فتكلفة العامل الوافد أقل من المواطن… كما ساهمت في نمو الأسواق المحلية هناك حيث كل العمال الوافدين وأسرهم قوة شرائية إضافية كما دعموا بعض النشاطات كوكالات السفر والطيران وبعض بيوت المال المشتغلة في بعض مدخرات الوافدين وتحويلاتهم.

كذلك لعبت العمالة العربية دوراً مهماً في الحفاظ على أداء مؤسسات الدولة لنشاطاتها ومهامها عندما حلت محل العمالة العراقية بالعراق خلال الحرب العراقية الايرانية حيث حملت تجربة هجرة الفلاحين المصريين الى العراق في طياتها دروساً هامة حول توطين العمالة العربية داخل الاقليم العربي… أيضاً أسهمت العمالة المصرية في الأردن في زيادة تحويلات الأردنيين وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.

كما ساهمت العمالة العربية في تعمير لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية.

غير أن هذه الهجرة الآن تواجه عدة تحديات لعل أهمها ضعف تنافسية العمالة العربية سواء في أسواق العمل العربية أو غير العربية وهي تنافسية لا تكتمل فقط بالخبرة والمهارة وإنما بطريقة التفكير والقدرة على التعلم الذاتي المتواصل واستيعاب المستجدات في العمل… والوعي بمتطلبات زيادة الانتاجية والابتكار… وباستثناء جذب كفاءات عربية متميزة بالخارج في مقابل وهن ظروف وشروط وجودها محلياً… تتزايد البطالة محلياً لعوامل مركبة.

وقد ترتب على ضعف تلك التنافسية إحلال متزايد للعمالة غير العربية في بلدان الخلية العربية وفي أماكن عربية أخرى.

ويعد كذلك تحدي هجرة الكفاءات العربية أحد أهم التحديات المرتبطة بالهجرة في زمن العولمة… ففي الوقت الذي يتزايد الطلب عليها خارج الاقليم العربي حيث وصل عددها في أقل التقديرات الى مليون كفاءة عربية، يتزايد غلق أبواب توظيفها في التنمية الوطنية والاقليمية، وهناك بعض المؤشرات الدالة على خطورة الظاهرة حيث يقدر الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في مصر عام 2003 أنه ضمن 824 ألف مهاجر يوجد نحو 2500 عالم.

ولعل من أبرز التحديات التي تواجهها الهجرة العربية غير الشرعية والتي أكدت التقارير استفحالها في العشر السنوات الأخيرة، وتشير التقديرات الى فقدان آلاف الشباب بسبب الغرق أو الفقد في البحر الأبيض المتوسط يصل عددهم الى نحو 1000 فرد سنوياً بين عرب وأفارقة.

هذا فضلاً عن تنامي الشبكات الاجرامية المتاجرة بالمهاجرين وتوسع أدوارها أكثر فأكثر… بحيث صارت المسؤولة عن غالبية عمليات العبور غير الشرعي… ويقدر أنها كانت مسؤولة عن عبور بين 70 الى 80% من المهاجرين الذين عبروا المتوسط خلال 2000 و2001,. حيث أصبحت صناعة غنية جداً وتقدر ثروتها بين 3 و4 بليون دولار.

ويعد أخطر ما ترتب على هذه الظاهرة تنامي السياسات الأمنية لمراقبة كافة الحدود المتوسطية والحدود الجنوبية لبلدان المغرب العربي… وكذلك تنامي المقاربة الأمنية لمعالجة الهجرة بالبحر الأبيض المتوسط.

وهنا تجدر الاشارة الى أن القادمين من جنوب المتوسط والمقبلين على العمل سراً في الزراعة والمطاعم والمقاهي والمصانع الصغيرة وأعمال النظافة والتشييد الشاقة… والذين يقبلون أجوراً منخفضة ولا يطالبون بالحق في الضمان الاجتماعي… فعلى الرغم من عدم قانونية وضعهم فإنهم مطلوبون على صعيد سوق العمل غير القانوني… لذلك فالهجرة غير الشرعية تلحق ضرراً جسيماً بحقوق المهاجرين غير الشرعيين وتزعزع استقرار وأمن كل من البلدان المصدرة والمستقبلة معاً… فالتدفق غير المحسوب للمهاجرين العرب بطريق غير شرعي له تداعيات سلبية على أبناء بلدانهم العاملين بطريقة قانونية يتنافسون على القبول بأجور أقل… إن لم يكن العمل بأي أجر… نتيجة ظروفهم وأوضاعهم الضاغطة الناتجة عن تواجدهم غير القانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى