صفحات أخرى

إنْ لم يقتلوا أوباما…..

null

راسِل بانكس

(ترجمة بسّام حجّار)

الكاتب اليساريّ الأميركي، راسِل بانكس، يحلّل، من وجهة نظره طبعاً، حملات الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، ويرى في باراك أوباما روبرت كينيدي جديداً.

راسل بانكس روائيّ أميركي شهير، وهو مؤلّف “غد مشرق”، و “شَجَن” الذي يقتبسه حالياً مارتن سكورسيزي للسينما تحت عنوان: “أميركان دارلنغ”. وآخر ما صدر له مترجماً إلى الفرنسيّة، عن دار نشر “آكت سود” (2008) روايته: “الذُّخْر “.

حديث راسل بانكس نشرته مجلّة “لونوفِل أبسرفاتور” الأسبوعية الفرنسية ( 13 ـ 19 آذار 2008 )، وفي ما يلي نصّه:

قبل ثمانية عشر شهراً، صرحت في مجلّتنا هذه بأن الانتخابات الرئاسية في أميركا سوف تجري بين متنافسين هما جون ماكاين وباراك أوباما. برأيك من سيفوز؟

ـ في أمرٍ كهذا يصعب التكهّن، لا بل يستحيل التكهن. حتى لو بقيت هيلاري كلينتون مرشّحة قوية ( للرئاسة ) مدعومةً بالماكينة الديموقراطية والموارد المالية الهائلة، فإن باراك أوباما استطاع أن يصالح جيلاً من شباب أميركا مع السياسة، التي لم تكن، حتى أيامنا هذه، لتعني لهم أكثر من النفور والتهكّم. لقد كانوا مقتنعين أن اقتراعهم لن يغيّر شيئاً. أنا شخصياً لم أر رجلاً سياسياً أميركياً يثير مثل هذه الحماسة لدى الشباب منذ حملات روبرت كينيدي، عام 1968، قبل اغتياله. فما من أحدٍ منذ روبرت كينيدي استطاع أن يجمع بين الأغنياء والفقراء والبيض والسود وذوي الأصول الأسبانية واللاتينية، في تكتّل لم يسبق له مثيل منذ (عهد) فرنكلين روزفلت. ولذلك أرى أن أوباما قد يفوز. غير أنني لا أنسى أنّ قبل أربعين عاماً بالضبط اغتيل روبرت كينيدي، وفي السنة نفسها اغتيل مارتن لوثر كينغ، وهذا أمرٌ يقلقني. لأوباما ما يكفي من الكاريزما والحضور لكي يمتلك القدرة على جمعِ الناس من حوله؛ والحال أنّ الولايات المتحدة هي صاحبة الرقم القياسي العالمي في امتلاك الناس للأسلحة الفردية، وهي صاحبة القدر الأكبر من النزوع إلى العنف في العالم الغربي. ثمة أعداد لا تحصى من المجانين الطليقين المستعدّين للتضحية بحياتهم سعياً وراء الخلود. في شهر شباط المنصرم وحده شهدنا ما لا يقلّ عن ستّ مجازر في مدارس ثانوية وجامعات، انتهت جميعها، تقريباً، بانتحار الفاعل: ثمة أناس إذن مستعدّون للانتحار أو للموتِ لا للسبب إلاّ لتأكيد قدرتهم على قتل الآخرين. أميركا تملكُ تنويعتها الخاصّة من الانتحاريين، وهذا ما يُرعبني.

على الرغم من اختلافي مع بعض أفكار أوباما، فإن ظاهرة هذا الرجل تثير اهتمامي. ففي أمور كثيرة من برنامجه أرى أنه معتدل. غير أن موقعه الوسط هذا هو الذي وفّر له التأييد الواسع. حتّى أمي، الإنجيلية ذات الـ 94 عاماً، التي اعتادت التصويت دوماً لصالح الجمهوريين، تحتار هذه المرّة لمن تعطي صوتها. أمي العجوز التي لم يكن لها يوما أصدقاء سود، والتي لم تقم يوماً علاقة بأناس سود إلاّ بعض أصدقائي، لا تخاف أوباما. بحساب العقل والمنطق من المفترض أن تنتخب ماكاين، لأنّه جمهوري، ولأنّها ترى أنّه مستقيم وصادق، غير أنّها، لدهشتي العظيمة، تبدو أقرب إلى اختيار أوباما.

وعندها سوف تتغيّر صورة أميركا جذرياً في أعين العالم!

ـ بالتأكيد. الأميركيون من الأجيال الشابة يدركون أن بلدنا قد أصبح فزّاعةً في نظر العالم، وهذا ما لا يقبلونه. وهم يودّون انتهاز هذه الفرصة لكي يتمكّنوا مجدداً من الافتخار ببلدهم. طوال حياتهم وجدوا أنّهم في موقع الدفاع عن النفس: من هم دون الثلاثين لم يعرفوا حقاً سوى عهد بوش؛ حتّى بيل كلينتون ليس في روعهم سوى ذكرى غائمة. الآن نشهد فترة تثير الحماسة. إذ نجد أنفسنا على مفترق طرق: إن أعلن أوباما مرشّحاً عن الحزب الديموقراطي، فمن شأن هذا الإعلان أن يعيد الأملَ إلى شبيبة أميركية متقزّزة ( من الوضع ) ومتشائمة. أمّا إذا هُزِمَ على يد ماكاين، أو اغتيل، فإن الإحباط سيكون أسوأ لا بمثل سوء خيبة الآمال المعقودة عليه. وإذ ذاك سوف تغرق الولايات المتحدة في اليأس والسلبيّة. وستكون عودة للقضايا الجارية، المجرّدة من أي مثال، والتي لن تثير بين الناس سوى شعور التخلي والرضوخ، وحيث كلّ معارضة سوف تمنى بشعورٍ بالعجز. وإذا قيض النجاح لهيلاري كلينتون أن تمثّل الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية، فهذا يعني أن التكتّل الشعبي الذي اجتمع حول أوباما سوف يتفكّك.

هل تجد فرقاً بين برنامجي كلّ من هيلاري كلينتون وباراك أوباما ؟

ـ هذه مسألة فروق طفيفة. برنامجاهما متشابهان جداً. قوة أوباما تكمن في معارضته حرب العراق. غير أنّ خطّته لإنهاء هذه الحرب لا تختلف إطلاقاً عن الخطّة المعلنة لهيلاري كلينتون. إن حجم ضغوط الرأي العام لإنهاء هذه الحرب هي من القوة بحيث أن الرئيس المقبل، أياً كان، سوف يضطرّ إلى سحب القوات من العراق. ولن يكمن الفرق إلاّ في مهلة الانسحاب. سوف يجري الرئيس المقبل بالتأكيد إعادة نظرٍ جذرية في السياسة الخارجية. حتى ماكاين يدرك هذا الأمر. وحتّى لو صرح قائلاً إن القوات الأميركية قد تستدعى للبقاء قرناً كاملاً من الزمن في العراق، فإن انتخابه رئيساً سوف يُملي عليه التراجع عن موقفه لأن الاقتصاد الأميركي لا يملك الإمكانيات اللازمة لدعم جهود هذه الحرب لمدّة طويلة. لقد بدأ الناس يقيمون الصلة بين الحرب وبين التراجع الاقتصادي للبلاد. ذلك أن حالة الركود (الاقتصادي) هي من الحدّة اليوم بحيث لا يعقل إلاّ أن يدركها جميع الناس، وإن كان المرشحون الأساسيون الثلاثة لم يتجرّأوا إلى الآن على بيان صلة سببية بين الظاهرتين علانية.

إضافة إلى مسألة الحرب، ما هي العناوين العامّة لهذه الحملة ؟

ـ يشكّل النظام الصحّي أولويةً في اهتمامات الأميركيين. وعلى رجالِ السياسة، أو الديمقراطيين منهم في الأقل، أن يعوا هذه الهواجس. ثمّ يأتي بترتيب الأولويات، الوضع الاقتصادي وحرب العراق. اما سياسة حكومة بوش الأمنية وما ينجم عنها من انتهاك لحقوق الإنسان، فتمثل في آخر القائمة. ذلك أن معظم الأميركيين لا يشعرون بتأثيرها في حياتهم الشخصية، في حين أنهم معنيون مباشرة بأزمة القطاع الصحي والانكماش الاقتصادي. إنهم يفقدون وظائفهم، ومنازلمهم، وتعويضات تقاعدهم، وقدرتهم الشرائية. وبينما تنخفض قيمة مداخيلهم ترتفع الأسعار على نحو جنوني، سواء أسعار السلع الغذائية أو النفط. فمن عادة الناس أن يردّوا بالسياسة ما يعانونه شخصياً في حياتهم اليومية. ولعل الفترة الانتخابية هي ما يتيح لهم، تدريجاً، ربط الأزمة بقضايا السياسة الخارجية. غير أن هذا الوعي لم يظهر إلاّ في غضون الشهرين الفائتين: إذ يستحيل تغيير الوضع الاقتصادي من دون تغيير السياسة الخارجية.

هل تعتقد أن حظوظ أوباما في نيل تأييد الناخبين هي راجحةٌ أكثر من حظوظ الآخرين لأنّ مسيرته تجعله أقرب إلى صورة المهاجر التقليدي ولأنه لا يتحدّر من سلالة عبيد ؟

ـ لون بشرته فاتح، وملامحه “أوروبية”، كما أنه يتكلم بلكنة أميركية “موحّدة” متقنة، ونال شهاداته الجامعيّة من هارفارد، ويجيد الكتابة ـ فهو المرشّح الوحيد الذي ألف بنفسِه سيرته الذاتية، وهو شخصية لامعة، وكاريزمية، ومسيحية، كما أنه متزوج من امرأة رائعة. ومع ذلك فإنّه النموذج الفعليّ للإفريقي الأميركي! غير أنّ ما هو بالغ الأهمية على هذا الصعيد: هو أن البيض حين ينظرون إليه لا يشعرون في قرارتهم بعقدة الذنب، لأنّه لا يجسد ذاكرة عهدِ الرقّ. وأوباما يدرك جيداً هذه الحقيقة لذلك تراه يلعب على وترها بذكاء شديد. لكنه في الوقت نفسه لا يسعه الفوز من دون أصوات السود. لذا عليه أن يجمع ما بين هاتين الفئتين من الناخبين. صور صباه مثيرة للانتباه ومضحكة فيها بعض الشيء تسريحة شعره على الطريقة الإفريقية! أنا واثق من أنه كان يعرف نفسه في تلك الحقبة بوصفه إفريقياً أميركياً، لأنه كان معرضاً للتمييز العنصري نفسه الذي يتعرض له المتحدرون من تقاليد الرق. فكل الأمور رهنٌ بطريقة إدراكها. وأعتقد أن فترة تحصيله العلمي في هارفارد هي التي جعلته يدرك أنّ لون بشرته لا يربطه بالضرورة إلى تاريخ العبودية ذاك. ذلك أنّ تاريخه الشخصيّ هو أقرب إلى السيرة النموذجية لمتحدّر من عائلة مهاجرين.

في روايتك الجديدة “الذُّخْر” التي تدور أحداثها غداة الانهيار الاقتصادي الكبير يتردد ذكر همنغواي وستاينبك ودوس باسوس… أهي تحية لمن تعتبرهم أساتذتك؟

ـ إن سبب اختياري هذه الحقبة مردّه في الحقيقة إلى اعتقادي أن الهوة القائمة اليوم بين الموسرين والفقراء في الولايات المتحدة لم تكن منذ عام 1930 بمثل هذا الاتساع. في مطلع الستينات كان همنغواي وستاينبك ودوس باسوس ما زالوا على قيد الحياة، وكان حضورهم في المجتمع ملموساً جداً. وكان ينتابني شعور آنذاك بأنني أكتب في ظل هؤلاء العمالقة. غير أن ترداد ذكرهم في روايتي يعود إلى أسباب أخرى: فلطالما كنت مهتماً بمأزق هؤلاء الكتاب الأميركيين اليساريين الذين كانوا يشعرون بتعاطف مع المضطهدين بينما وسطهم الاجتماعي ونصراؤهم وشهرتهم وثروتهم وحتى جمهور قرائهم العريض إنما تربطهم بالطبقة الحاكمة التي يدّعون السعي إلى إسقاطها. إن الولايات المتحدة تحيا على أسطورة مفادها أن باستطاعة الفنان أن ينتمي إلى أي طبقة من طبقات المجتمع، غير أنني أقرب اليوم إلى الاقتناع بأن الفنان لا يمكنه الانتماء إلى أي طبقة (اجتماعية). ذلك أن السعي وراء الجهر بالحقيقة يتطلّب التخلّي عن أي ولاء.

المستقبل – الاحد 30 آذار 2008 13


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى