سلوى النعيمي: حيائي يُخدَش بالمقالات السياسية
هدى مطر
ماذا لو قرأ الرئيس الأميركي جورج بوش كتاب «برهان العسل» قبل احتلال أفغانستان؟ هل كان سيفعل؟ راودني هذا السؤال عندما انتهيت من تصفح «برهان العسل» الرواية التي حققت أعلى نسب مبيع في العام الماضي، وأعادت إلى ذاكرتي بعض ما ورد في خطاب بوش إثر احتلال أفغانستان حيث زف فيه لـ «الشعب الأبيض المتحرر نصره المبين»، وبشّرهم فيه بأنهم لن يروا بعد اليوم امرأة منقّبة، ولا لحية طويلة، وأن هذا الشعب سينعم بالإباحية الجنسية، بما فيها الشذوذ، و«ستصلهم ما تنتجه شركاتنا من أفلام في فنادقهم». فـ «برهان العسل» الذي تحاول فيه الكاتبة أن تبدو متصالحة مع التراث العربي الإسلامي تقدم بالخط الأسود العريض مقاطع متواترة من هذا التراث للأئمة والشيوخ كالسيوطي والفزاوي وأبو فرج الأصفهاني والتيجاني، لتؤكد فيه الحرية الجنسية التي امتلكها هذا التراث قبل خطاب بوش، وتثير مسألة التعددية «الجنسية»، وتنبش السحاق من مجالس هذا التراث العربي الإسلامي. «برهان العسل» الرواية الإشكالية على أكثر من مستوى بلغتها التي وصفها بعض النقاد بالسفور ومنعتها معارض الكتب العربية، وخالفها معرض بيروت العربي للكتاب بإضافة شرط نعلم مسبقا أنه لن يتحقق، هل هي رواية مصالحة مع الجسد والتراث العربي الإسلامي؟ أم أنها متساوقة مع المشروع الغربي الذي لازال يعمل على تفكيك مجتمعنا العربي وانهياره؟ هي تساؤلات مشروعة حملتها «أوان» إلى الكاتبة سلوى النعيمي في هذا الحوار:
{ نبدأ من حيثيات منع الرواية ما عساها تكون برأيك؟
– بدأ المنع في دمشق وبعدها عُمِّم على المعارض العربية وأنا قد عرفت بالمنع من الصحف.
{ لكنك أعلنت في متن الرواية بأنها ستُمنع؟
-كانت هذه لعبة داخل الرواية.
{ لعبة أم إيحاء مُضمر للرقابة بالمنع؟
– هو إيحاء غير مُضمر، ولكني أستبق الأمور وأقول لأي رقيب إن منع الكتاب أي كتاب هو غباء في زمن يستطيع فيه القارئ أن يجد أي كتاب على الانترنت وهذا ما حصل مع كتابي إذ وصل وبغزارة إلى كل من حاول أن يبحث عنه.
{ إذا أنت قد أفدت من المنع الذي كان دعاية للرواية وسجلت أعلى نسب مبيع؟…
– لم تنتشر الرواية لأنها منعت، هناك كثير من الكتب الممنوعة ومعرض دمشق عندما منع كتابي منع معه أكثر من 40 كتابا، لا أظن أن المنع يمكن أن يحقق الانتشار والنجاح لأي كتاب في العالم.
تصالح مع الجسد
{ إلى ماذا تحيلين أسباب انتشار الرواية؟
-يمكن تفسير هذا بأمرين: الاول الحرية الموجودة في الكتاب على مستوى البناء والشكل، وعلى مستوى الشخصيات والبناء الفني المستوحى من الكتب العربية القديمة. والثاني شخصية الراوية وحريتها المستمدة من تراثها العربي الإسلامي، وأظن أن القارئ العربي ولا سيما الشبان ومن خلال ردود الفعل التي تصلني أحسوا أن هذا العمل يربط حريتهم المشتهاة بتراثهم العربي الإسلامي، ولذلك كتب صحافي شاب أن رواية «برهان العسل تصالحنا مع أجسادنا». لو لم تكن الحرية الجنسية مربوطة بتراثنا العربي الإسلامي لما كان لهذه المصالحة أن تتحقق.
عندما نقرأ عبارات مثل أن الزواج يُغلق الأفق والمتعة تفتحه، والتعددية عند النساء والمجيء على سيرة السُحاق في كتب التراث نسأل ماذا تريد سلوى النعيمي لهذا المجتمع أو بهذا المجتمع؟
-أنا لا أروّج لشيء، وهذا لا يعنيني، والكتاب لم يأت طفرة، ومن يقل هذا لم يقرأ ما أكتب من شعر وقصة، وأعتقد أن القارئ غير موجود. صدمة «برهان العسل» هو تطور طبيعي في كتابتي ومن يقرأ قديمي يدرك هذا، أنا لا أريد شيئاً، أريد كتابة رواية فيها شخصية المرأة المثقفة، العاملة وتملك الحرية، وهي لا تدعو إلى شيء، هي تقول ما تفكر به، وليس الأمر تبشيراً، هي نموذج.
{ البطلة تعي وتقرر وتعرف، إلى أي مدى ينطبق هذا على نسائنا المنهمكات بهمومهن الحياتية والمعاشية ومساحة الوعي التي يدركنها هل هي بوارد ما تقدمت به؟
-ربما كان ما تقولين، أنا هنا أقدم شخصية روائية قارئة، وهذه أول رواية عربية بطلتها امرأة تجمع بين العقل والجسد وتعيش اللذة وتفكر.
{ لكنها بطلة تفكر باللذة، اللذة الجنسية وحسب؟
-الراوية قارئة وتعمل وليست «عطّالة بطّالة»، هي امرأة تعيش كأي امرأة أخرى، ولكن ربما ما يميزها هو هذه الدرجة من الوعي التي تتصرف بها، إنها حرّة، وحريتها مستمدة من تراثها العربي، وارتباطها الوثيق به، تعيش في الغرب، ولكن حريتها ليست مستمدة من هذا المجتمع الغربي بل من تراثها.
ارتباط بالتراث
{ هذه المرأة التي تعمل والقارئة والواعية لكل مفردات حياتها هل كانت بحاجة للاستشهاد بالسيوطي وأبي الفرج الأصفهاني أم هي عملية تبرير؟
-كما قلت ما كان لهذه المصالحة أن تتم لو لم ترتبط بالتراث العربي الإسلامي الذي هو في الوقت ذاته تراث القارئ وثقافته، ولا يمكن لهذه المصالحة أن تتم لو كُتبت الرواية عن امرأة حرّة جنسياً وتعيش في الغرب، لأنها ستكون في نظر البعض «مستغربة»، لا علاقة لها بثقافتنا ولا بتقاليدنا ولا بعاداتنا العربية، هي امرأة تُصرّ على أنها عربية وليس لديها أي مشكلة مع هويتها، تعيش هذه الحرية استنادا إلى تراثها.
{ في مقاربة فكرية للرواية فإنك قرأت التراث العربي الإسلامي وأعدت إنتاجه من جديد على أنه التراث الحامل لذاك الهامش الكبير من الحرية الجنسية لتنفين عنه صبغة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول التي ذكرتها في موقعين..
-طبعا الإسلام ليس إرهاباً، أنا أتحدث عن الإسلام بالمفهوم الثقافي للدين، لا كفقه ومحللات ومحرّمات، وأتحدث عنه كثقافة واختلاف جذري عن المسيحية في احترامه وحبه للجسد، وتدليله له.
لكنك عندما حاولت استنباط صورة جديدة للإسلام غير الصورة المتطرفة ذهبت إلى الجنس، ألا توجد إشراقات مبدعة غير الحرية الجنسية في الثقافة العربية الإسلامية التي تصر البطلة على الانتماء إليها؟
-المسألة ليست بهذه الحدية هذا عنصر من عناصر الحياة، اللذة عنصر قد تكون جنسية وقد تكون على مستويات أخرى، هنا في هذا الموقع موضوع الكتاب هو الجنس. أنا لا أريد أن استبدل إسلام الإرهاب بإسلام الجنس هذا خليطٌ لا يرد على ذهني، كتابي رواية وليس دعوى دينية ولا تبشيراً، وأترك للقارئ حرية أن يستنتج ما يريد.
الرقابة وللراشدين فقط
{ هذه الشخصية المتعلمة، والمثقفة، والواعية، والحرة، ألا يمكن أن نقدمها بألفاظ أقل سفوراً وجرأة لدرجة أن الرقابة اللبنانية كتبت على الرواية «للراشدين فقط» وهذا يذكرنا ببعض الأفلام….
– أنا لا أعرف في لغتي كلمات محجبة، ولم أقرب على الجرأة، هذه طريقتي في الكتابة، وهذه درجة وعيي، وهذه مفرداتي، أنا لا أعرف طرقاً أخرى.. فليكتبها كتاب آخرون.
{ سلوى النعيمي أنت قدمت هذا الوعي والثقافة بمفردات وأسلوب فيه خدش للحياء العام!!!
-حياء من؟!!! أنا حيائي لا يُخدش بهذا، يُخدش بأشياء أخرى.
{ متى يُخدش حياء سلوى النعيمي؟
– عندما أقرأ مقالاً سياسياً مثلا يمكن أن يخدُش حيائي، الجنس لا يخدش حيائي، وبعض المقالات السياسية يمكن أن تخدش هذا الحياء أكثر بمليون مرة من كتاب بين قوسين «إباحي» أو «بورنوغرافي»، هذه ألفاظ موجودة في لغتنا، وشتائمنا اليومية، ويستعملها الناس جميعاً، وعندما تُكتب تصبح محظورة! وهذا الذي تحت عمر 18 عاماً يُكرر مسبّات، وعندما يقرؤها في كتابي سيُخدش حياؤه؟! أنا لم أخترع هذه الألفاظ، بل أريد أن أعيد لها معناها الحقيقي الذي سُمّم بالشتائم، ألفاظ الجسد شتائم! أنا أرفض هذا.
اعادة الاعتبار
{ هل هذه اللغة الوحيدة للحديث عن الجسد؟
أولا يجب أن نسمي الجسد بأسمائه عندما نتحدث عنه، إذا كنتُ لا أتجرأ أن اسمي هذه عيني وهذا كذا، فكيف لي أن أكتب عن الجسد؟
{ في رواياتك رفضتِ الروح واعترفتِ فقط بالجسد لكنك عدت لتقولي إن الحب للروح والشهوة للجسد أتناقض هذا أم عدم إيمان بما تقدمين؟
تعلمنا من الغرب أن نفصل بين الروح والجسد، في ثقافتنا لا يوجد هذا الفصل، كل ما هو سام وجميل وباهر للروح، وكل ما هو بال وقذر للجسد، أنا أعيد الاعتبار في الرواية إلى هذا الجسد، جسدي هو روحي، أما عن مسألة التناقض فهذا لعبة من لُعب الكتابة، ومستوى آخر من مستوياتها.
{ ألم يكن من الأجدى أن تتركي البطلة تعيش الحالة دون تدخلك المتكرر بسيل من الاستشهادات بالشيوخ والإئمة وكأنك تمررين على لسانهم ما تريدين أنت قوله؟
-بضحكة مجلجلة فيها من الإيحاء ما فيها «أكتر من هيك» «هيك وجرّصونا» وتعود للجدية لتقول: المسألة ليست تمريراً، فالرواية كلها مستندة على البطلة التي تكتب دراسة عن الكتب الجنسية، إذاً كان طبيعياً وهي تسترجع حكايتها مع المفكر الشخصية الرئيسية في حياتها، أن يخطر لها الاستشهاد، هي تكتب الدراسة وفي الوقت نفسه تكتب حكايتها، فكان من الطبيعي أن يختلط المستويان في الكتاب، ليس تبريراً إنما هو ربط الحرية الجنسية بالتراث العربي الإسلامي.