العلاقات السورية ـ الإيرانية: تراجع أم تنشيط؟
هدى الحسيني
قبل أسابيع أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد وفدا من أعضاء الكونغرس الأميركي زاره في دمشق، أنه يدرك أن علاقات سورية وثيقة مع أميركا ستكلفه بعض العلاقات، خصوصا تلك التي مع «حزب الله» و«حماس»، لكنه كان واضحا بأن لا ترفع الإدارة الأميركية الجديدة أو إسرائيل، سقف التوقعات بالنسبة إلى علاقة سوريا بإيران. وفي مؤتمر ميونيخ الأسبوع الماضي، وجّه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ملاحظة إلى إيران: «الاستمرار في هذه السياسة يعني المزيد من الضغوط والعزلة، التخلي عن البرنامج النووي ودعم الإرهاب يعني المزيد من الحوافز».
على هذه الملاحظة رد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني: «إن إيران مستعدة للتفاوض مع الولايات المتحدة، إنما هذا يعتمد عما إذا كانت واشنطن مستعدة لتغيير استراتيجيتها، وعلينا أن نعرف أهدافها».
هذا يعني أن الطرفين يطلب كلاهما من الآخر تغيير استراتيجيتيهما. الرئيس الأميركي باراك أوباما عبّر عن مرونة في الانفتاح على إيران، لكن ما لم يقدم واحد من الطرفين على خطوة ما، فإن الأجواء ستتلبد.
أمام أوباما الكثير من المشكلات التي عليه حلها، قبل أن يُقدِم على دفع ثمن سياسي للمحادثات مع إيران، خصوصا أنها لم تعد قضية مستعجلة، والأفضل ترك الأمر للإيرانيين.
في إيران، ستجري انتخابات رئاسية في حزيران (يونيو) المقبل، والانفتاح على الولايات المتحدة قد يسيء إلى «سمعة» المرشح، تماما مثلما سيكلف الانفتاح على إيران أوباما غاليا، ثم إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، لن يسمح بأي انفتاح على الإدارة الجديدة إذا كانت ستعتمد سياسات الرئيس السابق جورج دبليو بوش، إنما عبر أشخاص جدد.
ولأن العلاقات الأميركية – الإيرانية ستبقى مجمدة الآن، حيث لا يرى أي من طرفي العلاقة ضرورة الإسراع في إذابة الجليد، ارتفعت أصوات كثيرة غربية وعربية تدعو إلى دفع سوريا إلى قطع علاقاتها بإيران.
لكن إذا كانت اهتمامات أوباما: إنقاذ الاقتصاد الأميركي والعالمي، كيفية تسريع الانسحاب من العراق، مواجهة المشكلات في أفغانستان والتوتر مع روسيا، كلها تسبق أولوية تحسين العلاقات الأميركية مع إيران، فإن هذا لا بد ينسحب أيضا على سوريا، ثم إن كل الأصوات المتحمسة لإقناع سوريا، ليست متأكدة من أن الأولويات السورية ستتغير إذا قطعت علاقاتها بإيران.
أكثر المحللين السياسيين يفترضون أن سوريا، مقابل السلام مع إسرائيل، تريد استرجاع الجولان بما فيه بحيرة طبريا، وتحسُّنا في وضعها الاقتصادي، وتريد تطبيع علاقاتها مع الغرب، وبالذات مع الولايات المتحدة. ويعتقد هؤلاء أن أميركا وإسرائيل والدول العربية قادرة على توفير الرغبات السورية هذه، مقابل تغيير في تصرفاتها وعلاقاتها. لكنهم لم يحاولوا التساؤل عما إذا كان هذا ما تريده سوريا فعلا.
سألت مسؤولا عربيا عن سبب الخلاف السعودي – السوري فأجاب: «لبنان. إذن، من قال إن سوريا تكتفي بالجولان مقابل تخليها عن لبنان؟ ثم إنها مرتاحة لاتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين إسرائيل، ولا تريد سلاما كاملا».
عام 1982، عندما انسحبت القوات السورية من لبنان إثر الغزو الإسرائيلي، هبت إيران لمساعدة سوريا، عبر تشكيل «حزب الله»، وعادت سوريا بعدها لتحول لبنان ساحة تصفية حسابات بينها وبين إسرائيل. لم تفكر إسرائيل في الضغط على سوريا من جبهة الجولان، وظلت سوريا مرتاحة إلى أن ظهرها (الجولان) محمي، في حين ظلت تبرر وجودها في لبنان، على أساس أنه «خاصرتها الرخوة». عام 2005 انسحبت القوات السورية من لبنان بعدما تظاهر ما يقرب مليون ونصف مليون لبناني، غطوا على «تجمع 8 آذار» الذي طالب ببقائها، وانسحبت، وبسبب الضغوط الدولية أيضا.
أقامت سوريا وإيران تحالفا استراتيجيا عام 1980، عندما وقفت دمشق إلى جانب طهران، في الحرب العراقية – الإيرانية. كان صدام حسين الرئيس العراقي آنذاك عدو سوريا اللدود، بسبب الصراع بين جناحي حزب البعث في بغداد ودمشق.
العلاقة مع إيران، أعطت النظام السوري قوة، كما أنها دعمته اقتصاديا وتجاريا وعسكريا. في حين أن العلاقة مع الولايات المتحدة أو مع أوروبا قد تفرض عليه شروطا مقيدة.
يقول سياسي بريطاني، إن الرئيس السوري بشار الأسد حريص على إبقاء العلاقة مع إيران، ولن «تغريه» كل الوعود، يريد أفعالا ملموسة وواقعا قائما قبل أن يقرر. هو رأى ما حل بالعقيد الليبي معمر القذافي، بعدما تخلى عن برنامجه النووي، رغم أن في ليبيا نفطا، صار العقيد مهمشا. ويضيف محدثي: «من المؤكد أن سوريا تتطلع بإعجاب إلى الدور الذي تلعبه قطر، دولة خليجية صغيرة تقوم بوساطات ضخمة بين إيران والعرب والغرب، وتعرف دمشق أن دور الوسيط يعطيها قوة. وبين أن يأخذ القذافي مثلا أو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فإن الأسد يفضل حذو الشيخ حمد».
لكن المشكلة أن سوريا ليست غنية مثل قطر، ثم إن لديها القليل مما تقدمه كوسيط، وقد ينتهي دورها ودور قطر عندما تقرر الإدارة الأميركية توقيت التفاوض مباشرة مع الإيرانيين. ثم إن سوريا لم تعد تهدد المصالح الأميركية، وقد ظهر هذا عندما قامت القوات الأميركية في العراق بعملية عسكرية داخل الحدود السورية العام الماضي، كما أن إسرائيل أغارت عدة مرات على مواقع داخل سوريا، ولم تحدث مواجهة، وسوريا لم ترد حتى الآن، رغم تأكيدها بأنها تختار الوقت المناسب لذلك.
من ناحيتهم، لا يسمح العراقيون لسوريا بالتدخل في سياساتهم، كما أن ما تقوم به إيران داخل العراق لا يتم بالتنسيق مع سوريا.
تبقى «قوة» سوريا في لبنان، وهي الآن تحاول تحريك ورقة فلسطينية محددة، وحلفاء لبنانيين، خصوصا مع قرب إجراء الانتخابات النيابية، لكن الملاحظ أن إيران و«حزب الله» يثبتان مواقعهما في لبنان من دون مشاركة سوريا، وإن كان لا يمكن لهما الاستغناء عن «الرضا» السوري. وقد اضطرت دمشق إلى نفي ما نقله مستشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن الرئيس بشار الأسد، من أن سوريا ساعدت في التأثير على «حزب الله» كي لا يتدخل لمساعدة «حماس» في أثناء حرب غزة. لكن، لا يستطيع «حزب الله» أو إيران إغضاب سوريا، فالدعم العسكري الإيراني يمر عبر سوريا قبل أن يصل إلى مناطق «حزب الله» في لبنان. كما يمكن لسوريا أن تحمّل إيران ثمن تضحياتها في سبيل هذه العلاقة، من تعرضها لغارات إسرائيلية في العمق السوري، إلى نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في خرق أجهزتها الأمنية، مما أدى إلى اغتيال القائد العسكري لـ«حزب الله» عماد مغنية، الذي تصادف اليوم السنوية الأولى لاغتياله.
نجاح الانتخابات العراقية، انعكس سلبا على سوريا، وأيضا على إيران. لم تعد سوريا تقلق الأميركيين في العراق، والعراقيون لن يسمحوا بأي تدخل، وهذا خفف كثيرا من «الإزعاج» السوري لواشنطن. تبقى إيران، وهذه مسألة تقررها واشنطن وطهران.
بعض المسؤولين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية يرون أن انهيار النظام السوري القائم يضر بإسرائيل، وهم يفضلون التوصل إلى سلام معها، لا خوفا من إيران، بل كي لا يصل أصوليون إلى الحكم في دمشق. وتجاوزت إسرائيل وتركيا معها غضب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ووصل وفد تركي إلى دمشق ليبحث مع «حماس» فيها مسألة إطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير.
لم تعد العلاقة السورية – الإيرانية من الأولويات، والسبب – كما أبلغني ديبلوماسي غربي – أن الرئيس أوباما صار يقرأ يوميا تقارير الاستخبارات الأميركية، التي كانت تصل سابقا إلى مكتب الرئيس جورج دبليو بوش، الذي منع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية إلى إيران. مع أوباما، خفتت حتى لغة الإسراع في التفاوض، وهذا يثير الشكوك فيما إذا كانت قدرات إيران النووية وصلت إلى درجة إنتاج السلاح، لا، بل العكس هو الصحيح، رغم إطلاقها القمر الصناعي.
يبدو أن معادلات كثيرة ستتغير، وأوراقا كثيرة ستسقط، والانتخابات في إسرائيل وفي إيران، بعد تلك التي جرت في العراق، ستحدد قيمة العلاقات الثنائية، والتهديد بها، ومنها العلاقة السورية – الإيرانية. وقد تضطر الدولتان إلى التمسك بهذه العلاقة و«تنشيطها» أكثر، كرد فعل على البرود الأميركي الجديد!
الشرق الأوسط