غياب النجوم في الإعلام السوري
زين الشامي
في الآونة الأخيرة نقل أحد الصحافيين السوريين عن وزير الإعلام محسن بلال شكواه من غياب النجوم في الإعلام. وقبل هذا الوزير غالبا ما عبر مسؤولون بعثيون عن مثل هذه الشكوى. إنها حقا شكوى محقة على الرغم من أنها تثير الكثير من الأسئلة والكثير الكثير من الضحك، إنها تشبه تماما حالة رجل شرقي ربى ولده على القمع والمنع والنَهر ومحاسبته على كل تصرفاته، ثم طالبه لاحقا بأن يكون رجلا قويا ويتمتع بشخصية مميزة!
قبل الخوض في تفاصيل المشهد الإعلامي السوري الراهن لا بد من التذكير أننا نتحدث عن دولة ومجتمع يخضعان لسلطة حكم حزب شمولي منذ عام 1963، وأيضا لأحكام قانون الطوارئ منذ ذلك التاريخ مع ما يترتب عن ذلك من نتائج وسلوكيات وعادات، نعم عادات تقاليد تكرست بفعل التراكم والزمن، هذا طالما نحن نتحدث عن تجربة يبلغ عمرها نحو خمسة وأربعين عاما.
نأتي على ذكر ذلك لأنه لا يمكن فهم المشهد الإعلامي السوري البائس من دون هذه المقدمة، فبفعل هذا السياق السياسي وشروط الحياة القائمة منذ حوالي نصف قرن يصبح طبيعيا فهم اقتصار هذا المشهد على ثلاثة صحف حكومية متواضعة تشبه التوائم السيامية في الشكل والمضمون والاسم «البعث، الثورة، تشرين» وتلفزيون حكومي واحد أنتج الفضائية… لا بحكم الرغبة في التنوع بل بحكم مجاراة التحديات التي فرضتها تطورات ثورة تقنيات الاعلام الفضائي في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم.
رب قائل يقول ان هناك الكثير من الإعلام الخاص قد ظهر منذ وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة في عام 2000، هذا صحيح لكن من تابع ويتابع هذا الإعلام سيكتشف بسهولة أنه لا يتعدى بضع مطبوعات اسبوعية وشهرية منحت تراخيصها للأحزاب المنضوية في «الجبهة الوطنية التقدمية»، الائتلاف الحزبي المكون من عشرة أحزاب كاريكاتورية هلامية غير معروفة في الشارع السوري، ويقبض مسؤولوها مخصصاتهم المالية من الحكومة السورية عند نهاية كل شهر. كذلك ظهرت دوريات أخرى في المجالات الاقتصادية والسياحية والفنية لكنها لم تستطع أن تضيف شيئا للمشهد الإعلامي البائس إلا تكريس تواضعه كونها لم تستطع أن تتجاوز سقف المسموح والممنوع، عدا عن كون أصحابها والقائمين عليها ليسوا بأصحاب مشاريع إعلامية وسياسية بقدر ما هم أشخاص ينتمون إلى حقل النشاط الاقتصادي ولا يميزون بين الإعلام والاعلان.
لقد شهدت الأعوام القليلة المنصرمة تجارب متواضعة حاولت أن تضيف شيئا للمشهد الإعلامي السوري لكنها ضربت في مهدها حين سعت للتمايز ولو قليلا عن الإعلام الرسمي، وحين حاول أصحابها تجاوز الخطوط الحمراء المعروفة، ولعل تجربة صحيفتي «الدومري» و«المبكي» خير مثال على ذلك.
هنا لا بد من التذكير أيضا بأن هناك الكثير من الدوريات التي منح أصحابها تراخيص النشر كونهم من السلطة أو مقربين منها، مثل مجلة «أبيض وأسود» السياسية الاسبوعية التي يعود امتيازها لابن وزير الدفاع السوري وصحيفة «الوطن» اليومية التي يمولها رجل الأعمال رامي مخلوف المقرب من الرئيس السوري، وصحيفة «بلدنا» العائدة لنجل ضابط الأمن السابق بهجت سليمان.
اما محطة «شام» الفضائية، التي حاولت الانطلاق منذ أكثر من عام لكنها أغلقت قبل ان تبدأ، فتعود لرجل اسمه أكرم الجندي ويبدو أنها لم تنجح في الاقلاع لأن لصاحبها ميول إسلامية محافظة، وقبل كل ذلك هو من غير المحسوبين على السلطة السياسية. مأساة هذا الرجل الذي كان يستثمر أمواله في دولة الإمارات العربية المتحدة أنه صدق وعود شخصية سمعها بشكل مباشر من أحد المسؤولين تحث رجال الاعمال على الاستثمار في بلدهم: «لأن سورية أولى بهم»، لكنه مثلما وافق على العمل شفهيا وصرف الملايين على بناء الاستوديوهات وتأمين الكادر الإعلامي، فإن إغلاق مشروعه وقناته لم يكلف السلطة سوى مكالمة هاتفية من وزير الاعلام محسن بلال حتى من دون ان يوضح له الاسباب التي تقف وراء ذلك. هذا الرجل، ولبساطته، لم يكن يعي على أي أرض وفي ظل أي سلطة سياسية معطوبة وفاسدة يعمل.
وعودة للتساؤل البريء لوزير الاعلام محسن بلال عن غياب النجوم في الإعلام السوري، فإن الإجابة عن ذلك بسيطة جدا وبريئة أيضا. لكن قبل الإجابة لا بد من إيضاح بعض النقاط:
أولها أنه لا يمكن صناعة إعلام حقيقي متعدد في ظل نظام حزب شمولي لذلك على الوزير وإذا ما أراد رؤية مثل هؤلاء النجوم فما عليه إلا أن يطالب بإلغاء تجربة الحزب الواحد وهو البعثي القديم. وثانيها أنه لا يمكن أن يكون هناك نجوم في ظل انعدام الحريات السياسية، لذلك وإذا ما أراد أن يرى نجوما في هذا الإعلام فما عليه إلا أن يطلب من المؤسسات الأمنية، التي تنتشر في الجسم السوري مثل السرطان، أن ترتد إلى حصونها وتهتم بقضايا الأمن الخارجي وتفتح عيونها على «الموساد» الذي ما انفك يسجل ضربة إثر ضربة في عمق الأراضي السورية. لا أن يقتصر عمل هذه الأجهزة على قمع الناس ومراقبة حياتهم وتغييبهم أعواما في السجون لمجرد كلمة أو رأي عبروا عنه.
أن يعمل هذا الوزير على تنقية المؤسسات الإعلامية التي يقودها ويشرف عليها من الطفيلين والفاسدين والمستكتبين وكتاب التقارير وضاربي الطبول ونافخي الأبواق الذين يسرحون في هذا الإعلام، لا بل ان بعضهم يجلسون على مقربة من باب مكتبه وفي وزارته.
وعلى وزير الإعلام واذا ما أراد نجوما في الإعلام السوري، أن يساعد على ولادة إعلام جديد غير حكومي لأن غنى وتعدد وسائل الإعلام ووقف احتكارها من قبل السلطة والاستخبارات سيغني المشهد ويؤسس لاحقا لبيئة تنافسية ستتكفل هي ذاتها بمهمة انجاب النجوم بشكل تلقائي اسوة بالبلدان المتقدمة، وهو يعرف ذلك جيدا وخبره طالما كان سفيرا لسورية لكثير من الاعوام قبل أن يصبح وزيرا للإعلام.
أيضا انه لمن المفيد أن يمنح الوزير هؤلاء الصحافيين زيادة في اجورهم مضروبة بعشرة حتى يتفرغوا لعملهم بكل نشاط وبعيدا عن مؤثرات الفساد التي تنخر في كل مفاصل الدولة والمجتمع.
أخيرا وليس آخرا، على الوزير وقبل أن يضع رأسه على الوسادة أن يتأكد هل استدعت الأجهزة الأمنية صحفيا ما وسجنته من دون علمه ومعرفته؟ إذا فعل ذلك فإن الكثير من النجوم ستبرق في سماء سورية.
الرأي العام الكويتية