خفة الدم واطالة الجلوس
مصطفى السراج
دخلت المستشفى لضيق بالتنفس وألم بالصدر، وبعد عدة أيام بالمستشفى، مع التحاليل والتصوير المقطعي والأشعه، انتهى التشخيص الى وجود جلطات في الرئتين، وأسجل شهادتي للطريقه العلميه التي التزمها الأطباء وهذه شهادة على التقدم الصحي في كندا.
دفعني الفضول للاسفسار عن هذه الحاله وأسبابها، فأجاب الطبيب المختص بان الاغلب في مثل هذه الحالات أن تنتج عن تجلط الدم بالأورده نتيجة اطالة الجلوس وعدم الحركه، فاستعرضت الايام والاسابيع الماضيه قبل هذه الحاله متسائلاً هل أطلت الجلوس على أي كرسي من الكراسي الى حد تسبب بثقالة الدم.
تذكرت.. (الله لاينكب مخلوق) أنا بعد أن اقتربت من سن التقاعد جلست على كرسي عضو في لجنه مؤقته، كرسي مطلوب فيه العطاء لا الأخذ، ولم يمضي على جلوسي أكثر من أسابيع، كيف تجلط الدم بهذه السرعه، واني أرى من يجلسون على كراسي التحكم برقاب الناس وجيوبهم سنين طويله، وجميع من حولهم يشهدون بخفة دمهم ولطافة ظلهم، وقد رأى الناس كيف تتجلى خفة دمهم عند تجمعهم، ويقدمون مواقف كوميديه يعجز عن مثلها عادل امام. وكلما زادت مدة جلوسهم زادت خفة دمهم، فلا جلطات ولا امراض ومن أشاع عنهم أي عارض صحي استحق الويل والثبور وعظائم الامور. هل هم من نوعيات مختلفه من البشر، ورثوا خفة الدم كابراً عن كابر، أم أن اطالة الجلوس أكسبهم سماكة بجلودهم حتى أصبحت كالصفيح تمنع عنهم نفاذ الأعراض والأمراض، فلا تأتيهم من بين يديهم ولا من خلفهم، وتحميهم عن أيمانهم وشمائلهم، وهم آمنين ممن تحتهم، وقد كسبوا رضى من فوقهم، حتى يقول قائلهم:
(وما أظن الساعة قائمه ولئن رددت الى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا)
قلت يادكتور ما العمل الآن؟
قال: يجب ان تمتنع عن اطالة الجلوس على أي كرسي، وتبقى فيما بقي من حياتك كادحاً لاتكل عن الحركه، ولا تمل من العمل…
الآن استطيع أن أفهم بطريقه مختلفه حكمة ابن عطاء الله السكندري
(قومٌ أقامهم الحق لخدمته، وقومٌ اختصهم بمحبته)
ماعليك ايها الشايب المتصابي الا أن تقدم الشكر، على أن في الأرض بشراً لديهم من خفة الدم ما يكفيهم للجلوس على الكرسي طول حياتهم وحياة من يلحق بهم، ومكملين لمن سبقهم، هؤلاء وان رأيتهم على أشكال البشر فهم مختلفون ابداعاً. كراسيهم عروشٌ من جماجم الابرياء، خمرهم دماء شعوبهم، موسيقى نومهم انين المعذبين، أفلامهم المفضله صور مآسي الأحرار ، فهل يمكن أن يكون هؤلاء بشراً عاديين.
قلت يادكتور ألا يساعد التبرع بالدم في هذه الحاله، حيث أني تبرعت بالدم تسعة وخمسين مره خلال الخمسة عشره سنه الأخيره، وبذلك أحصل على اسالة الدم وتقديم منفعه للمحتاجين للدم.
قال الدكتور: لاعلاقة بين التبرع بالدم وسيولته. توقعت أن يبدي الدكتور استحسانه، ولكني لم أسمع أي تشجيع.
أما الزعماء خفيفي الدم عندما يذهبون الى مراكز التبرع بالدم لمره واحده فيتهافت المصورون من كل حدب وصوب لرصد ذهابهم وايابهم واشراق المركز بوجودهم، وتسلط الكمرات على سواعدهم التي لم ترى الشمس، ويلاطفون الممرضات بخفة دمهم المعهوده، ولايدري أحد أتبرعوا بدمهم لمرة واحدة أم لا. وكل أجهزة الاعلام تنشغل بالتعليق على هذا الحدث الهام الذي دونه التحرير، وتحقيق أماني الأمه، والانتصار على كل معوقات التطور…
والآن يادكتور مع كل هذا التقدم في الطب ألايوجد دواء يخفف الدم. قال: يجب أن تواظب على الأدوية من الأبر والحبوب حتى تمنع تجلطات جديده، أما القديمه…(أنت وحظك)..
هذا مع الالتزام بالتعليمات نحو عدم اطالة الجلوس على الكراسي ولو كانت مهترئه. قلت مستعد ولكن هل أطمع بالحصول على شهاده منك معززه بنتائج المختبر أن دمي أصبح بخفة دم حكم البابا. هز الدكتور برأسه وغادر وبقيت أردد قول المتنبي:
ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه أني مما أنا شاك منه محسود
كندا
خاص – صفحات سورية –