هل تسمح إيران بإعادة الثلاثي المصري – السعودي – السوري؟
سليم نصار
قبل أن يلقي الملك عبدالله بن عبد العزيز كلمته في قمة الكويت، دخل رئيس الاستخبارات العامة الأمير مقرن بن عبد العزيز، الى قاعة الاجتماعات ليصافح الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ووزير خارجيته وليد المعلم.
وعقب إلقاء الخطب المتعلقة بمجزرة غزة، أدرك الحاضرون أن الأحداث المؤلمة حملت العاهل السعودي على ارتجال كلمة دعا فيها الى ضرورة تجاوز الخلافات في موا جهة المأساة المشتركة. وشدد أيضاً على أهمية اجراء مصالحة عربية شاملة، محذراً من نتائج اهمال مشروع السلام، لأن مبادرته لن تبقى على طاولة المفاوضا ت الى الأبد!
بعد انقضاء شهر تقريباً على “غداء المصالحة” الذي دعا اليه العاهل السعودي وحضره الرئيسان مبارك والاسد، وصل الأمير مقرن الى دمشق الاحد الماضي، في مهمة لم يكشف عن أهدافها. واكتفى الجانبان، السعودي والسوري، بوصفها انها خاصة باستكمال خطوات التنسيق والتشاور. وفسر المراقبون هذه الخطوة بأنها أزالت البرود الذي اعترى العلاقات اثر خطاب الأسد حول حرب لبنان سنة 2006. كما عزا بعض المحللين عودة الحرارة المفاجئة بين الدولتين العربيتين، الى الدور الوفاقي الذي قام به الرئيس التركي عبدالله غول أثناء زيارته للرياض في مطلع هذا الشهر. وقد ساعد الى حد ما على تنشيط الحوار الذي انطلق في قمة الكويت، ثم زار من بعده المملكة رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك ليضع مع الأمير مقرن “أجندة” العمل المشترك على الجبهتين الاقليمية والدولية.
وقد رحب امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، في كلمته هذا الاسبوع، بالمصالحات العربية – العربية، داعياً الى الاعتدال في الخطاب السياسي الداخلي. وترجم السياسيون اللبنانيون ترحيبه بالتقارب السوري – السعودي، بأنه مؤشر على احتمال اعادة تركيب التحالفات الانتخابية على نحو يخدم أجواء التهدئة ويخفف من حدة التنافس. ومن المتوقع أن تستفيد الدولة من خطوات التقارب والانفراج الاقليمي، خصوصاً ان انعكاساتها المحلية ستؤثر على الأجواء الانتخابية وعلى ايقاع الحوار الوطني.
ومن هذا الواقع ينطلق السؤال المتعلق بإحياء القمة الثلاثية في الاسكندرية (1994)… وما اذا كانت عملية ترميم العلاقات السعودية – السورية تنسحب على العلاقات المصرية – السورية ايضا. أي إعادة الاعتبار الى بيان الاسكندرية واعتماده المدخل لاسئناف المفاوضات المجمدة من حيث تركها العماد السابق حكمت الشهابي. وقد اصطدمت المحادثات في حينه باصرار الجانب الاسرائيلي على اقامة علاقات ديبلوماسية مع سوريا قبل الالتزام بشروط الانسحاب الكامل من الجولان. ثم تبين بعد فترة ان اسرائيل قررت نسف المفاوضات، لأن مصر طرحت مسألة انشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، واعتبرت اسرائيل انها الدولة المستهدفة من وراء مطلب مصر، لكونها وحدها تملك ترسانة نووية.
بعد مرور ثلاث عشرة سنة على قيام الجبهة الثلاثية في الاسكندرية تبدل وجه المنطقة بسبب اسقاط نظامي “طالبان” في افغانستان وصدام حسين في العراق. ونشأ عن هذا الفراغ اندفاع ايران وتركيا في اتجاه سورية لكونها جذبت القوتين الجديدتين الى مدارها الحيوي بعدما أعطت كل واحدة منهما الدور الذي يخدمها. وعلى رغم علاقتها المميزة مع طهران، إلا أن دمشق استجابت للوساطة التي قام بها رجب طيب اردوغان من اجل استرجاع هضبة الجولان. ويقال في هذا السياق ان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية هي التي اتخذت قرار الحرب ضد “حماس”، لأن اولمرت تجاوزها على أمل انهاء فترة حكمه بعقد صفقة سلام مع سوريا. وكاد ينجح خلال الفترة الاخيرة لأن الرئيس بشار الاسد أعلن عن دنو مرحلة المفاوضات المباشرة. ولكن هذه الفرصة تأجلت بعدما طغت احداث غزة على كل الهموم العربية الاخرى. ومع هذا كله، فقد وجدت سوريا لحكومة أردوغان دوراً عسكرياً جديداً أعلن عنه الرئيس الأسد بواسطة مجلة “دير شبيغل”. قال انه يقترح انتشار الجيش التركي من اجل ضمان أمن القطاع، بين مصر وغزة من جهة… وبين اسرائيل وغزة من الجهة الثانية. واعتبر ان هذا الحل مرض لاسرائيل ومصر و”حماس”.
أول اعتراض على هذا الاقتراح جاء من الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس الذي اكتشف في “دافوس” ان أردوغان كان وسيطاً منحازاً لمصلحة العرب. أما الاعتراض الآخر فقد تقدمت به وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي دعت الى تسليم مصر كامل المسؤولية الامنية والاقتصادية عن قطاع غزة. وقالت انه في حال عهدت اليها مهمة معالجة قطاع غزة، فهي مستعدة الى اعلان معبر رفح الصلة الوحيدة بين غزة والعالم العربي. واشترطت ان يكون هذا الحل من ضمن مشروع تحويل القطاع الى كيان مستقل تفصل بينه وبين اسرائيل حدود مرسومة ومعترف بها. وهذا بالطبع يقتضي ارسال قوة دولية تشبه “اليونيفيل” تضم 15 ألف جندي ينتشرون في القطاع مثلما في جنوب لبنان. وتكلف هذه القوة بالرقابة على “حماس”، وبالاشراف على منطقة الانفاق.
الحكومة المصرية رفضت أي دور قد يفسر بأنه دور الحراسة لأمن اسرائيل. كما رفضت إعلان استقلال القطاع، لأن هذا معناه القبول بعودة الدول الثنائية مثل الفيتنامين والكوريتين والقبرصين… وفلسطينين. وبما ان القطاع في هذه الحال، سيعتمد في بقائه ونموه على المساعدات الخارجية، فإن ايران سيكون لها النصيب الاكبر من الوصاية والعناية. لذلك طالبت القاهرة بحل للقضية الفلسطينية يكون فيه مستقبل قطاع غزة مرتبطاً بالحل المنسجم مع مستقبل الضفة الغربية.
وقبل الاعلان عن تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، بدأت الصحف تتحدث عن تغييب دور تركيا وتعويم دور مصر في المقابل، كأن الدولتين تتنافسان على استنباط الحلول المرضية. وتؤكد مصادر رسمية في القاهرة أن الرئيس حسني مبارك اتفق خلال زيارته الاخيرة لتركيا، على رسم خطوط استراتيجية التعاون بحيث تتكامل أدوار الدولتين. وذُكر في هذا المجال أن مبارك ابلغ عبدالله غول ورجب طيب أردوغان بأن أي معالجة أمنية تتعلق بقطاع غزة، يجب أن تأخذ في الاعتبار المدى الحيوي لأمن مصر القومي. وهذا يتطلب استقرار الاوضاع على الحدود وفرض التهدئة بانتظار تحقيق مبادرة السلام. وذكّر مبارك أثناء المحادثات بأن مصر تتفهم موقف تركيا من قضايا حساسة عدة كقضية قبرص ومشكلة كردستان في شمال العراق وأزمة ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط. وفي ضوء هذه المصارحة صدرت عن الحكومة التركية بيانات تعطي الانطباع بأن أهداف الدولتين تتطابق اقليمياً ودولياً. وعليه ارتضت كل منهما معالجة الازمات بطريقة لا تمس بنفوذ الاخرى.
تقول صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن دور تركيا بعد انتهاء الحرب الباردة، أصبح أكثر أهمية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ذلك أن ميزتها الجغرافية أهلتها للاضطلاع بمسؤولية معالجة أزمات خطيرة مثل: حرب العراق والسلام العربي – الاسرائيلي والخلاف الروسي – الاوكراني على الغاز، وصوغ حل جدي للمسألة النووية الايرانية وانفجار الحرب في غزة.
وبما أن الحرب الوحشية في غزة قد التهمت كل مبادرات السلام، لذلك اضطر رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان الى القيام بجولة ديبلوماسية بدأت في الاردن وانتهت في مصر. وربما ساعدته على تحقيق دور الوساطة عوامل مهمة عدة بينها: تخلف أوروبا عن التدخل وانشغال الولايات المتحدة بنتائج الانتخابات والانهيار الاقتصادي. ولكن هذه الاخفاقات لم تمنع أردوغان من العمل لوقف النار ودفع عجلة المصالحة الفلسطينية الوطنية.
على الصعيد الاقتصادي، ضاعفت تركيا طاقة نقل الغاز الى أوروبا الغربية، عندما رفضت روسيا تموين الاتحاد الاوروبي بغاز التدفئة عبر أوكرانيا، ويرى المتضررون من اتساع رقعة النفوذ الايراني، أن الموقع الاستراتيجي التركي وحده كفيل بعرقلة خطة طهران انشاء هلال شيعي، كما وصفه العاهل الاردني. أي الهلال الذي يربط طهران ببغداد بعد انسحاب الاميركيين، ويمتد في اتجاه جنوب لبنان عبر “حزب الله”.
ويبدو أن هذا الهلال قد اتسع ليضم البحرين الى منطقة نفوذه. ومع أن تركيا لا تحتمل وجود ايران نووية قرب حدودها، الا أن الرئيس عبدالله غول طالب بضرورة إقرار المعاهدات المتعلقة بحق ايران في تخصيب الاورانيوم لاغراض سلمية. ولكنه أوصى بأهمية ادخال روسيا في المعالجات التي تقوم بها الولايات المتحدة. وهذا ما اقترحه نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في مؤتمر برلين الاخير، عندما عرض حوافز عدة على موسكو، قال إنها قد تحملها على التعاون في سبيل كبح نشاط ايران النووي. ومن هذه الحوافز دعم الولايات المتحدة عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية وتقييد انتشار انظمة الصواريخ الباليستية في أوروبا. اضافة الى هذا، فقد اقترح بايدن انسحاب الحلف الاطلسي “الناتو” من الدول المحيطة بروسيا، واشراك موسكو في عملية ضبط نشاط ايران النووي. كذلك اهتمت الصين بهذه المسألة لأن عقودها النفطية مع ايران تتعدى 24 مليار دولار. وهذا معناه ان الحرب ضد ايران ستلحق الضرر باقتصاد الصين وتزعزع استقرارها السياسي.
إدارة أوباما باشرت سياستها الخارجية بالاندفاع نحو دمشق من طريق شيوخ الكونغرس ورئيس لجنة الخارجية في المجلس جون كيري. كذلك اندفعت في اتجاه طهران مع وعد مبدئي بأن تكون ايران شريكة علنية في ترميم النظام العراقي، ويستدل من زحمة الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الايرانيون الى بغداد، أن الشراكة بدأت تنسج خيوطها حول مستقبل العراق الاقتصادي. فالزيارة التي قام بها وزير الخارجية منوشهر متكي، أثمرت مذكرة تفاهم اقتصادية، مع الحكومة العراقية، تتوقع أن تتعدى قيمة التبادل التجاري بينهما خمسة مليارات دولار سنوياً. كذلك وصل الى بغداد علي أكبر ولايتي، مستشار القائد الروحي علي خامنئي، ومن ثم يتبعه هاشمي رفسنجاني.
مقابل هذا الاغراء السياسي، أعلنت طهران أنها تنوي فتح أربع قنصليات في العراق، استعداداً للقيام بدور قوة الردع التي كلفتها بها الادارة الاميركية. وفي هذا قال أوباما: “عندما تخطط واشنطن لتسريع سحب قواتها من العراق، يصبح التنسيق بين العراق وايران حيوياً وضرورياً للحفاظ على الهدوء”. وهذا معناه أن الحرب التي أشعلها صدام حسين لابعاد نظام الملالي عن سيادة العراق قد أوصلت هذا النظام بفضل الغباء الاميركي والحرب غير المبررة.
تقول مصادر البيت الابيض إن قرار تفويض ايران بإدارة شؤون العراق، سيصدر عقب الانتخابات الايرانية. ولكن الحكم في طهران يتصرف وكأنه في حل من هذا الموعد، بدليل أن تصريح علي أكبر نوري حول البحرين، جاء كرد على بيان مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية في أبو ظبي. ومثل هذا التصرف الاستكباري يذكر بالسبب الاول الذي أبعد ياسر عرفات عن طهران بحجة أنه اساء الى التاريخ والجغرافيا. فقد أخطأ وقال “الخليج العربي”. ولما رفض أن يصحح ويعتذر، أخرج من دائرة المقربين!
سليم نصار
(كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن)
النهار