البحرين…والخطأ الإيراني
عبد الوهاب بدرخان
أقل ما يمكن أن يقال في الثرثرة الإيرانية عن البحرين، إنها خطأ في الوقت الخطأ وفي الموضوع الخطأ، هذا لا يشبه الحذاقة الإيرانية التي برعت في ادهاشنا في السنين الأخيرة، سواء اتفقنا مع مراميها أم اختلفنا. لابد أن “لخبطة” ما طرأت على العقل المفكر والمدبر، كما الكمبيوتر يفاجئ نفسه أحياناً بإقحام ملف في ملف فيتوجب اطفاؤه ثم إشعاله ليصحح أداءه. لذا جرى التعامل مع كلام علي أكبر ناطق نوري وحسين شريعتمداري بكل الأساليب: نفي ثم تتفيه ثم نفي ثم تقليل من أهميته ثم نفي ثم تصريحات مناقضة… وقيل إنه قيل في دردشة، كما لو أن القائل رجل عادي جالس في مقهى وليس كادراً في المرشدية.
على رغم خطورته فإن للخطأ الإيراني بحق البحرين وجهين: الأول سلبي إذ كشف طوية السياسات والأفكار في داخل إيوان كسرى، والثاني إيجابي إذ حرك عظام التضامن العربي وهي رميم. وعلى رغم تفاهته فإن له وظيفة هي رفع سقف المساومة المقبلة مع الولايات المتحدة عبر تصور أنها يمكن أن تعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة. وعلى رغم نفيه فإن له نتيجتين: الأولى نسف الادعاء الإيراني بالسعي إلى بناء الثقة مع العرب، والثانية تأكيد أطماع بالية يفترض أنها أصبحت شيئاً من التاريخ. وأخيراً، على رغم أنه كلام لا طائل منه، ينبغي أن يعالج على الطريقة الإيرانية نفسها بمحاسبتين: الأولى لمن قاله، والثانية لمن أوحى بـ”حكمة” إعادة فتح الملف.
قد يبدو هذا الخطأ كأنه الأول في سلسلة ضربات ومبادرات وعمليات اعتبرت كلها صائبة وموفقة، طبعاً استطاعت طهران أن تلملم بعض المصالح، وأن تسجل بعض النقاط في طريقها إلى مدِّ نفوذها وتعظيمه. لكن الأمور بخواتيمها، والأداء الجدي بالمعنى السياسي قد لا يفضي إلى مؤدى جيد بالمعنى التاريخي. ولطالما نالت الميكيافيلية مدائح وإعجاباً عندما تكتفي بمهارة حبك الدسائس، لكنها كثيرة المقت والعداوة كلما خرجت عن طورها لتصبح عبثاً لا يتورع عن سفك الدماء.
إيران ضالعة في خطأ ثان باذكائها نار الانقسام الفلسطيني، وكانت آخر تجلياته في تذكية السعي إلى “منظمة تحرير” أخرى بديلة، فلا يبقى بعدها عنوان للشعب الفلسطيني ولا بيت ولا مؤسسة، ولا بالتالي، اعتراف من أي عاصمة عدا طهران.
وهذا الحاصل في لبنان، ماذا عنه أليس خطأ أيضاً، وإلا فماذا يسمى زرع الفتنة وحرف الحقائق وتوريط البلد وأهله في مشروع ظاهره حق لا يُنكر وباطنه خطل لا يُغفر. كان الخروج السوري من لبنان فرصة تاريخية لتصحيح العلاقة بين البلدين، لكن بروز الإيراني الذي كان متستراً وراء السوري فوَّت تلك الفرصة، وشكل نوعاً من التمديد لنظام الهيمنة والوصاية بلا أي وعي ولا أي مسؤولية.
أما الذي حصل ويحصل في العراق، فذهب بعيداً في محاولة قولبة البلد والشعب، وفي إدخالهما الدوامة الدموية اللعينة. فهل كان الدور الإيراني نعمة أم نقمة للعراق؟ الأكيد أنه كان خطأ بدأت نتائجه تظهر في الانتخابات وتحولات الخريطة السياسية، تماماً كما أن العلاقة الإيرانية- السورية أمعنت في تشويه العلاقات العربية- العربية، وبدلاً من أن تبلور بديلاً استراتيجياً صالحاً وجذاباً، إذ بها تجنح إيرانياً نحو المشروع الشاهنشاهي إياه مع الطموح بتوظيف العالم العربي في خدمته. والأنكى أن قطبي محور الممانعة ليس لديهما طموح آخر الآن غير انفتاح الولايات المتحدة عليهما.
تلك أخطاء استراتيجية تموَّهت ببعض مظاهر القوة والتفوق، على ما هو سائد، وتضاف إليها أخطاء فادحة ارتكبت وترتكب بحق الإيرانيين أنفسهم في معيشتهم واقتصادهم وحرياتهم، وفي إحكام القبضة عليهم والتسلط على وعيهم وقيمهم. ماذا أيضاً عن المضي في المشروع النووي؟ وماذا لو أخطرت إيران لإعادة النظر فيه تراجعاً أو ابطاءً أو تعليقاً، أو على العكس؟ ماذا لو استدرجت ضربة عسكرية بسببه؟ لا يمكن الذهاب إلى أحلام الامبراطورية بحسابات خاطئة، لعل هذه هي النقطة التي تلتقي عندها إيران والولايات المتحدة، والمهم ألا تتبادلا المكافآت على أخطائهما في حق العرب.
الاتحاد