فرص الحوار الموعود بين أميركا وإيران
باتريك سيل
ثمّة إجماع في واشنطن على ضرورة التحاور مع إيران، ويُفضّل أن يحصل ذلك في أسرع وقت ممكن. وقد تحدث الرئيس باراك أوباما عن مدّ يده إلى الجمهورية الاسلامية، وردّ الرئيس محمود أحمدي نجاد على ذلك معبّراً عن استعداده للتحاور. حتى أنه بعث برسالة إلى أوباما يهنئه فيها على انتخابه رئيساً. ولا شك أنه يجب اعتبار ذلك بمثابة مسعى قريب لكسر الجليد.
ويقرّ الجانبان أن وقت الحوار قد حان وذلك بعد ثلاثين سنة من العداوة المتبادلة. وقد يكون من المبّكر توقّع عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين لكن يبدو ان احتمال افتتاح قسم لرعاية المصالح الأميركية في طهران هو اكثر واقعية.
والسؤال هو ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تسعى الى محادثات في الوقت الحاضر أو أن تنتظر نتائج الانتخابات في إيران في 12 حزيران (يونيو). ويفضّل البعض في أميركا انتظار النتائج على أمل فوز شخصية معتدلة على غرار الرئيس الأسبق محمد خاتمي بالرئاسة. ويشكل ذلك خطأً في التقدير. فأحمدي نجاد في موقع أفضل من خاتمي يسمح له بتسويق التقارب مع الولايات المتحدة بين المتشددين في إيران. وقد يساهم بدء المحادثات الآن في توفير غطاء سياسي ضروري لاستكمالها لاحقاً أياً كان الشخص الذي سيفوز في الانتخابات.
ويبدو أن العديد من التطورات تدفع بالولايات المتحدة وإيران للذهاب إلى طاولة المفاوضات، وأهمها مضي إيران قدماً في تخصيب اليورانيوم. وعلى رغم نفيها أي نية لتطوير الأسلحة النووية، تظهر انجازات إيران العلمية والتكنولوجية أنها على «عتبة» أن تصبح قوة نووية. لكن من غير المؤكد بعد ما إذا كانت ستمضي في هذه الخطوة.
وتكمن مصلحة أميركا في اقناع إيران بعدم إحراز المزيد من التقدّم في هذا المجال، فيما تكمن مصلحة إيران في ردع أي هجوم محتمل ضدها لكن من دون أن تثير مخاوف الدول المجاورة لها وأن تتسبب بمشاكل ومتاعب تترتب عن تحولها إلى قوة نووية.
والواضح أن محاولات الولايات المتحدة لوقف برنامج إيران النووي عن طريق فرض عقوبات اقتصادية عليها وعن طريق التهديدات العسكرية قد باءت بالفشل. فعلى العكس، دفعت العقوبات إيران إلى تسريع برنامجها. وتتم المطالبة باعتماد مقاربة جديدة، تتضمن الاقرار بمخاوف إيران الشرعية وبوضع حدّ للتهديدات الموجهة لها وبالاستعداد للدخول في محادثات معها من دون شروط مسبقة.
وعلى أي حال لم توافق يوماً الصين ولا روسيا ولا بعض دول الخليج العربي ولا حتى الدول الأوروبية، على سياسة أميركا الهادفة إلى وقف أنشطة إيران النووية من خلال تقويض اقتصادها. وبالفعل فقد بدأت هذا الأسبوع اختبارات تشغيل محطة توليد الطاقة النووية في بوشهر التي بنتها روسيا.
أما التطوّر الآخر الذي فرض ضرورة اجراء محادثات فهو المصلحة الأميركية الإيرانية المشتركة في تحقيق الاستقرار في المنطقة، في العراق وأفغانستان وباكستان وفي إيجاد حلّ للنزاع العربي-الاسرائيلي. ولا تتقاسم القوتان المتخاصمتان وجهة النظر نفسها إزاء هذه المواضيع، لكن يبدو أن كلاً منهما قد أدرك أن هذه المشاكل مترابطة في ما بينها وأنه ثمة حاجات لإيجاد حلّ اقليمي لها.
وترغب إيران في أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من الدول المجاورة لها، من العراق ومن المنطقة بأكملها. فيما يعتبر البعض في اميركا أن الوجود في مناطق بعيدة في البحار عوضاً عن التدخل العسكري المباشر على الارض قد يكون في مصلحة أميركا، كما يمكن ان يطمئن بعض حلفائها في المنطقة.
ماذا ستكون مطالب إيران خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة؟ تريد أن تحمي استقلالها وثورتها الاسلامية ضد أي هجوم خارجي. كما أنها ترغب في أن يتم الاعتراف بها كقوة اقليمية وتريد ان يكون العراق بلداً مسالماً على حدودها، لا يشكل أي خطر عليها على غرار الخطر الذي كان يمثله صدام حسين، مما يعني عملياً عراقاً بقيادة شيعية. كما أنها ترغب في رؤية جارتيها أفغانستان وباكستان بلدين مسالمين. كما ترغب إيران في أن يتم قبولها كعضو في البنية الامنية لمنطقة الخليج وفي أن تطمئن الدول الخليجية المجاورة لها بأنها تحترم سيادتها.
وترغب إيران في «احتواء» قوة إسرائيل العسكرية وفي تفادي تجديد هجماتها العنيفة على لبنان وغزة وفي المساهمة في قيام دولة فلسطينية مستقلة وهي طموحات تشاركها فيها معظم دول العالم العربي والاسلامي. واذا أرادت الولايات المتحدة أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي، فيجب أن تنظر بجدية في هذه المطالب المتعددة.
ويبدو أن بعض الأميركيين يعتقد أن إيران قد تتخلى عن تخصيب اليورانيوم في حال تم رفع العقوبات عنها. ويعتقد البعض الآخر أن إيران قد تقبل بإنشاء منشأة تخصيب على أرضها يملكها عدد من الدول الأوروبية وتخضع لمراقبة دولية، بغية تفادي استخدام القوة العسكرية ضدها. وقد قدم هذا الاقتراح توم بيكرنغ وهو ديبلوماسي أميركي سابق رفيع المستوى إضافة إلى شخصين آخرين في العدد الحالي من ملحق الكتاب الصادر مع صحيفة «نيويورك تايمز». لكن يبدو أن هذا الاقتراح لا يقدم اي محفزات لإيران تدفعها الى قبوله.
ولا تريد إيران التي صمدت في وجه العقوبات التي فرضت عليها على مدى الأعوام القليلة الماضية رفع العقوبات عنها فحسب. فلا شك أنها تشعر بالحاجة إلى الحصول على ضمانات أميركية بعدم شن هجوم ضدها وهو هجوم محتمل نظراً إلى التهديدات الاسرائيلية. وقد التزمت إيران بالقضية الفلسطينية. ويترتب تحقيق بعض من هذه الطلبات الايرانية لدفع إيران الى النظر في وقف تخصيب اليورانيوم عند المستويات الحالية.
ويذهب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أبعد من ذلك، فقد كتب مقالاً في صحيفة «هيرالد تريبيون» في 17 شباط (فبراير) جاء فيه ما يلي:
«لن تعرف منطقة الشرق الأوسط السلام إلا عندما يتمّ حل المسألة الفلسطينية. وما يفاقم المشكلة هو أن نظام عدم الانتشار النووي فقد شرعيته في نظرالرأي العام العربي بسبب المعايير المزدوجة عندما يتعلق الامر بإسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم توقّع على معاهدة عدم الانتشار النووي والتي تملك أسلحة نووية…
ستبقى المخاوف إزاء البرامج النووية الحالية والمستقبلية في المنطقة إلى أن يتم التوصل إلى سلام دائم وإلى أن يتم القضاء على كل الأسلحة النووية في المنطقة في إطار نظام أمني اقليمي. وطالما انتظرنا التعهد الذي أعلنته إدارة أوباما والقاضي بالدخول في ديبلوماسية مباشرة مع إيران من دون أي شروط مسبقة وعلى أساس الاحترام المتبادل والسعي لاجراء صفقة كبيرة.»
وفي حال كان البرادعي محقاً، وهو لطالما كان على صواب، يبدو أن باراك أوباما يحتاج إلى الدخول في عملية إحلال السلام وتوفير التطمينات على جبهة واسعة تمتد من أفغانستان وباكستان وصولاً الى إسرائيل وفلسطين في حال أراد التوصل إلى خرق لجدار الأزمة مع إيران.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة