صفحات الحوار

البيانوني: نرفض أي تدخّل خارجي لتغيير النظام في سورية على الطريقة العراقية

null
يرى علي صدر الدين البيانوني؛ المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، أن منطقة الشرق الأوسط تدخل الآن منعطفاً إستراتيجياً جديداً، سيكلف دول المنطقة وأحزابها وتياراتها ثمناً باهظاً، إذا لم تتجاوب وتتكيف مع هذا الواقع الجديد، مؤكداً أنه لم ترد أية ردود عملية من قبل الجانب السوري الرسمي على مبادرة التهدئة التي أعلنتها حركة الإخوان المسلمين في سورية.
وقال البيانوني في مقابلة خاصة مع (أوان) في لندن، إن حركة الإخوان المسلمين لم تكن، ولم تَسِر يوماً في الفلك الأميركي، ولم تستخدم كسيف أميركي للتلويح ضد الأنظمة العربية، نافياً في الوقت نفسه إجراء أو تلقي أية اتصالات مع الجانب الأميركي بخصوص عملية السلام. وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
{ أعلنتم هدنة بينكم وبين القيادة السورية. ما حقيقة الأسباب التي دعتكم إلى مثل هذه الهدنة؟
– ما أعلناه بالضبط هو تعليق الأنشطة المعارضة لجماعتنا، في سياق الحرب الوحشية على غزة، والظروف السياسية والعسكرية والإنسانية التي فرضها هذا العدوان، وانطلاقاً من رؤيتنا لأولوية القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للأمة. وقد جاء هذا الموقف تعبيراً عن مصداقيتنا في دعم المقاومة الفلسطينية، وتوفيراً للجهد على محور القضية الكبرى. كما طالبنا النظام في هذا السياق، أن يبادر إلى المصالحة الوطنية، ليكون لمواقفه المعلنة في دعم المقاومة، مصداقيتها العملية.
{ يقول بعض المراقبين إن هذه الهدنة هي مجرد مناورة سياسية، فيما يعتقد آخرون بأنها جاءت لإحراج القيادة السورية ورمي الكرة في ملعبها. ما تعليقكم؟
– لا نحجر على أحد حقه في التفسير. لكن التفسير الموضوعي هو الذي يصدر عن مقترناته الموضوعية. إنّ من يعرف تاريخ جماعتنا بشكل جيد، يدرك أننا لسنا من أصحاب المناورات السياسية. نحن نعتقد أن العدوان الصهيوني على غزة، وما سيترتّب عليه، قد فرض على المنطقة واقعاً جديداً، وفرزاً جديداً للقوى. نريد أن يعلم شعبنا وكل قوى المقاومة والممانعة في المنطقة بصدق، على أي خط نحن، وفي أي مربع نحن. نعتقد أن من حق كل فريق أن يختار لنفسه الخندق الذي سيسجله عليه التاريخ، وتسجله عليه الأجيال. موقفنا هو إثبات للمصداقية من جهة، وتحدٍّ للمصداقية من جهة أخرى.
{ ما هو رد القيادة السورية على هذه المبادرة؟ هل تقبلتها أم رفضتها؟
– أعتقد أنكم استخلصتم من الجواب السابق، أن مبادرتنا لم تكن باتجاه واحد (باتجاه النظام) فقط، وإنما كانت باتجاهات كثيرة ومتعددة. كانت باتجاه أهلنا المقاومين في غزة أولاً، وباتجاه شعبنا وقواعدنا الإسلامية داخل سورية وخارجها ثانياً. وقد تلقّينا ردوداً إيجابية بالغة التعبير من جميع هذه الأطراف، ما يعني أن مبادرتنا قد حققت، حتى الآن، الكثير من أهدافها. لم نتلقّ أي رد عملي من النظام السوري، لكننا ماضون في موقفنا لوضع إستراتيجية ما بعد غزة، على صعيد عملنا الوطني وعملنا الإسلامي في المنطقة أجمع. إذا تأملت موقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في (دافوس)، ستقرّ معنا بأن المنطقة تدخل واقعاً إستراتيجياً جديداً، سيفرض نفسه على الجميع، وسيكون ثمن التأخّر عن التعاطي الإيجابي معه باهظ التكاليف، على الحكومات والتيارات والأحزاب.
{ حركة الإخوان المسلمين هي من تقود الشارع العربي. برأيكم هل ستستمر هذه القيادة، أم إنها ستؤول إلى القوميين أو الليبراليين؟
– استمرار القيادة الإسلامية للجماهير العربية والإسلامية، مرتبط بقدرة جماعة الإخوان المسلمين على تمثيل تطلّعات هذه الشعوب وهمومها، والالتحام معها، وتحمّل عبء قضاياها القومية والوطنية والاجتماعية. في كل بيت عربي مسلم، يحتلّ المصحف مكان الصدارة، وهو المفتاح الأولي الذي تمتلكه جماعة الإخوان المسلمين. وهذا يحمّلنا مسؤولية كبيرة، بحجم ثقة شعبنا بنا. مسؤولية تمتد عمقاً في التاريخ وفي الجغرافيا. إن مشروعنا الإسلامي، كما نتصوره، أكبر وأشمل من مشروع معارضة قطرية، ولاسيما عندما يكون العدو هو الكيان الصهيوني، وتكون الحرب بقسوة وبشاعة الحرب التي يشنّها على أهلنا في فلسطين. ربما يكون من المفيد أن نذكر أن من الأسباب الأساسية لمبادرتنا، ألا نفارق موقعناً في قيادة جماهيرنا الوطنية والإسلامية في الداخل والخارج.
{ما موقفكم كإخوان مسلمين سوريين من الثورة الإيرانية بشكل عام، ومن محاولات النظام الإيراني تصدير الثورة والتغلغل في الدول العربية؟
– نحن نعتقد أن الثورة الإيرانية بدأت، كما أعلنت عن نفسها، ثورة إسلامية، قامت بالإرادة الشعبية الحرة، وبتضحيات المسلمين من أبناء الشعب الإيراني. ولقد أعلنا منذ الأيام الأولى، وقوفنا إلى جانب هذه الثورة، وتأييدنا لها باعتبارها ثورة إسلامية. وتوقعنا أن تكون إيران على أساسها، نقطة إسناد لمشروع إسلامي عصري ومنفتح.
لكننا مع الأسف، شعرنا منذ تلك الأيام، أن قوى الشدّ العكسي، تحاول أن تحشر إيران وشعبها وقيادتها، تحت سقف مذهبي ضيّق، وتعمل على إثارة العداوة والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة، ومع سواد المسلمين العام.
ننظر إلى الإيرانيين على أنهم شركاؤنا في العقيدة وفي التاريخ وفي الجغرافيا، ونتمنى أن يكون قادتهم قادرين على تجاوز (إحن التاريخ) وخصوماته، واختراق السقف المذهبي الضيق. فالقائد الحكيم والرائد الذي لا يكذب أهله، يختار بلا شك الانتماء إلى أمة المليار ونصف المليار، ويربط جسور التواصل معها، بدلاً من الانغلاق على مجموعة مذهبية، لا تشكل عُشْر هذه الأمة.
نشعر بالأسف والقلق معاً لمحاولات التبشير المذهبي بين ظهراني المسلمين، ونرى في هذه المحاولات أكثر من تبديد للوقت والجهد، في حين تتعرّض الأمة كلها للعدوان الكبير، بل نرى في الغزو المذهبي وأدواته ووسائله ومناهجه وأهدافه، محاولة لإثارة الشقاق وإشاعة الفتنة، وإشغالاً للأمة عن معركتها الأساسية.
إن هذه السياسة، في ظلّ التحدّيات التي تواجه الأمة، تُفقد إيران الكثير من مصداقيتها، في التصدّي لما تدعوه (بالشيطان الأكبر)، أو في التصدّي للمشروع الصهيوني، الذي يتغلغل في جسم الأمة من المحيط إلى المحيط.
{ المشهد العراقي يضم فسيفساء دينية وقومية متنوعة. هل تعتقدون أن الحزب الإسلامي استطاع تحقيق أجندته ورؤيته على أرض الواقع؟
– الساحة العراقية متشابكة الأطراف، شديدة التعقيد، ولاسيما في ظلّ وجود 3 قوى عملية على الأرض. الاحتلال (الأميركي)، والاحتلال الخفيّ لبعض دول الجوار، والوجود الكرديّ الذي غدا قوة ضاربة بعد سقوط الدولة في العراق.
الحزب الإسلاميّ في العراق ورث تركة لا يُحسد عليها، وكانت خياراته منذ البداية صعبة جداً. وهو، مع كل العبء المفروض عليه، لا يتلقّى الدعم المطلوب من الأفق العربي والإسلامي الذي ينتمي موضوعياً إليه. بعض الدول العربية وكذلك بعض القيادات الإسلامية، مع الأسف، لا تجيد فرز القوى جيداً، بل لعلها تفرزها على أسس يفرضها الآخرون.
ومع ذلك فقد تحمّل الحزب الإسلامي العراقي مسؤوليته، والإخوة في الحزب لا يزعمون أنهم استطاعوا أن يحققوا كل ما يريدون، لكنهم حققوا بلا شك الكثير مما قدروا عليه.
مشروع الحزب الإسلامي في العراق يجب أن يكون، كما هو عليه الآن، مشروعاً عراقياً، لا إثنياً ولا مذهبياً، وهذا قد يفرض عليه المزيد من الصعوبات، لكن سيجعله الحزب الأبقى على الساحة العراقية.
{ كحركة إخوان مسلمين، ما الذي حققته الولايات المتحدة من أهداف في العراق، وما الذي خسرته ولم تستطع تحقيقه بغزوها العراق؟
– تعلمون أن كلّ الأهداف أو الأسباب التي تذرّعت بها الولايات المتحدة لشنّ الحرب على العراق قد ثبت بطلانها؛ فلا أسلحة الدمار الشامل اكتشفت، ولا العلاقة مع تنظيم القاعدة ثبتت، ولا الديمقراطية انتشرت، ولا شرعة حقوق الإنسان سادت. إن ما ارتكبته قوات الاحتلال من فظائع وانتهاكات، في سجن (أبو غريب) وفي مختلف أنحاء العراق، سيظل وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة الإنساني.
شيء واحد حققته الولايات المتحدة في العراق، هو تدمير العمران والإنسان، مع ملايين القتلى وملايين المشردين، وحالة من الفوضى والاضطراب، إذ مازالت الكلمة العليا في العراق للفوضى وللإرهاب، ولا يزال الوضع في العراق مفتوحاً على كثير من المخاطر والاحتمالات.
إذا نظرنا إلى بوش، بعد رحيله، ورامسفيلد وديك تشيني (كمدراء شركات)، فإن الذي حققوه يتلخص في أنهم استطاعوا أن يلعبوا بالمليارات من أموال دافع الضرائب الأميركي، وأموال النفط العراقي، هم وشركاؤهم هناك.
{ في السابق كانت الولايات المتحدة تراهن على حركة الإخوان المسلمين، بحكم قيادتها للشارع العربي، كسيف للتلويح ضد الأنظمة العربية، من خلال نظرية تصدير الديمقراطية للعالم العربي، برأيك هل مازالت واشنطن تراهن عليكم، أم إنها تراجعت عن ذلك؟
– أنا لا أوافق على مقدمة هذا السؤال، إذ لم يحدث أبداً أن كان الإخوان المسلمون، في أي قطر من الأقطار، ضمن الأفق الأميركيّ، لسببين:
الأول: أن الإخوان المسلمين أنفسهم يرفضون ذلك ابتداءاً، ما يجعل الإدارات الأميركية تقرر مزيداً من الرفض لهم. فنحن في كل سنوات عملنا في الخارج، وعلى الرغم من ظروفنا الصعبة، كنا نعلن دائماً أننا ضدّ الاستقواء بالأجنبي، وأننا نرفض أي تدخّل خارجي لتغيير النظام في سورية على الطريقة العراقية. وكنا دائماً، عندما يلوح في الأفق أي تهديد خارجي من أيّ جهة كانت، نعلن انحيازنا للوطن، ووقوفنا مع أبناء شعبنا ضدّ هذا التهديد.
والسبب الثاني: أن الإدارة الأميركية، ولأسباب تاريخية وثقافية وعقائدية وصهيونية أيضاً، ظلّت تنظر إلى الإخوان المسلمين دائماً، على أنهم الخيار (الأسوأ)، وقد جاءت الانتخابات في فلسطين ومصر، لتؤكد تقدّم الإخوان المسلمين على الساحتين الفلسطينية والمصرية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى طيّ مشروعها للديمقراطية، وارتدّ الرئيس بوش ليعلن تمسكه بمشروع (الاستقرار)، وليطمئن الحكام العرب على بقائهم فوق كراسيهم، وهم الذين حوّلوا الجمهوريات إلى مزارع وراثية، معتمدين على الدعم الأميركي والأوروبي غير المحدود.
{ هل أجرت الإدارة الأميركية اتصالات معكم لأي هدف كان: مثلاً معرفة رأيكم بعملية السلام في الشرق الأوسط؟
– لا.. لم يتم أيّ اتصال بيننا وبين الإدارة الأميركية حول أيّ موضوع.
{ هل يعمل إخوان سورية بشكل مستقل عن باقي الإخوان، أم أن هناك أجندة واحدة لكل فروع الإخوان في العالم العربي؟
– تشكل التنظيمات الإخوانية في كل قطر من الأقطار، تنظيماً مستقلاً بقراراته وسياساته الخاصة، ومرجعياته التنظيمية. إن ما يربط الإخوان المسلمون في هذه الأقطار هو مرجعيتهم الإسلامية الواحدة التي يصدرون عنها، ويبنون على أساسها مواقفهم، ويتخذون قراراتهم، مراعين ظروف كل بلد وخصوصيته، فضلاً عن لقاءات تشاورية تتم في بعض الأحيان، إذ يطلع أهل كل قطر على واقع إخوانهم في الأقطار الأخرى، وعلى همومهم ومشكلاتهم، ويتبادلون الرأي والمشورة غير الملزمة، في بعض الأمور والقضايا العامة. ليس هناك تنظيم عضويّ يجمع بين الأقطار بالمعنى التنظيميّ المعروف.
لعلك تلحظ في الفضاء السياسي تباينات كثيرة في مواقف التنظيمات الإخوانية، من الكثير من القضايا والأنظمة. والعراق وسورية مثلان واضحان.
علي صدر الدين البيانوني
ولد علي صدر الدين البيانوني في مدينة حلب العام 1938. وفي 1963 حصل على الإجازة في الحقوق، من جامعة دمشق. وما بين العامين 1957 و1978، تنقل في الأعمال بين مدرس للغة العربية والخدمة كضابط احتياط في الجيش السوري، والعمل في مؤسسة الكهرباء والنقل، ثم مزاولة مهنة المحاماة في مسقط رأسه؛ حلب.
انتسب البيانوني إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية العام 1952، وتدرّج في مواقع قيادية فيها، إذ كان عضواً في مجلس الشورى والمكتب التنفيذي منذ العام 1972، وعُين نائباً للمراقب العام في 1977، وظل يشغل هذا الموقع سنوات.
انتخب مراقباً عاماً للجماعة في يوليو (تموز) 1996، وأعيد انتخابه العام 2002 فترة ثانية مدتها 4 سنوات.
اعتُقل البيانوني مدة عامين في سورية، بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، من 1975 حتى 1977، وغادر سورية العام 1979، ليقيم في لندن.
ومن العاصمة البريطانية، سعت الجماعة بزعامته إلى طرح وجهة نظرها السياسية، إذ أعلنت في مايو (أيار) 2001، أي بعد 10 شهور من تولي الرئيس السوري بشار الأسد السلطة، مشروع ميثاق شرف وطني للعمل السياسي في سورية. ثم عرضته خلال مؤتمر المعارضة السورية من 23 إلى 25 أغسطس (آب) 2002 في لندن.
وحسب الإخوان السوريين، فإن مشروعهم لقي ترحيباً في أوساط المعارضة السورية، لكنه لم يجد أذناً صاغية من جانب الحكومة السورية.
أوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى