ساطع نور الدين
لا تقع القمة العربية المصغرة في الرياض خارج سياق الهجوم العربي المضاد على إيران، التي تدهورت العلاقات العربية معها الى مستوى لم يسبق له مثيل منذ ثورتها الإسلامية قبل ثلاثين عاما، وباتت تمثل تحديا رئيسيا يتقدم بالنسبة الى غالبية العرب على الخطر الاسرائيلي، وأيضا على التهديد الاميركي .. إذا وجد.
علامات هذا الهجوم المضاد ظاهرة للعيان كل يوم تقريبا، سواء في المواقف العربية التي تحذر طهران من مغبة التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد العربي او ذاك، والتي بلغت ذروتها في قرار المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، او في المواقف الصادرة من المسؤولين الإيرانيين التي تحاول ان توحي بأن ايران لا تزال في عهدها الثوري الاول وهي في طور تصدير ثورتها الى محيطها العربي والاسلامي، والتي انحدرت الى حد قول احد خطباء الجمعة في جامعة طهران قبل اسبوعين ان الدولة الايرانية لن تتسامح مع اي اساءة يتعرض لها الشيعة في اي مكان في العالم.
في الحالتين، ليس هناك افتعال او مبالغة. وصلت العلاقات العربية الايرانية الى حافة المواجهة، لان طهران وسعت نفوذها العربي الى ما يفوق طموحاتها الاولى قبل ثلاثة عقود، وصارت حاضرة بقوة في العراق ولبنان وفلسطين اكثر بكثير مما كان يحلم او يتوقع قائد ثورتها الامام الراحل آية الله الخميني، فضلا عن حضورها المؤثر في أفغانستان. وهو ما يترافق مع حملة رسمية عنيفة على العرب لتخاذلهم إزاء اسرائيل وتهاونهم امام اميركا.. متناسية طبعا انها متعاونة مع الاميركيين على جبهتين من جبهات قتالهم الاسلامي، ومتجاهلة ان العرب جربوا مختلف انواع الاسلحة، بما فيها سلاح النفط نفسه، في الصراع مع العدو الاسرائيلي، ولم يبق لهم سوى سلاح السياسة، او سلاح التضحية بمليون قتيل او اكثر، كما فعلت ايران في حرب الخليج الاولى، التي انتهت بهزيمة إيرانية!
اما الاتهام الايراني بأن العرب ينفذون تعليمات حرفية اميركية تهدف الى محاصرة ايران وخدمة المساعي الدولية لوقف برنامجها النووي، فإنه يصلح للمنابر والمناسبات الثورية اكثر مما يستقيم مع واقع الحال، الذي يبدو فيها ان واشنطن وطهران تسيران بسرعة اكبر من ذي قبل نحو حوارات ثنائية حول عدد من القضايا المشتركة، لا تأخذ في الاعتبار الكثير من المصالح العربية، بل يمكن ان تزيد القلق العربي من تواطؤ اميركي مع ايران، يفوق بأهميته التحالف الاميركي مع ما يسمى بالمعتدلين العرب.
قد يقال ان ذلك الهجوم العربي المضاد هو جزء من ادوات الضغط الاميركية على طهران قبل فتح الحوارات معها، لكن طهران نفسها لا تدع مجالا للشك في انها تعتبر المواجهة مع العالم العربي جزءا من ادوات الضغط الايرانية على اميركا، ولا تفسح في المجال لما يمكن ان يبدد المخاوف العربية التي لا تزال تصر انها مصطنعة او مشبوهة.. مع انها تكاد تصل الى حافة القطيعة، وهي تركز اليوم على محاولة احتواء اهم حلفاء ايران العرب!
السفير