دليلك لإنقاذ مصر عبر فيس بوك
عمر مصطفى – الشروق
قد تقرر ذات مرة أن تفتح مدونتك الصغيرة أو صفحتك على “فيس بوك” في ساعة صفا ، وتقرر أن تداعب أصدقائك أو تفضفض بفكرة أو خاطرة ، فتكتب تدوينة أو تنشيء مجموعة ضمن مليارات المجموعات على فيس بوك وغيره ، ثم تفاجأ في اليوم التالي أن مجموعتك أو تدوينتك باتت جزء من خبر شديد الجدية على صدر صحيفة سيارة أو برنامج ذائع الصيت ، خبر قد يحمل أكثر بكثير مما قصدت ، أو يخرج بنتائج ودلالات لم تكن تعنيها إطلاقاً..
هكذا ورط الإعلام مثلاً مجموعة الشباب الداعين إلى إضراب 6 أبريل في العام الماضي وغيرهم ، فكانت دعوتهم لتكون أقل انتشاراً وتأثيراً بكثير لولا تهافت الإعلام على تلك الدعوة البريئة المرتجلة التي انقلبت إلى دراما فجة شاهدنا فصولها جميعاً..
محمد ربيع مدون مصري (29 عاماً) قرر أن يسخر على طريقته من هذه الدائرة المرتبكة التي تدور فيها الأفكار بين الناس على الإنترنت من ناحية وبين الإعلام والدولة من ناحية أخرى ، وقد كتب لصفحة “عالم رقمي” القصة كاملة:
“علمت بخبر قنبلة الحسين الأخير من خلال جايكو (موقع للتدوين القصير مثل تويتر) ، عدت إلى منزلي و تابعت الخبر من خلال القنوات الفضائية و مواقع الأخبار على الإنترنت. مع الوقت أدركت أن العملية صغيرة للغاية ، تفجير بسيط ، قتلت فتاة فرنسية للأسف ، روع كثيرون في المنطقة الجميلة ، و لكنها تبقى حادثة طفولية سخيفة إذا ما قورنت بحادث فندق أوروبا أو بحادث معبد حتشبسوت قبل أكثر من عشر سنوات.
حالة مصر السياحية بالغة السوء الآن ، الفنادق تعلن أسبوعياً عن تخفيضات في أسعار الغرف ، أيضا تلغى الكثير من حجوزات الطيران و الفنادق ، و بالتالي لم أظن أن يؤثر التفجير على حالة السياحة ، المتردية في الأساس..
ربط بعض الأصدقاء بين حادث التفجير و بين قرب مناقشة قانون الإرهاب بمجلس الشعب ، و رأوا أن الداخلية دبرت الحادث ليبقى حاضرا في أذهان النواب عند مناقشة القانون ، لا أعلم حقيقة صحة الخبر عن قرب مناقشة قانون الإرهاب ، ولا أظن الداخلية تفعلها بالطبع.
بسبب كل ما ذكرت أعلاه ، رأيت أنه من المناسب أن أطلب من قراء مدونتي و أصدقائي على “فيس بوك” الذهاب إلى الحسين دعماً لمصر. “انت بتتكلم جد؟” سألتني زوجتي بتعجب ، أجبتها بالنفي طبعاً ، الفكرة كلها كانت دعابة ثقيلة ، اعترضت هي و قالت أن لا داعي لوجع الدماغ و البهدلة و لا يصح السخرية من موقف مأساوي كهذا ، لم أر في الموضوع أي بهدلة أو مخالفة للقانون ، في اليوم التالي أصابني الأرق ، قمت من السرير و كتبت التالي:
“إحنا المصريين بنحب بعضنا و بنحب بلدنا. شايفين اللي حصل في الحسين من كام يوم؟ حركة خايبة آخر حاجه. تيجوا ندعم بلدنا و نبين للعالم اننا بنحبها؟ نروح كلنا للحسين يوم الخميس الجاي. غالبا كل اللي هايقرا الكلام ده هايوافقني ، ماحدش هايرفض الا اللي عايزين خراب البلد. أيوه لازم كلنا نروح هناك ، نصلي في الحسين ، نقعد على قهوة و نشتري حاجه من خان الخليلي ، ننفع الناس يعني و نحيي المكان. لازم كلنا نلبي الدعوة ، دي مصر اللي بتدعينا. ها قلتوا ايه؟ خلوا معادنا مع مصر يوم الخميس. خراب مصر مش هانسمح بيه أبدا. خمسين مليون مصري في الحسين يوم الخميس. خدامينك يا مصر”
في اليوم التالي نشرتها على المدونة ، أنشأت مجموعة على “فيس بوك” و ربطت التدوينة بها ، دعوت أصدقائي للانضمام للمجموعة ، فوراً سألني بعض المقربين عن المجموعة ، قالوا أنهم لا يصدقون أني قد أوجه هذه الدعوة إليهم أو إلى أي شخص ، قال ثلاثة منهم حرفيا أنها (اشتغالة). انا لست بهذا السوء ، تركت فيها ما يدل على أنها (اشتغالة) ، ولا لوم عليّ بعد ذلك..
تدريجياً و مع مرور الأيام زاد عدد أعضاء المجموعة ، بعض الأصدقاء خُدعوا فعلاً و ظنوا أني جاد في دعوتي ، فوجئت بآخرين لا أعرفهم على الإطلاق يشتركون في المجموعة و يتعاملون بجدية مع الموضوع ، ونشرت عدة صحف الخبر بحفاوة ، وأطلق برنامج شهير في التليفزيون المصري الدعوة نفسها ، وكان ضمن من لبوا الدعوة يومها بعض الوزراء جلسوا على مقهى في الحسين.
في النهاية وبحلول يوم الخميس – على حد علمي – أدرك الجميع أن العملية كلها دعابة سمجة ، ولكنهم لم ينظروا إلى ما خلف تلك الدعابة السمجة..
لم يلحظ أحد سخريتي من الوطنية الزائدة و الزائفة ، أيضا لم ير أحد اعتراضي على طلب التجمع و المؤازرة و المعاضدة كلما حدثت حادثة في مصر ، و كأن المصريين لا يعملون ، ولا يشغلهم شيء سوى إبداء رأيهم الحصيف و تنظيم المظاهرات ، لم يدرك أحد أن تجمع مائة فرد في الحسين لن يردوا السياحة إلى سابق عهدها.
صار الأمر مثار حديثنا لأيام لاحقة ، متبادلين أنا و أصدقائي الأخبار عن فلان الذي ذهب فعلا إلى الحسين وعن جماعة كيت وكيت التي دعت دعوة مشابهة ، وعن علان الذي تضايق كثيرا عندما علم بأن الدعوة ما هي إلا مزحة ، أخيرا ، كنت أبادل الأصدقاء السخرية والضحك ، و كلي أسف لأنهم لم يقرأوا ما بين السطور.
أظن أننا جميعا في حالة مزايدة جماعية ، فالكل ينتقد الكل ، الملط ينتقد الحكومة لأدائها الخائب و الحكومة تنتقده لأنه لم ينتقدها مبكرا ، المعارضة تنتقد الحكومة و الأخيرة تبادلها و هذا ما اعتدنا عليه ، الحكومة تنتقدنا لأننا لا نلتزم بالقانون و نحن ننتقدها لأننا نرى أن القانون ظالم و مجحف ، و هكذا نتبادل الشجار و الاتهامات بالخيانة و ادعاء الوطنية و تمني الخير لمصر ، في حوار طرشان عميان لا ينتهي ، و أرى أن تغييره أصبح واجبا لأني مللت الأمر برمته”.