ما يحدث في لبنان

محكمة دولية بلا مال ومتهمين !

سركيس نعوم
كاد اليأس ان يتسرّب الى نفوس اللبنانيين الذين ينتظرون ان تبدأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد انجاز لجنة التحقيق الدولية مهمتها محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ذلك ان ما تداولته وسائل الاعلام من معطيات وتحليلات في الاشهر الاخيرة كوَّن انطباعاً عندهم ان بت ملف هذه القضية لم يعد مستعجلاً، وانه ربما يكون وُضع على الرف موقتاً في انتظار جلاء اوضاع كثيرة في لبنان والمنطقة وخارجها. اولها، الانتخابات النيابية اللبنانية في الربيع المقبل والنتائج التي ستسفر عنها. وثانيها، استقرار الامن في لبنان، وإن في الحد الادنى من الآن الى حين الانتخابات. وثالثها، استمرار استقرار الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية. ورابعها، متابعة تنامي انتشار التيارات الاسلامية الاصولية السنّية ونفوذها. وخامسها، تطوّر المفاوضات السورية – الاسرائيلية والعلاقات اللبنانية – السورية. وسادسها، تطوّر الوضع في العراق ومعه العلاقات او اللاعلاقات الاميركية – الايرانية. ووضع هذا الملف المهم على الرف يعني ابقاءه سيفاً مصلتاً على المتهمين في جريمة الاغتيال او بالأحرى المشتبه فيهم وفي مقدمهم سوريا وحلفاء لها في لبنان. ويعني في الوقت نفسه إمكان البحث عن حل سياسي له، في حال اسفرت كل الاوضاع المذكورة اعلاه او بعضها عن تطورات ايجابية تنهي القضية بعد محاكمة عدد من المتورطين فيها لا تشكل محاكمتهم وادانتهم اي إحراج سواء لسوريا او لغيرها، ولا ترتب تالياً اي خطر عليها وعليهم. الا ان اليأس المشار اليه اعلاه تبدّد قليلاً في الاسبوعين الماضيين بعد نشر وسائل اعلام عربية ثم لبنانية اخباراً تؤكد ان رئيس لجنة التحقيق الدولية ينوي تقديم تقريره النهائي الى مجلس الامن اواخر السنة الجارية الأمر الذي يطلق عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكذلك بعد حديث هذه الوسائل عن تفاصيل في التقرير المشار اليه تحدد اكثر من مئة شخص في سياق الحديث عن الاتهامات والمحاكمة.
لكن شبح اليأس عاد الى نفوس هؤلاء اللبنانيين عندما اكد مواكبون عن قرب لعمل لجنة التحقيق ومراحل إنشاء المحكمة ان تقرير رئيس اللجنة لن يتضمن اسماء إلا بعد ان يتحول قراراً إتهامياً وذلك بعد الإنتهاء من تشكيل المحكمة ووضع آلية محددة لعملها.
وعاد شبح اليأس نفسه الى النفوس ايضاً عندما عادت قضية تمويل المحكمة تظهر كعائق يمكن ان يؤخر بدء عملها. ومعلوم انها كي تباشر عملها يجب ان يتوافر تمويل لها لمدة اربع سنوات على الأقل، ويجب ان يكون نصف هذا التمويل لبنانياً اي من الدولة اللبنانية لكون التمويل الخاص غير قانوني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ان الحكومة اللبنانية بتركيبتها الحالية (معارضة متمثلة فيها بثلث ضامن او معطل وموالاة لا تملك داخلها اكثرية الثلثين) قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية في شأن تمويل المحكمة، ام ان هذا الموضوع سيقارب في ظل خلافات تُسترجع معها كل الإشكالات والمشكلات التي عانتها الحكومة السابقة ومعها اللبنانيون؟
والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه ايضاً هو: هل ان قرار التمويل الذي لا بد ان يتخذ في مجلس الوزراء يتطلّب اكثرية الثلثين، ام تكفي الاكثرية العادية النصف زائدا واحدا لإقراره؟
والسؤال الثالث اخيرا: هل ان “المعارضة” اللبنانية، وإن ممثلة في الحكومة، ستغامر بموقف من تمويل المحكمة في مجلس الوزراء يفسّر على انه موقف من المحكمة نفسها وتالياً من القضية التي شكلت للنظر فيها من شأنه ان ينعكس سلباً على الوحدة الداخلية، او بالأحرى ان يفجّرها وهي التي صارت في ادنى درجات الهشاشة؟
ما هي الحقيقة في موضوع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتحديداً في موضوع محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
الحقيقة الثابتة هي ان هذه المحكمة ستقوم، وان احداً ليس في وسعه الغاؤها لأنها نشأت بقرار من مجلس الامن. لكن هذه الحقيقة لا تلغي حقيقة اخرى يعرفها رجال القانون وهي ان وجود المحكمة، اي قيامها بعملها، يرتبط بوجود قضية اي بوجود متهمين بالجريمة التي انشئت للنظر فيها ولمحاكمتهم. ويعني ذلك ان المحكمة ستبقى غير قائمة فعلاً ما دام القرار الاتهامي غائباً.
طبعاً لا يتوقع احد، اياً يكن موقعه السياسي سواء داخل لبنان او خارجه في المواجهات الدائرة على ارضه بواسطة شعوبه، ان يتأخر القرار الاتهامي الى ما لا نهاية. لكن كثرا من المطلعين، وتحديداً من القانونيين والسياسيين الضالعين في القانون، يحاذرون تأكيد ما اذا كان القرار الذي سيصدر سواء اواخر السنة الجارية او السنة المقبلة او ربما السنة التي تليها، سيتضمن كل الاسماء المتهمة بالتورط فعلاً في جريمة قتل الحريري، اياً يكن اصحابها وجنسيتهم وانتماؤهم العقائدي والفكري والديني، او بعضاً منهم لا تشكّل محاكمته ولا حتى ادانته احراجاً لاحد او خطراً عليه.
ومحاذرة التأكيد تنبع من ادراك واقعي ان اغتيال الحريري هو جريمة لكنه قد يكون في الوقت نفسه عملاً سياسياً لا بد من “دوزنة” كل ما يتعلق به في المحكمة سياسياً، وخصوصاً اذا صبت “الدوزنة” في مصلحة افرقاء المواجهة المتنوعة الدائرة في المنطقة عبر ساحاتها البارزة وفي مقدمها لبنان، اي اذا حصل كل من هؤلاء على ما يريد او معظم ما يريد. واذذاك لا يستبعد ان تصبح مافيا ارهابية اصولية متطرفة متعددة الجنسية مسؤولة عن الجريمة. فهل ان اطراف جريمة اغتيال الحريري من متورطين فيها وعاملين لكشف خباياها ومعاقبة مرتكبيها والمخططين لها مستعدون لتسوية من هذا النوع؟ الجواب غير متوافر بعد، وخصوصاً في واشنطن وعواصم اقليمية عدة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى