ما يحدث في لبنان

لهذا اعتذر السنيورة عن عدم لقاء بوش!

null

جورج علم

قامت القائمة بأعمال السفارة الاميركيّة ميشيل سيسون، الاسبوع الماضي، بجولة شملت مسؤولين وقيادات في الموالاة والمعارضة أسهمت في تهدئة الاوضاع مع بدء جولة الرئيس جورج بوش في المنطقة، وجاءت مكمّلة ومتزامنة مع جولات مماثلة قام بها كلّ من السفير الروسي والقائم بالاعمال الفرنسي، والسفيرة البريطانيّة، وبعض السفراء الذين يمثلون الدول الاعضاء في مجلس الامن.

لماذا وما الهدف؟

تفيد مصادر دبلوماسيّة متابعة بالآتي:

أعلن مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي ستيفن هادلي وهو على متن الطائرة الرئاسيّة الى الشرق الاوسط، ان مجلس الامن يتجه لعقد جلسة خاصة بهدف إصدار قرار يتعلق بالتطورات التي (شهدها) لبنان، ويدعم الحكومة اللبنانية المنتخبة ديموقراطيّاً.

وكان وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير هو السبّاق في الحديث عن هذا التوجه، حيث أكد بأن فرنسا بدأت مشاورات واسعة مع حلفائها، خصوصاً في مجلس الأمن لإصدار قرار حول التطورات الخطيرة التي يشهدها لبنان.

وجاء تحرّك السفراء في بيروت ـ على حدّ قول المصادر ـ نابعاً من خلفيتين، الأولى: التعليمات الواضحة التي تلقاها بعضهم من حكومات دولهم حول ضرورة وضعهم بحقيقة ما يجري. والثانيّة: نتيجة الاجتماعات الدوريّة والمشاورات المستمرة ما بينهم لتبادل المعلومات وتدقيق التصورات المتصلة بالمرحلة المقبلة.

وتضيف هذه المصادر: إن شيئاً قد حدث لم يكن متوقعاً لا من عواصم دول القرار، ولا حتى من السفراء المتابعين، تمثّل بالآتي:

ـ السرعة في الردّ على القرارين اللذين اتخذهما مجلس الوزراء، والموقف الحاسم الذي أعلنه الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله بكل وضوح ومن دون أي خوف أو قلق حيال ما يريد فعله.

ـ سرعة الحسم والسيطرة على بيروت.

ـ انهيار قوى الموالاة، بما يشبه الاستسلام، في الوقت الذي كانت فيه الدول الكبرى المواكبة لمجريات الامور تراهن على أمرين «كانا محسومين وفق حساباتها»: أن تطول المعارك والمواجهات لتمتدّ أياماً، وربما لأسابيع. وان يرتفع عدد الضحايا والاصابات، وترتفع معها الأصوات المطالبة بالتدخل الدولي في العالمين العربي والإسلامي، وعندها ستجد الدول الكبرى بأن الظرف بات مهيئاً لاتخاذ قرار جريء بشأن الوضع في لبنان يكون مكمّلا للقرار ,1701 بحيث يعدّل قواعد فك الاشتباك لقوات (اليونيفيل) ويرسم لها هامشاً أوسع من الحركة والتحرّك، ويضع سلاح المقاومة و«حزب الله» أمام خيارات ضيقة ومحددة، لم يتم الإفصاح عنها!

وتضيف المصادر، إن الحسابات الميدانيّة التي خالفت كل التوقعات قد أربكت عواصم دول القرار، خصوصاً السرعة في الحسم، ومحدودية الخسائر، فضلاً عن التحرّك العربي السريع الذي دفع بالمندفعين نحو عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن إلى التريث لمعرفة ما سيسفر عنه هذا التحرّك من نتائج.

وكانت الحسابات التي استندت إليها حركة السفراء تشير الى «سيناريوهات» ثلاثة: كلّ منها قابل للتطبيق فور ما تتوافر له الظروف المؤاتية:

الاول: ان تندفع المواجهات بشراسة، فيجمتع مجلس الامن ويكلّف قوات (اليونيفيل) بالتدخل فوراً تحت الفصل السابع، واستخدام كافة أنواع الاسلحة في البحر والبر والجو، لحسم الموقف لمصالح الحكومة ومن يدعمها.

الثاني: أن يشتدّ وزر القتال في الداخل وعلى جبهات عدّة، فيما يحصل تطوّر مخابراتي على «الخط الأزرق»، او في مكان ما، يدفع بإسرائيل لأن تغيّر قواعد اللعبة في الجنوب بالتعاون اللوجستي مع قوات (اليونيفيل) التي باتت تملك معلومات مخابراتية واسعة حول مواقع المقاومة ومخازن أسلحتها في الجنوب والبقاع والضاحية، كلّ ذلك بهدف إسقاط ذريعة المقاومة عند «حزب الله» وإضعاف مواقعها.

والثالث: أن يُصار إلى نوع من التعاون العربي ـ الدولي لإعادة السيطرة على الوضع وفق توجّه الحكومة والموالاة، ولذلك فإن الحديث عن الاستعانة بقوات عربيّة، وربما إسلاميّة، لم ينبت من فراغ، بل كان هناك ما يحضّر للبناء عليه في هذا المضمار.

ولا تنكر المصادر بأن اللغز لا يزال قائماً حول الجهة او الجهات، او حول الظروف والمعطيات التي دفعت بالنائب وليد جنبلاط، لأن يغادر كليمنصو الى المختارة، ويطلق من هناك هجومه على جهاز أمن المطار، وشبكة الاتصالات التابعة للحزب. ولا يزال هذا اللغز قائماً أيضاً من خلال عزم الحكومة وإصرار مجلس الوزراء وبعد جلسة ماراتونيّة على اتخاذ ما اتخذ من قرارات فجّرت الوضع الأمني في العاصمة والشمال والجبل والبقاع!

إلاّ ان هذه الأسئلة او بعضها على الأقل ـ كما تفيد المصادر ـ قد شظّى علاقات الصداقة القائمة بين الرئيس فؤاد السنيورة والادارة الاميركيّة، إذ ليس بالقليل أن يبادر رئيس حكومة دولة صغيرة جغرافيّا، ومتواضعة بإمكاناتها الاقتصادية، وتعاني ما تعاني منه نتيجة الضغوط والتدخلات الخارجية، ان يقول لأقوى رئيس دولة في العالم «إن لا وقت لدي للاجتماع بك!». وليس صحيحاً أن انشغال السنيورة بأعمال مؤتمر الحوار الوطني هو الذي حال دون لقائه الرئيس بوش في شرم الشيخ، إذ كان بوسعه أن يستقلّ طائرته الخاصة ويغادر لساعات معدودة كي يتممّ هذا اللقاء، لكن وراء الأكمة ما وراءها من حسابات جاريّة زادتها التطورات الاخيرة حدّة وتباعداً.

ولم يكتف الرئيس السنيورة بهذه الحجة ليبرر عدم الرغبة في الاجتماع، بل تذكّر «خفّة» هذا الدعم الاميركي الكلامي ـ الدعائي لحكومته، وكيف كان خلّباً من أي مردود عملي إيجابي، بل على العكس لقد عمّق الشرخ بين الموالاة والمعارضة، وأجج صراع المحاور على الساحة اللبنانية لتتحوّل مع الأسف الشديد الى ساحة لتسديد حسابات الآخرين على حساب لبنان!

ولم يكتف السنيورة بهذا اللوم بل انتقل الى الهجوم متهماً بوش بعدم الوفاء بالتزاماته، متسائلاً: أين ترجم هذا الدعم للبنان ولحكومته المنتخبة ديموقراطيّاً، وهو الذي كان بمقدوره أن يضغط لتحرير مزارع شبعا من الاحتلال الاسرائيلي وتقديمها عربون دعم عملي للحكومة اللبنانية التي يحرص على دعمها بالكلام المعسول المنمّق بمناسبة او غير مناسبة؟

وتنتهي المصادر الى التساؤل: هل من خيط رفيع يربط ما بين قراري الحكومة والعودة عنهما من جهة وامتناع السنيورة عن لقاء بوش من جهة اخرى؟ وهل إذا ما فشل المسعى العربي في الدوحة، سيدفع بستيفن هادلي ومن معه، ومن وراءه، لإشعال فتيل التفجير من جديد، والرمي بلبنان على مشرحة مجلس الامن الدولي!
السفير


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى