اقتصاد الخوف
حسام عيتاني
رفض الرئيس باراك أوباما لدى وصوله إلى لندن عشية قمة مجموعة العشرين، جَعْل الخوف مصدر المعالجات للأزمة الاقتصادية العالمية. الخوف في الاقتصاد يشجع على تقليص الإنفاق، على المستويين الفردي والعام، وعلى لجوء الحكومات إلى سياسات حمائية، اعتبر أوباما أن العالم لا يستطيع أن يتحمل أوزارها مرة ثانية بعد التجربة الكارثية التي أسفرت عنها تلك السياسات في أعقاب الركود الكبير في عام 1929.
يُذكر كلام الرئيس الأميركي بعنوان كتاب لبنيامين باربر شرح فيه أسلوب بناء الإدارة السابقة استراتيجية متكاملة تقوم على نشر الخوف في الولايات المتحدة من كل ما له صلة بالعالم الخارجي، في محاولة لجني المحافظين الأميركيين الأرباح المختلفة من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
حمل الكتاب الذي صدر في ذروة ‘الحرب على الإرهاب’ قبل أربعة أعوام، عنوانا مثيرا للاهتمام: ‘إمبراطورية الخوف’ وهو وإن لم يلق انتشار وشهرة كتابه السابق ‘الجهاد ضد عالم الماك’ الصادر في أواسط التسعينيات، إلا أنه تضمن العديد من المسائل من نوع استخدام الخوف من الإسلام والخارج والآخر الذي يتعرض إلى الأبلسة المنظمة، عموما، لجني الأرباح المادية والسياسية على كل الصعد.
يبدو أن العالم يدفع، في أزمته، ثمنا باهظا لسياسات طائشة فاقم من تأثيرها إهمال الرقابة ودور الدولة في الإشراف على الأسواق، وتحولت هلعا عميما. التقرير الأخير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنيمة التي تضم الدول الأنشط اقتصاديا أشار إلى أن التجارة العالمية ‘في حالة سقوط حر’. منطقة اليورو الاقتصادية تتوقع ارتفاع مستوى البطالة ليزيد عن المستوى القياسي الذي بلغ 8.5 في المئة قبل أن ينتعش الاقتصاد العالمي في الربع الثاني من العام 2010 ‘إذا تم تبني السياسات الملائمة’، بحسب تقديرات منظمة التعاون.
السياسات الملائمة هذه، تتطلب إجماعا بين القوى المؤثرة اقتصاديا، وفيما رأت ألمانيا وفرنسا اللتان يتولى الحكم فيهما حزبان يمينيان مقربان من أوساط مؤسسات الأعمال الكبرى، أن إدارة أوباما قد بالغت في النزعة ‘الاشتراكية’ وفيما تطالب الصين وروسيا بإعادة النظر في الدولار كعملة عالمية، والسعي إلى اعتماد عملة جديدة، يبدو أن كل تأخر في تبني حلول قابلة للتنفيذ على المستوى العالمي يمهد الطريق أمام اندلاع التوترات الاجتماعية كتلك التي شهدتها فرنسا احتجاجا على سياسات الرئيس نيكولا ساركوزي، قبل أيام من قمة مجموعة العشرين والتي انتقلت إلى شوارع لندن عشية افتتاح القمة.
وإذا كانت البطالة مؤشرا متأخرا، بمعنى أنه أبطأ من باقي المؤشرات الاقتصادية حيث تظل آثار البطالة ماثلة بعد تحسن الوضع في الجداول والبيانات الأخرى، فإن في ذلك تنبيهاً إلى أن المشكلات الاجتماعية التي تتوالى بتأثير الأزمة الراهنة، لن تختفي فور عودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي. فإقفال المؤسسات الصناعية أو تقليص إنتاجها إلى الحدود الدنيا وفصل الملايين من العمال في العالم الصناعي وانحسار حركة المصارف إلى مستويات تهدد التسليفات الزراعية وحتى الفردية، علامات على أن الخوف من المستقبل المجهول، قد ينقلب إلى حالة الانهيار الشامل على المستوى العالمي، يطول الدول الفقيرة قبل الغنية القادرة على تدوير زوايا الأزمة من خلال صناديق البطالة والتعويضات التي توفرها الحكومات، وهو ترف لا تملكه دول العالم الثالث الفقيرة التي انخرطت في مسار العولمة على أمل الخروج من بؤسها المزمن، لتأتي النتائج مخيبة للآمال، وهذا على أقل تقدير.
بعض الخطوات التي وسمت ‘بالاشتراكية’ أو وصفت بالتأميم، كمساهمة الإدارة الأميركية في رأس مال المصارف المتعثرة، (وهو ما يعتبره الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغلتز، على سبيل المثال، خطأ فاحشا حيث قامت الإدارة ‘بتأميم الخسائر وتخصيص الأرباح’ أي بجعل دافعي الضرائب يتحملون سوء إدارة الشركات المنهارة وترك المساهمين يجنون أي أرباح قد تظهر في مرحلة الانتعاش، ليست كافية بحال. في حين أن الدعوات إلى الخروج الكلي من النظام الرأسمالي العالمي، غير واقعية في ظل موازين القوى الاجتماعية والسياسية في الدول الرأسمالية الكبرى.
تعديل النظام الرأسمالي وترشيده، يبدو كخيار وحيد مؤهل للخروج إلى حيز الإجماع العالمي، بحسب ما تظهره قمة لندن وغيرها من اللقاءات الدولية، شرط إيجاد آليات للسيطرة على نشر الخوف المتعمد وعلى التصدي لثقافة الجشع المفضية، كما دلت التجارب، إلى الكوارث.
* كاتب لبناني