الأزمة المالية العالمية

قمة العشرين: التاريخ لا الاقتصاد

سعد محيو
لا أحد سيصدق أن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين سيكون البلسم الشافي من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة.
ولا أحد على وشك أن يصدّق أن التريليون دولار الذي سيضخ إلى جيوب صندوق النقد الدولي، جنباً إلى جنب مع تعهدات قادة المجموعة برفض الحمائية والتمسك بالعمل الجماعي والتجارة الحرة، سيكون أكثر من مجرد حبة أسبيرين مسكنة تسبق عملية جراحية ضرورية.
صحيح أن الأزمة عالمية، وبالتالي حلولها، عالمية. لكن الصحيح أيضاً أن هذا الحل يجب ان يبدأ انطلاقاً من كل دولة على حدة، خاصة من الولايات المتحدة التي كانت باعتراف الجميع، بمن فيهم الرئيس باراك أوباما نفسه، هي العامل الاول المسبب لهذه الأزمة.
كيف يجب أن يتم ذلك؟
ديفيد أكسيلرود، كبير مستشاري أوباما، يتحدث عن “توازن جديد”، و”أساس جديد” للنمو الاقتصادي الأمريكي، بوصفهما بوليصة تأمين البحبوحة المستقبلية للولايات المتحدة. ويوضح أن تركيز الرئيس الأمريكي في الفترة المقبلة سيتمحور ليس حول الفقاعة والركود، ولا حول سوق العقارات المحموم أو الحدود القصوى للبطاقات الائتمانية، بل حول تحويل الولايات المتحدة إلى زعيمة تكنولوجيا الطاقة التي تمتلك، مجدداً، أفضل قوة عمل متعلمة في العالم، وأحسن عناية طبية ممكنة.
هل هذه الرؤى ممكنة التحقق؟
لا أحد يجادل بأن الأمريكيين ثوريون في انقلاباتهم التاريخية والحداثية والاقتصادية، على عكس العديد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية التقليدية أو المحافظة. لكن، ينبغي الانتظار لمعرفة ما إذا كان القباطنة الحقيقيون للاقتصاد الأمريكي كما تطور خلال العقود الثلاثة الماضية (أي المصارف والمؤسسات المالية الكبرى) سيسمحون لأوباما بإطلاق هذه الثورة الانتاجية- الاجتماعية في أمريكا، ناهيك عن إنجاحها. ليس هذا وحسب، بل يجب انتظار شيء آخر أيضاً: أن تمنح الأزمة الاقتصادية نفسها أوباما متسعاً كافياً من الوقت كي ينفّذ مشروعه الطموح هذا.
فبان كي- مون، الأمين العام للأمم المتحدة، حذّر قبل أيام من ان الانهيار العالمي بات قاب قوسين أو أدنى. والمفكر الاستراتيجي الفرنسي دومينيك موازي شبّه أوضاع أمريكا هذه الأيام بأوضاع فرنسا في العام ،1788 أي عشية الثورة الفرنسية، حيث جشع النبلاء والاقطاعيين بالأمس لا يقارعه اليوم سوى جشع وطمع رجال المصارف الكبرى. هذا في حين كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يحذران من ان الشهور الثلاثة المقبلة ستشهد رمي أكثر من 20 مليون نسمة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وحدهما إلى أشداق البطالة.
هذه المعطيات تشيء بأمر واحد: أوباما لن يمتلك ترف تحقيق طموحاته التغييرية، كما توافر لروزفلت في “صفقته الجديدة” في الثلاثينات او لليندون جونسون في “مجتمعه العظيم” في الستينات. كل ما يمكن أن يحققه الرئيس الجديد (هذا إذا ما استطاع تحقيقه) هو حصر الخسائر، وترميم ما يمكن ترميمه من البيت الاقتصادي الأمريكي المتداعي والحؤول، بالتالي، دون انهياره.
هل يعني ذلك أن قمة مجموعة العشرين لم تكن مهمة وفق أي مقياس من المقاييس؟
كلا البتة. صحيح أن انجازاتها على الصعيد الاقتصادي المباشر ستكون محدودة وعرضة للأعاصير المحتومة المقبلة، إلا أنها كانت في الواقع حدثاً كبيراً على الصعيد التاريخي.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى