نزاع «غوغل» على الخليج العربي
عبد الرحمن الراشد
الهيجان في طهران ضد شركة غوغل لأنها سمت الخليج بـ«العربي» يعبر عن حالة مستمرة من الحساسية التاريخية الموروثة ضد العرب، رغم كل شعارات الأخوة الإسلامية التي ترفعها الجمهورية. غوغل شركة تجارية، وليست بدائرة حكومية أو هيئة دولية رسمية، حتى تلزم بمصطلحات بعينها، وهي في موقعها الجغرافي الخرائطي عندما كتبت الخليج العربي، لا اعتقد انها كانت تميل كفة العرب ضد الايرانيين، بل نقلته عن مسميات متداولة، مثل كثير من المسميات المختلف عليها. ففي الوقت الذي توجه المدمرات البحرية الاميركية مدافعها في مياه الخليج نحو السواحل الايرانية، استمرت المطبوعات الحكومية الامريكية الرسمية تعتمد «الفارسي» اسما للخليج، كما اصطلح عليه في كثير من الأدبيات القديمة.
ولا تمثل تسمية الخليج بـ«الفارسي» أو «العربي» قيمة حقيقية تستحق التنازع، الا انها تكشف طبيعة التفكير الإيراني المتناقض بين الخطاب الرسمي الذي يرتكز بشكل اساسي على الدعاية السياسية للقضايا العربية ضد الغرب، ويغضب اشد الغضب من شركة تسمي الخليج عربيا. وهو يكرر التناقض الإيراني القديم نفسه بين احتقار العرب في أدبياتهم من جانب، وتقديس رموزهم مثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، من جانب آخر.
وهذا الغضب المتكرر من الجهات الرسمية الإيرانية ضد من يسمي الخليج بـ«الفارسي»، كما عبر عنه الرئيس أحمدي نجاد ذات مرة، في رده على أمير قطر لأنه سماه الخليج العربي، يبعث القلق عند عرب الخليج. هم واثقون بأن الأطماع الايرانية في اراضيهم، حقيقية لا مجرد تفسيرات لمصطلحات جغرافية أو حالة مزاجية ضد حكومات خليجية فقط. والا لا اتصور انه يهم كثيرا الاسم الذي يحمله الخليج لأن أيا منها صحيح، فهو خليج فارسي وعربي، واكثر صحة من تسمية البحر الأحمر بالأحمر أو الأبيض بالأبيض، لا مثل البحر الميت الذي لا توجد فيه حياة بحرية بسبب ملوحته.
الذي يقلق ليس اسم الخليج بقدر المفاعلات النووية في بوشهر الأقرب الى الكويت منها الى طهران. وهذا يبرر كثيرا مخاوف العرب في البحيرة الخليجية من نوايا ايران من وراء سلاحها النووي، ويقلقون كثيرا تصريحات مثل اقوال الزعيم الايراني آية الله جنتي وتفاخره بأن قوة ايران النووية، هي للدفاع عن كل الدول الاسلامية لا ايران فقط. ففيها تأكيد على ان سياسة بلاده العسكرية لم تصمم لأغراض دفاعية ايرانية بحته، انما للاستخدام الخارجي، فكلمة الدفاع لها معنى مطاطي لأن معظم الدول الاسلامية تختلف مع بعضها. وسواء اعتمدت «غوغل» الخليج عربيا أو فارسيا، سيبقى أهل الخليج ضحية العقلية المتخلفة المسكونة بالخلافات التاريخية والجشعة، التي لا ترى الثروات في داخل بلادها فتطورها، وتسعد شعبها بل تريد التعدي على الجيران، المسكونة بشهوة التملك. ففارس في تاريخها واهلها بلد عظيم لا احد ينازع في الاعتراف بذلك، وايران دولة تستحق الاحترام، ولن يكون اسم خليج، عقبة في تأكيد ذلك، لكن يبقى للقلق مبرره من العقلية المتطرفة التي تحكم ايران اليوم، والتي اقصت مواطنيها وحاصرت شركاءها الاسلاميين في الحكم، وتتحدث بسعادة عن تطوير أسلحتها لا تطوير قدرات بلادها التنموية.
الشرق الاوسط