نجود ناصر التي تزوّجت وطلّقت وهي طفلة
نجم والي
على مدى شهرين كان على نجود ناصر تحمّل كل شيء، كل ما يمكن أن يخطر على البال من أذى. كان عليها أن تتحمل سيل الشتائم والضربات، الجنس الإجباري والحبس الطويل. ربما ظن جلاداها أن البنت الصغيرة التي دخلت للتو في عمر الثامنة ستسكت على مضض، ستبلع همّها وتجلس قاعدة في البيت، مثلما فعلت العشرات من البنات القاصرات قبلها. لكنها، ولمفاجأة الجميع، تمردت، لتسجل سابقة تاريخية من العيار الثقيل.
نجود ناصر، البنت اليمنية الصغيرة، نهضت ذات صباح، وقبل أن تطرد عن عينيها بقايا نعاس، قالت لنفسها، “لم أعد أتحمل“.
حدث ذلك قبل أسابيع قليلة، عندما قررت البنت الصغيرة مغادرة البيت فوراً، ليس للهرب بجلدها من جور زوجها الذي يكبرها باثنين وعشرين عاماً وحسب، بل للبحث عن قاضي أو محكمة شرعية في العاصمة صنعاء، لكي تقدم شكواها، لكي تطلب “الطلاق”. نجود لم تكتف ذلك، بل أعلنت وبجرأة ستحسدها عليها نساء أكبر منها سناً، أنها تريد من المحكمة أن تُنزل العقاب بأبيها “الظالم” الذي زوجها ضد رغبتها وهي طفلة صغيرة. ربما بدا سلوكها غريباً للكثيرين، لكنها كانت تعرف، أن عليها أن تكافح. بالفعل، في الأسبوع الماضي، حصلت نجود على ما تريد، وافقت المحكمة على طلبها بالطلاق. بهذا الشكل ودون أن تدري لم تسجل نجود سابقة تاريخية وحسب، بل أنها أطلقت الشرارة الأولى لبداية نقاش قوي يدور حول زواج القاصرات ليس في بلادها اليمن فقط بل في بلدان العالم الإسلامي الأخرى.
صحيح أن ما حدث يمكن رده الى عادات اجتماعية بالية ما تزال تجد من يتبناها في مجتمعات، مثل تلك التي تعيش في جنوب غرب الجزيرة العربية، لكن الظاهرة تلك، ظاهرة اتفاق العوائل على زواج بناتها وهنّ صغيرات، يمكن العثور عليها في العديد من المجتمعات التي تعتقد أنها قطعت شوطاً في التطور. فحسب الإحصائيات التي تقدمها منظمة “جندر ديفولبمينت ريسيرج”، صحيح أن معدل عمر البنات اللواتي يجري تزويجهن بطريقة قسرية ارتفعت نسبة الإعمار بينهن، بعد ثلاثة أجيال، الى أكثر من أربع سنوات، (وصل الى 14.7 %)، لكن معدل الأعمار لهذه البنات ظل محافظاً على حاله في المناطق الريفية، أو في المناطق الجبلية المعزولة، ونجود ناصر هي مثال نموذجي تقدمه المنظمة الإنسانية العالمية المذكورة.
وحسب القصة التي تناقلتها الصحافة العالمية ووكالات الأنباء ظهرت البنت الصغيرة في بداية شهر نيسان بلا حيلة. لكنها كانت، وبالرغم من عمرها الصغير، حازمة جداً في قرارها تقديم شكوى أمام محكمة صنعاء. ومن يرى صورتها التي وزعتها الوكالات، لا يصدق أصلاً أن فتاة في عمرها متزوجة، فكيف إذا سمع، أنها تريد الطلاق؟ كما صرح القاضي للصحافيين. ليس ذلك وحسب، بل “أنها طلبت من العدالة أن تنزل أشد العقوبات بأبيها”. وحسب ما جاء في إفادتها التي نشرتها الصحيفة اليمنية “يمن نيوز”، روت نجود كيف أن أباها ضربها وهددها قائلاً بأنها ستتعرض للاغتصاب إذا لم توافق على زواجها من الرجل الذي تقدم لها، “عندما رأيت فائز علي ثامر، زوجي المفروض بكيت” قالت نجود للصحيفة اليمنية “يمن نيوز“.
القانون في اليمن يسمح للرجال بالزواج من أربع نساء، والزواج هو شرعي طالما أن العروس تبلغ 15 عاماً. وفي حالة موافقة الأب من الممكن أن تتزوج الفتاة “رسمياً” قبل ذلك العمر. لكن حسب الأعراف الاجتماعية، لكي يتم الزواج على الزوج أن ينتظر في هذه الحالة الى حين تنتهي الفتاة من مرحلة المراهقة وتبلغ تلك السن. لكن القاعدة “الشفاهية” غير المكتوبة هذه كثيراً ما كُسرت في السنوات الأخيرة، كما صرحت نجاة سايام أستاذة علم النفس في جامعة صنعاء لوكالة الأنباء الألمانية. فما يهم الآباء في المقام الأول هي الثروة التي يملكها الرجل الذي يتقدم بطلب يد البنت، “من النادر العثور على أب تهمه راحة ابنته أو عمرها، إذا كانت جاهزة للزواج أم لا؟”، تقول نجاة سيام، ثم تضيف، “صحيح أن المبلغ الذي يدفعه العريس (المهر) يساعد على تأمين مستقبل العروس من الناحية المالية، إلا أن المهر هذا يذهب في العادة الى جيوب عائلة العروس غالباً”. أيضاً في حالة زواج نجود لعب المال دوراً مهماً. فأبوها الذي كان عمله الوحيد، التسوّل، سعى عن طريق تزويج ابنته من رجل يكبرها بإثنين وعشرين عاماً الى الحصول على بعض المال.
بالنسبة للبنت الصغيرة سبب الزواج المبكر الكثير من المشاكل. وهذا ما روته نجود ناصر بنفسها الى الصحيفة. في حديثها كان دائماً الحديث عن “أشياء كريهة”، أجبرها زوجها على ممارستها: “كلما ذهبت لكي ألعب في الحديقة مع بنات جيراننا، يأتي ليضربني، يقول لي، أن عليّ أن أذهب معه الى غرفة النوم، وإذا رفضت، كان يسحلني وينام معي بالقوة“.
البنات القاصرات، حتى اللواتي يكبرنها سناً، يتعرضن الى المشاكل نفسها، وغالباً ما يلدن الطفل الأول وهنّ أنفسهن ما زلن في سن الطفولة. “جسد البنات هؤلاء لا يزال غير ناضج للحمل أصلاً”، كما تقول أستاذة علم النفس بغضب الى مراسل وكالة الأنباء الألمانية. ليس من الناحية الجسدية وحسب، أيضاً من الناحية العقلية، لم تصل الفتيات القاصرات بعد الى مرحلة النضوج التي تؤهلهن لأن يكن زوجات، “إنهن لا يزلن في سن الطفولة، لا يزلن بحاجة للعناية، لا يزلن بحاجة للعب مع الأطفال الآخرين“.
المفارقة هي أن والد نجود، وبالرغم مما حصل لابنته، لم يرتكب في الحقيقة ما يخالف القانون اليمني. “للأسف” تقول سيام، “كل شيء قام به الاثنان، الزوج والأب، هو أمر شرعي”، للأسف، “وبالذات في المناطق الريفية من اليمن والقرى يبرر الناس ذلك قائلين، إن الزيجات في الماضي كانت تتم في هذا السنّ. وتُذكر الدكتورة نجاة كيف أن “البرلمان اليمني رفض قبل فترة قريبة قانوناً يمنع الزواج من البنات القاصرات، يشترط بلوغهن سن الرشد، كما هي العادة في البلدان المتحضرة، 18 عاماً“.
زواج نجود ناصر وجد أخيراً نهايته على يد قاض عادل. في الأسبوع الماضي أمرت إحدى المحاكم في صنعاء بإبطال الزواج وتنفيذ طلاق الفتاة الصغيرة البالغة ثماني سنوات من زوجها البالغ الثلاثين من العمر. لكن على نجود أن تدفع تعويضاً الى عائلة الزوج! حسب تصريح محاميها الى وكالة الأنباء الألمانية، تبرع شخص أراد أن يظل مجهولاً بمبلغ 150 يورو الى عائلة الزوج.
بقي أن نقول أخيراً، لحسن حظ البنت الصغيرة، إنها تعيش في هذه الأيام في بيت عمها قبل أن يتم تسليمها في الأيام القريبة الى منظمة إنسانية محلية، لكي تنتهي قصتها نهاية سعيدة، لكن ما هو مصير مئات القاصرات مثلها اللواتي لا يسمع أحد أنين عذاباتهنّ!
المستقبل – الاحد 4 أيار 2008