الخلافات الأميركية- الإسرائيلية حول “إيران النووية”
باتريك سيل
بالأمس ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض، والشيء المؤكد هو أن برنامج إيران النووي سيكون هو الموضوع الأشد سخونة في محادثاته. فهذا الموضوع، تحديداً، يمكن أن يعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد لخطر الدخول في مواجهة مع الرئيس الأميركي.
فنتانياهو يريد من أميركا أن تجبر إيران على التخلي عن طموحاتها النووية تحت طائلة التهديد بفرض عقوبات صارمة عليها، يمكن أن تصل إلى حد شن هجوم عسكري، وهو ما يختلف مع موقف أوباما الذي يريد مد يده لإيران، ونزع فتيل مشكلتها النووية من خلال الدبلوماسية.
إلى ذلك يهدد نتانياهو علنا بأنه إذا لم تُقدم أميركا على التصرف تجاه إيران، فإن إسرائيل سوف تفعل ذلك، وهو ما يبدو واضحاً من خلال قوله في أحد شعاراته الدعائية البليغة التي يفضلها:”لن نسمح لمنكري المحرقة بتنفيذ محرقتهم الخاصة”.
ويُشار هنا إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي قد أجرى وسط دعاية مكثفة عدة تمارين لإظهار قدراته على توجيه ضربة جوية لمنشآت إيران النووية.
وفي الوقت الراهن يستمر نتانياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين، بالإضافة إلى “الصقور” الموالين لإسرائيل داخل الحكومة الأميركية وخارجها في إصدار تحذيرات خطيرة حول “التهديد الوجودي” الذي تواجهه إسرائيل جراء الطموحات الإيرانية، منها ذلك الذي أطلقه رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية”آموس يادلين”، وقال فيه:”إن إيران قريبة جداً من مرحلة الحصول على ترسانة نووية عسكرية”.
مع ذلك، فإن الإجماع السائد في أوساط غالبية الخبراء المستقلين، هو أن إيران لم تقرر بعد الشروع في برنامج عسكري نووي، وأنها، في جميع الأحوال، بحاجة إلى عدة أعوام إضافية قبل أن تتمكن من تصنيع قنبلة نووية.
ويذكر أن الولايات المتحدة قد حذرت إسرائيل مراراً وتكراراً من الإقدام على مغامرة عسكرية، وهو ما يبدو واضحاً من التصريح الذي أدلى به الأدميرال “مايك مالين” رئيس هيئة الأركان الأميركية، والذي قال فيه إن أي هجوم إسرائيلي على إيران سوف يشكل”مخاطر هائلة” على المصالح الأميركية، وهو رأي يعتقد أنه قد أوضحه بجلاء، وإن على نحو خاص، لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال”جابي أشكنازي”.
وهناك على أقل تقدير، ثلاثة مجالات للاختلاف بين الولايات المتحدة، وإسرائيل حول برنامج إيران النووي. الأول يتعلق بطبيعة التهديد الذي تمثله إيران. الثاني، ذلك المتعلق بالارتباط بين البرنامج الإيراني، والصراع العربي ـ الإسرائيلي. أما الثالث، فيتعلق بما إذا كانت الدول العربية تشعر بالقلق والخوف من ناحية إيران، أكثر مما تشعر به من ناحية إسرائيل.
أما الادعاء القائل بأن أنشطة تخصيب اليورانيوم تشكل تهديدا ًلوجود إسرائيل في الصميم، فهو ادعاء يمكن ببساطة القول إنه يتنافى مع أي منطق. يرجع ذلك لأن إسرائيل، وكما هو معروف جيداً، تمتلك ترسانة نووية فائقة التطور، تتكون من عدة مئات من الرؤوس الحربية، ووسائل إطلاقها، وكذلك القدرة على توجيه الضربة الثانية (التي تلي الضربة الأولى التي يمكن أن يوجهها العدو في أي حرب نووية محتملة)، وهو ما يعني أن أي دولة تجرؤ على مهاجمة إسرائيل بأسلحة دمار شامل، سوف تواجه خطر الإفناء الفوري سواء بواسطة إسرائيل، أو بواسطة الولايات المتحدة.
ومن الآراء التي لا تزال موضعا للمناقشة ذلك القائل بأن حرية إسرائيل في الحركة سوف تصبح أقل، إذا تحولت إيران إلى دولة نووية. يذهب من يؤمنون بهذا الرأي إلى أن هيمنة إسرائيل العسكرية على جيرانها، والتي تمتعت بها منذ إنشائها، سوف تتقلص ولن يمكنها مهاجمة أعدائها حسب رغبتها، لأنها سوف تكون مضطرة – نتيجة تحول إيران إلى دولة نووية – إلى تخفيف مواقفها بما يعكس توازن القوى الإقليمي، وهو شيء طالما رفضته بعناد.
وأوباما يريد من إسرائيل أن تتوصل إلى إتفاقية سلام مع الفلسطينيين، وسوريا، ولبنان، كي يحرم إيران من ذريعة الحاجة إلى الحصول على أسلحة نووية، أو الحاجة إلى زيادة مدى قدرتها على الوصول من خلال دعم “حزب الله” و”حماس”. أما نتانياهو فهو – على النقيض – يريد من أميركا أن تتعامل أولا مع التهديد النووي الإيراني، قبل أن تطلب من إسرائيل الانسحاب من المناطق العربية المحتلة، أو توافق على إنشاء الدولة الفلسطينية.
وقد حاول المتحدثون الرسميون الإسرائيليون إقناع الولايات المتحدة، والعديد من دول العالم أن إيران تمثل تهديدا كونياً، وإقناع الزعماء العرب بأن الخطر الذي تشكله إيران عليهم يفوق ذلك الذي تشكله هي. والأمر المثير للدهشة، أن “جيفري فيلتمان” مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط بالوكالة، قد تبنى هذا الخط الإسرائيلي من التفكير، عندما ألقى كلمة أمام “لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ” خلال جلسة تثبيته في منصبه، فقد نقل عنه قوله إن المخاوف بشأن إيران قد أصبحت تمثل “تطوراً رئيسياً في المنطقة”، وأنها قد حلت محل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي كان يمثل الهم المركزي للحكومات العربية.. وهو قول أقل ما يقال عنه إنه مفارق للصواب.
ليس هناك شك أن هناك نوعاً من التنافس “الجيوبوليتيكي” بين إيران والدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية، ونوعا من النفور المذهبي بين السُنة والشيعة، بالإضافة إلى ما ينتاب بعض الحكومات العربية من قلق بشأن أنشطة الحركات الراديكالية مثل “حزب الله” و”حماس”.
والحقيقة أن مستوى التوتر والتنافس في العلاقات العربية-العربية لا يزال عالياً، وهو ما يشكل صداعاً دائما لعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، الذي عانى طويلا من تلك الخلافات.
مع ذلك، وبالنسبة للأغلبية العظمى من العرب والمسلمين، يظل قمع إسرائيل القاسي للفلسطينيين، وعدوانها الوحشي على لبنان وغزة سبباً للغضب الشديد، والكراهية، والإحباط. كما يظل الصراع العربي – الإسرائيلي حتى الآن، هو المصدر الرئيس للمشاعر المناوئة للأميركيين لدى تلك الأغلبية.
والرئيس” أوباما” يعرف ذلك جيداً، ويريد أن يفعل شيئاً حياله. لذلك، فمن المتوجب عليه الآن أن يجعل نتانياهو يدرك أن ذلك تحديدا، وليس الأنشطة النووية الإيرانية، هو المشكلة الملحة التي تتطلب حلا عاجلا. أما إذا لم يتمكن- أو لم يرد- نتانياهو وائتلافه اليميني التزحزح عن موقفهم الحالي، فإن الناخبين الإسرائيليين، بما يمتلكونه من قدرة على التمييز، يجب أن يعملوا على استبدالهم.
الاتحاد