إنترنت جديدة ؟

سحر بعاصيري
خبراء الانترنت حسموا أمرهم: العالم يحتاج الى إنترنت جديدة.
ردات الفعل تختلف. الارجح ان الذين يستخدمون الانترنت ويقدّرونها سيستغربون الامر. ما القصد؟ هل ثبت قصور هذا الاختراع كي يعاد النظر فيه؟ هل الانترنت مسألة معقدة الى درجة تحتاج الى تبسيط؟ هل المقصود بديل من الانترنت التي نعرف أو مكمّل لها أم ماذا؟ والارجح ان الذين لم تصلهم الانترنت بعد أو كل فوائدها سيحزنون لانهم بالكاد بدأوا يعرفون كيف ستنقلب حياتهم معها وتتغير احوالهم، فما القصة؟
أياً تكن القصة، فإن أمراً واحداً لا يمكن التشكيك به: الانترنت جاءت لتبقى، مثل أي اختراع غيّر حياة الانسان ودفع البشرية خطوات الى الامام. وأي جديد يطرح على هذا المستوى، يكون ضمن تطوير الاختراع وتحسين فوائده. بل يبدو ان الحاجة الى تطوير الانترنت صارت ملحّة لان حياة الانسان  تزداد ارتباطاً بها بسرعة كبيرة الى درجة أن من يستخدمها صار كما يقال بالعامية “يأخذها بالأملية” ولأن من لا يستخدمها سيبقى ويا للأسف متأخراً، والأدق القول، خارج الزمن.
والزمن هو زمن الاتصال المتواصل. هذا ما فعلته الانترنت. انت تستخدم الانترنت إذاً انت موصول بالعالم. وهذا يعني الكثير الكثير مما يصعب تفنيده. انت موصول باشخاص. بالبريد الالكتروني تصل الى من تريد في لحظات. قارن الامر بالرسائل البريدية من قبل. وموصول باشخاص عبر “تشات” تتحدث مع من تريد في اللحظة التي تريد وفي أي دولة أو منطقة.
وموصول بملايين الملايين من المواقع، وكل ما تحتاج اليه هو ان تضع العنوان الذي تختار. تجري البحث الذي تريد عن  أي موضوع. تتابع الاخبار وتتابع أحداثاً في العالم في الوقت الحقيقي ايضا ولو كانت على مسافة ساعات. تدخل جامعات أو مدارس. تزور مكتبات وتبحث عن كتب محددة وأحيانا تقرأ الكتب أو بعض اقسامها. قادر في لحظات على ان تدخل الموقع الذي تريد. شركات، محلات تجارية، ألبسة، أحذية، أغراض منزلية، مفروشات، أدوات مطبخ، معدات كهربائية، طعام، العاب، وكل ما قد تفكر فيه. تبحث عما تريد، تشتري ما تريد، بضائع، كتباً، بطاقات سفر، بطاقات سينما أو مسرح أو غيرها. وقادر على أن تسافر. المسافات والحدود تسقط في الانترنت. تتنقّل بين الدول كما تريد، تدخل الفندق الذي يعجبك، تحجز الغرفة التي تناسبك أو تكتفي بالزيارة الافتراضية.
وموصول عبر برامج معينة ومحركات بحث أيضا بخرائط وحتى بحركة طيران. ترى المنطقة التي تريد والعنوان المحدد بل حركة السير في محيطه. تنتظر شخصاً من بلد آخر، يمكنك ان تراقب الطائرة وسرعة تحليقها والتفاصيل المتعلقة بوصولها.
تستخدم الانترنت، إذاً انت في عالم مختلف تماما عما كان عالمك قبلها.  تصل الى العالم ويصل العالم اليك لحظة بل انت دائما متصل. انت “أونلاين”.
هذه مجرد لقطات من تغييرات احدثتها الانترنت في حياة الانسان. فهي باختصار اوجدت عالماً افتراضياً متكاملاً، لكن كل نتائجه واقعية. وضعت العالم بين يدي الانسان عمليا وفتحت أمامه منجماً من المعلومات والاحتمالات وتركت له القدرة على الاستفادة منها او اساءة استخدامها. ولا شك في انها جعلت حياته أسهل ووفرت عليه مسافات زمينة يضيعها في امور روتينية وغيرّت مفهومه للوقت والعمل والاتصال والمعلومات والجغرافيا والتبضع والتجارة والسفر والتعارف والتراسل والبحث والتعليم والطب.  والاهم انها جعلت الانسان اكثر اطلاعا ومعرفة وتمكّنا وتالياً أكثر تطلباً وبذلك جعلت التوقعات والتحديات أكبر.
طبعا هناك فوارق حتى بين مستخدمي الانترنت إن من حيث اتساع استخدامها أم من حيث الاتصال بها بين العالم المتقدم والعالم النامي. دول موصولة بلا انقطاع من خلال برودباند وأخرى تجرجر باتصالها من خلال هواتف أرضية. وهناك فوارق بين من يستخدم الانترنت اساساً كبريد الكتروني او وسيلة بحث أولية عن معلومات ومن يستخدمها في معظم تفاصيله اليومية من القراءة مرورا بالتبضع والمعاملات المصرفية وصولاً الى تحديد المواعيد مع الاطباء وغيرهم وشراء بطاقات للسفر وللسينما وحجز طاولة في مطعم. وطبعاً هذا لا يأتي من دون مشاكل. بل ان المشاكل كثيرة من اساءة استخدام المعلومات الى سرقتها  ومن مواقع الاحتيال والايقاع باشخاص الى مواقع الدعارة والتجارة الجنسية، ومن الاستخدام المعقول للانترنت الى ادمان على استخدامها، وهكذا مما يستدعي استمرار الحذر والوعي والتوعية ويستدعي شرطة افتراضية وامناً افتراضياً وغيره.
في أي حال، هذا ليس تطوراً عرضياً. الانترنت التي ولدت في الولايات المتحدة الاميركية  قبل 40 عاما في أحد مختبرات جامعة كاليفورنيا في لوس انجلس صارت اليوم جزءاً من الحياة اليومية لنحو ربع سكان الارض والنسبة  الى ارتفاع سريع. فالاحصاءات أظهرت اواخر آذار أن 23,8%  أي  نحو مليار و600 مليون شخص من أصل السكان البالغ عددهم نحو ستة مليارات و700 مليون يستخدمون الانترنت في مقابل نحو 361 مليوناً في 31 كانون الاول 2000 وهذا يعني ان النمو في الاستخدام بلغ في هذه الفترة 342,2%. أما تفاصيل الانتشار والاستخدام في مختلف مناطق العالم، فتعطي فكرة أوسع عن الهوة بين العالمين المتقدم والنامي وخطر التأخر خصوصاً في افريقيا. فالولايات المتحدة تأتي في المرتبة الاولى من حيث استخدام الانترنت بنسبة نحو 74,4% من عدد السكان وتليها اوقيانيا/ اوستراليا بنسبة 60%، ثم أوروبا بنسبة 48,9%، ثم أميركا اللاتينية/الكاريبي بنسبة 29,9%، ثم الشرق الاوسط بنسبة 23,3%، ثم آسيا بنسبة 17,4% واخيراً افريقيا بنسبة 5,6%.
لكن الانترنت ليست ما غيّرت في حياة الناس فقط. هي شبكة ضخمة تواصل النمو ولها مشاكلها وثغراتها ولها نقاط قوة ونقاط ضعف تفرض على المعنيين بها اعادة نظر.
حجم الانترنت مثلاً لا يقاس فقط بعدد مستخدميها. فلننظر اليها من المقلب الثاني، من محتوياتها. في تموز 2008 مثلا تعرّف متصفحو الانترنت على موقع “كيويل. كوم” الذي قال مصمموه إنه سيكون أكبر محرّك بحث اذ سيعمل في اطار 120 مليار صفحة تمكنوا من فهرستها. وكانت المفاجأة. قبيل انطلاق هذا المحرك، اعلنت شركة “غوغل” ان انظمتها سجّلت تريليون صفحة مستقلة وان هذا الرقم  قد لا يشمل كل ما هو موجود على الانترنت. والواقع ان هناك تقديرات لإمكان وجود مئات الاضعاف من المعلومات الاضافية المخزّنة على الانترنت غير ما تمكن “غوغل” أو “كيويل” من فهرسته.
الثابت الوحيد في هذا المجال حتى الآن هو ان محتويات الانترنت تواصل نموها بسرعة فائقة. والتقديرات مثلا انه في الدقيقة التي احتجت اليها لتصل الى هذه الفقرة من المقال، قفز مجموع الصفحات على الانترنت ما لا يقل عن 700 الف صفحة. احسبوها.
وذكاء الانترنت لا يعني فقط ذكاء برامجها ومحركات البحث بل زيادة وعيها. وهذا لا يقصد به علماء الانترنت وعياً مشابهاً لوعي البشر وإن تكن الانترنت تتصرف الى حد ما مثل الدماغ البشري، بل دفعها الى أن تصير أفضل في ما تفعل، اي ان تحدد هي ثغراتها المعرفية وتراقبها وتفعل شيئا في شأنها.
كل هذا لا يعني أيضاً انها بلا مشاكل. بل هناك مشاكل على مستويات عدة يرى الخبراء انها قد تهدد، بدرجات متفاوتة، الانترنت التي نعرف.
هناك اولاً مشكلة السيطرة على الانترنت، فهل هذا حاصل أو ممكن؟ الجواب الرسمي، في رأي الخبراء، هو لا، لكنه نصف الحقيقة. صحيح ان ما يسيّر الانترنت هو مجموعة بروتوكولات تصل الكومبيوترات بعضها بالبعض وان معظم المحوّلات والمزودات والمخزّنات والكابلات في ايدي شركات خاصة، لكن النفوذ الاكبر يبقى للولايات المتحدة لان الشركة التي توزع العناوين والاسماء  Internet Corporation for Assigned Names and Numbers موجودة في كاليفورنيا ومسؤولة أمام وزارة التجارة الاميركية. هذه الشركة تقرر مثلا اذا كان العنوان دوت كوم أو دوت أورغ أو دوت نت، وتقرر لمن تعطي احرف الدولة في نهاية العنوان. وهذا نفوذ كبير. فمثلا اذا قررت الصين اليوم تغيير حرف أو جزء من العنوان الخاص بها لا بد ان تراجع وزارة التجارة الاميركية التي عليها ان تبت الامر.
هذا وضع لا يريح الكثير من الدول، اضافة الى مشكلة اخرى هي اللغة. فحتى الآن لا تزال الانكليزية هي لغة الانترنت، ويقول الخبراء إن اللغة المشتركة هي أحد أكبر مفاتيح النجاح وان هذا قد يضعف. ففي 2007 مثلاً تمكنت روسيا والصين  من الحصول على موافقة الشركة في استخدام حروف غير لاتينية في عناوين معينة. ومع ان هذه الخطوة تساعد الملايين في الدولتين ممن لا ينطقون الانكليزية على استخدام الانترنت، فإن الخبراء يرون انها تدفع في اتجاه تفتيتها. ذلك ان النتيجة ستكون مواقع لا يمكن دخولها أو رؤيتها إلا في دول محددة وتالياً تعطي سلطات هذه الدول هامشا للتحكم بالمواد الموجودة على الانترنت.
ثم هناك مشكلة ما يسميه الخبراء الزوايا المظلمة والثقوب السود في الانترنت. كل مستخدم يعرف ان الأفضل له الابتعاد عن زيارة بعض المواقع المشبوهة أو الرديئة التي قد تصيب كومبيوتره بفيروس أو دودة، ومع هذا يقع في الفخ احيانا ولا يمكنه تفاديه. ولكن أحياناً يختفي البريد الالكتروني فجأة أو تضيع لائحة العناوين المفضلة أو يظل محرك البحث يدور على نفسه غير قادر على تجميع المعلومات. اذا حصل هذا فالمستخدم سقط على الارجح في ثقب معلوماتي أسود. والسبب في الغالب مشاكل في تصميم بعض ممرات نقل المعلومات او محولات سيرها.  هذه ليست مشاكل بسيطة. ففي عام 2007  بدأ فريق من جامعة واشنطن في سياتل بحثا في الثقوب السود وتمكن مذذاك من تحديد 1,5 مليون ثقب، وقال إن أكثر هذه الثقوب يظهر مدة ساعتين أو أكثر وانه يصعب تحديد موعد ظهورها لذا على المتصفح ان يحاول تفاديها باستمرار. ومع ان امكنتها غير واضحة كلياً، فإن هذا الفريق أوصى مثلاً بالحذر مما يسمى قنوات الدردشة “تشات تشانيلز” التي يستغلها لصوص رقميون إما للايقاع بالمستخدمين وسرقتهم مالياً عملياً، وإما لارسال مواد رديئة على الانترنت وفيروسات. واشار الى جيوب في الفضاء الافتراضي هي عبارة عن عناوين ليست موصولة كليا بالشبكة لذا تتحول الى ممرات مظلمة تقطع السير.
ولكن هل هذه المشاكل كبيرة الى درجة تتطلب شبكة انترنت جديدة؟
ما يقلق المهندسين والخبراء ليس هذا النوع من المشاكل بقدر ما هو الاعتداءات الرقمية. هاجسهم هو الامن.
يقولون إن المصممين الاوائل للانترنت اخترعوا  شبكة بحث خاصة بالجامعات والجيش ولم يتوقعوا انها ستضطر يوماً الى تحمّل كل الاتصالات وجزء اساسي من التجارة العالمية. كانت قضيتهم وصل الشبكات بعضها بالبعض لتبادل المعلومات ولم يركزّوا على الامن إلا قليلاً. ومذذاك فإن كل جهودهم الامنية لا تثمر كثيرا.
ومع ان صناعة أمن الكومبيوترات تزدهر الى درجة انه يتوقع ان تبلغ ارباحها السنة المقبلة 79 مليار دولار، فان أمن الكومبيوترات لا يزال يتراجع عالمياً. ربما هذا هو سبب ازدهارها. ويعطون مثلا على ذلك ثبوت كون الشبكات العسكرية التي تخضع لحراسة شديدة مكشوفة امنياً. ففي تشرين الثاني 2008 اكتشفت القيادة العسكرية الاميركية للحربين في العراق وافغانستان ان برنامجا اخترق شبكة كومبيوتراتها وكان سيسمح بعملية تجسس مدمرة لها لو لم تستأصله سريعاً.
صحيح، يقولون، أن احداً لا يستطيع إقفال الانترنت. هذا غير وارد ويصعب ايجاد سبب امني له. فحتى الآن لم ينجح اي اعتداء رقمي في احداث اضرار بالغة، بل اياً تكن هذه الاضرار تبقى قيمتها أقل بكثير من إقفال الانترنت. ويعطون مثلاً على هجوم كبير جداً حصل في شباط 2007 واستهدف السيطرة على 13 مزوّداً فيها كل عناوين الانترنت في العالم وهذه معلومات ضرورية لتشغيل سلس للانترنت، لكن الارجح ان أحداً لم يلاحظ الاعتداء وأضراره” فقد  تأثر مزودان فقط في اميركا فيما لم تصب المزودات الاخرى بأي أذى”. ونتيجة لذلك بدأت الشركة التي توزع العناوين والاسماء في كاليفورنيا تطبيق نظام حماية جديد يعرف باسم “انيكاست” بحيث يصير كل مزوّد من هذه المزودات الـ 13 نسخة طبق الاصل عن المزودات الاخرى أو مرآة لها. فمثلا مزوّد في كاليفورنيا يصير مرآة لمزوّد في تايوان أو الشرق الاوسط.
لم يقتنع خبراء الامن الرقمي، وكانت اللحظة الحاسمة أواخر العام الماضي عندما أقدمت عصابة اجرامية رقمية من احدى دول أوروبا الشرقية على إطلاق برنامج رديء جداً عُرف باسم “كونفيكر” اخترق اقوى الخطوط الدفاعية على الانترنت وأصاب فوراً أكثر من 12 مليون كومبيوتر وخرّب كل ما فيها من ملفات ومعلومات، وكان الى أسابيع مضت لا يزال يفتك بكومبيوترات حول العالم.
قرر الخبراء أن “كونفيكر” أو ما يشابهه هو  قنبلة موقوتة قادرة على التخريب في أي لحظة والسيطرة على الكومبيوترات المخرَّبة وتسخيرها لغايات تخريبية اضافية مثل تحويلها مصنعاً يضخ المواد الردئية أو الفيروسات أو رسائل الاحتيال على مستخدمين لشراء برامج مزوّرة ضد الفيروسات أو حتى لتعطيل اجزاء كاملة من الانترنت. وتوصّلوا الى أنه سواء حصل هذا أم لم يحصل، فإن “كونفيكر” أثبت أن الانترنت معرّضة وأنها سهلة الاختراق. وأجمعوا على أن المطلوب انترنت جديدة. نيكولاس ماكون  أحد المهندسين المعنيين في جامعة ستانفورد بتطوير هذا المشروع  قال إنه “اذا لم نفكر في انترنت جديدة، فمعنى هذا أننا ننتظر حصول مسلسل من الكوارث العامة”.  وقال يوجين سبافورد الباحث الرائد في أمن الانترنت إنه “في كثير من الجوانب قد نكون اليوم في وضع أسوا مما كنا  قبل 20 عاماً، لاننا نضخ المال لتحسين هذه الانترنت” عوض التفكير في انترنت جديدة.
ذلك ان المشلكة الامنية الكبرى تكمن، في رأي الخبراء، في التركيز على اقامة جدران رقمية، في حين انه متى اخترق اللصوص هذه الجدران صار كل شيء بين ايديهم.
والآن بدأ الخبراء العمل على بناء انترنت جديدة تنقل محتويات الانترنت الحالية اليها وتتمتع بأمن متطور وقدرات تستطيع دعم جيل جديد من التطبيقات التي سيصار الى اختراعها مستقبلاً وتستطيع القيام بوظائف تؤديها الانترنت الحالية لكن بفاعلية اكبر وخصوصاً في ما يتعلق بدعم مستخدمي الخليوي. ويقول مسؤولون في جامعة ستانفورد، حيث وضعت البروتوكولات الاولى لاستخدام الانترنت، إن العمل جار لتطوير نظام جديد يسمح بشبكة غير الانترنت القائمة حاليا وسيكون جاهزا للعمل في نهاية هذا الصيف في ثماني جامعات بأميركا.
بداية الانترنت الجديدة؟
هكذا يقول الخبراء. لكن هذه الانترنت قد تنطوي على مزيد من التعقيدات والمشاكل اذ يبدو ان أمن الانترنت والكومبيوترات سيكون على حساب “أمن” المستخدمين. فتصميم الانترنت التي نعرف يضمن اغفال هوية المستخدم. لكن هذا الاغفال هو الذي يربك الامن ويشكل التحدي الاكبر لخبراء أمن الانترنت والكومبيوترات. ذلك ان مهاجم الانترنت يمكنه ان يحتال على الشبكة وينتقل رقميا طبعا من بلد الى آخر ليخفي موقعه، في حين انه قد يكون جالساً في مقهى للانترنت تبعد أمتاراً عن البقعة الاولى التي استهدفها وقد فتح حسابه مثلا من بطاقة ائتمان مسروقة.
ومع ان الخبراء يتفقون على استحالة اقامة شبكة انترنت آمنة 100% في المستقبل المنظور، فإنهم يقرّون بأن المعادلة بدأت تتضح: الامن في مقابل الخصوصية. أي ان مزيداً من الامن للانترنت يعني حماية اقل لخصوصية المستخدم. ولأن الانترنت الحالية مصممة لتحمي الخصوصية في الدرجة الاولى، فالافضل البدء من الصفر في بناء انترنت جديدة مصممة على اساس مختلف.
شكل الانترنت الجديدة لم يتبلور بعد. ولكن يبدو ان أحد البدائل المطروحة هو تصميمها على اساس مجتمعات مغلقة لها بوابات عبور يوافق فيها المستخدم على التخلي عن السرية وحماية الخصوصية وعن بعض الحريات في مقابل الحصول على الامن الرقمي. وهذا هو حال بعض المستخدمين الآن في الحكومات والشركات الكبرى. ويقول الخبراء إنه اذا حصل هذا، فان الانترنت الحالية ستصير مساحة يجوبها اللصوص وقطاع الطرق الرقميون وسيكون على المستخدم الذي يختار دخولها والاقامة فيها ان يدخلها على مسؤوليته ويبقي عينيه مفتّحتين طوال الوقت وفي  كل الاتجاهات لئلا يتعرض لاذى المتربصين به.
النهار