قانون الاحوال الشخصية الجديد

مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد والمعركة القادمة

يحيى الأوس
من المؤكد أن التبعات السلبية الناجمة عن عدم التقيد بقانون مدني كمشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الجديد تصيب النساء والأطفال أولاً قبل أن تؤثر في بقية أفراد المجتمع، خاصة وان مثل هذا القانون بما يحتويه من التباسات قانونية ومواد متناقضة فيما بينها وبين الدستور العام يشكل خطراً على الحريات المدنية، والحقوق الأساسية للمواطن، ومن يحاول أن يزين الأمر على أن الدفاع عن هذا القانون هو دفاع عن الشريعة الإسلامية إنما يحاول أن ينقل النزاع من إطاره الاجتماعي إلى إطار ديني ضاربا عرض الحائط بحاجة البلاد إلى قوانين عابرة للطوائف والأثنيات.
وعلى هذا يضعنا مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الجديد أمام واقع فريد من نوعه في سورية، ففي الوقت الذي يحتدم فيه النقاش في عدد كبير من الدول العربية كالأردن، الجزائر، المغرب، إقليم كردستان، اليمن، العراق، والسودان حول قوانين أحوال شخصية ذات طابع مدني تحد من تصاعد نفوذ التيارات الإسلامية المتشددة وتجعل من المواطنة و العدالة والمساواة أساساً، يصيبنا مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري الجديد بالذهول كونه يرجع بنا إلى مرحلة تاريخية وحضارية كنا نعتقد أننا في طريقنا إلى تجاوزها.
بصراحة لم نكن نعرف الكثير عن هذا القانون، بل حتى أننا حتى هذه اللحظة لا نعرف من هم الأشخاص الذين كانوا وراء صياغة هذا المشروع وإن كان ما جاء في القانون منحنا القدرة على التكهن بمن يكونون، فكل ما كان يرشح عن هذا المشروع هي مجرد خطوط عريضة لقانون يتم التحضير له في الخفاء، ومن المؤكد أن المقصود من وراء كل هذا التعتيم هو تأجيل المعركة أملاً في تمريره، فلا يكاد مناهضو هذا المشروع يسمعون به حتى يلقى بالمشروع في أحضان أعضاء مجلس الشعب الذين يخشى أنهم لن يحتاجوا إلى وقت طويل قبل أن يوافقوا عليه.
من المؤكد أن المآخذ والانتقادات الجوهرية التي ظلت توجه لقانون الأحوال الشخصية السوري خلال سنوات طويلة كانت السبب في توجيه السيد رئيس الوزراء نحو صياغة مشروع بديل، ولعل النقطة الايجابية في هذا التكليف فقط أنه يمثل اعتراف رسمي بقصور القانون الحالي، لكن هذه المآخذ لم تؤخذ بعين الاعتبار بل على العكس تم ترسيخها في مشروع القانون الجديد وتفتقت ذهنية أعضاء اللجنة الواضعة للمشروع الجديد عن مواد أكثر سوءاً.
وفي استعراض لأبرز النقاط التي شكلت مطلبا ملحا للتغيير في القانون الحالي ولم يطرأ علها أي تعديل في مشروع القانون الجديد كثيرة ومنها:
– سن الزواج المحدد بـ 17 للأنثى و 18 للذكر باستثناء حال ادعاء البلوغ فتصبح 15 للذكر و13 للأنثى إضافة إلى تجاهل ذكر أي سن للخطوبة.
– ليس للبالغة الثامنة عشر إن تزوج نفسها دون إذن وليها، وإن فعلت يبقى للولي حق فسخ الزواج لعلة عدم الكفاءة ولا يسقط حقه هذا إلا إذا حملت المرأة، وبرغم تحديد مفهوم الكفاءة بأنها الصلاح في الدين وعرف البلد غير المخالف للشرع وفقا للقانون الجديد فإن هذا التعريف مطاط ولا ضوابط واضحة له ويتبع للعرف.
– بطلان زواج المسلمة بغير المسلم
– غياب أي تحديد واضح لمواصفات المسكن الشرعي الذي يصلح أن يكون غرفة مأجورة أو ملك لها بيت خلاء ولو كان مشتركاً، كما لا يشترط عدم إسكان أقارب الزوج مع زوجته إلا إذا ثبت إيذاؤهم لها وعبْ الإثبات يقع على المرأة، كذلك للزوج أن ينقل زوجته من مسكن لآخر وأن يجبرها على السفر معه.
يسقط حق الزوجة في النفقة في الحالات التالية:
– إذا امتنعت عن متابعة زوجها إلى بيت الزوجية بعد دفع معجل المهر وتعتبر ناشزاً إذا عملت خارج البيت دون موافقة الزوج.
– إذا عملت خارج البيت دون موافقة زوجها.
– انتهاء العدة للمطلقة.
– إذا منعت الزوجة زوجها من الدخول إلى منزل الزوجية ولو كان ملكاً لها.
وكذلك فقد تجاهل القانون ذكر أي حد أدنى للنفقة التي لا تتجاوز أحيانا ألف ليرة شهرياً
– أحكام الطلاق:
1-الطلاق بالإرادة المنفردة: أي ما يسمى طلاق التعسف ويكون إذا طلق الزوج زوجته دون سبب مشروع أو عذر مقبول وتستحق المرأة تعويضا في حال أصابها فقر من جراء هذا الطلاق
– الطلاق بالتراضي: أي المخالعة ولا يجبر الزوج على المخالعة إذا طلبت المرأة الخلع إلا بموافقته بعد أن تدفع له عوضاً مقابل حريتها.
3- الطلاق بحكم القاضي: أي التفريق وهو يكون بأربع حالات.
أ- للعلل والأمراض وهو حق للزوجة بشرط خلوها من الأمراض وحصر القانون تلك الأمراض بالعلل المانعة من الدخول والجنون الذي يطرأ بعد العقد.
ب- للغيبة أو السجن: ويكون بعد مضي سنة من الغياب أو السجن وهو طلاق رجعي وعلى ذلك يعتبر الغياب للعمل أو طلب العلم عذراً مقبولاً بنظر المشرع، وحبذا لو جعله طلاقاً بائناً لأن الزوج قد يعود بعد التفرق والمرأة في العدة ويراجعها ثم يغيب مرة أخرى بقصد الإضرار بها.
ج- لعدم الإنفاق.
د- للشقاق والضرر: وهنا فإن عبارة الشقاق والضرر عبارة فضفاضة لا يمكن حصرها
– في أحكام النيابة الشرعية:
الولاية للأب والجد العصبي وإن علا وبذلك ليس للمرأة ولاية على أولادها الوصاية قد تكون على الأيتام، وتكون الوصاية للأم على أولادها الأيتام ما لم ينازعها الجد العصبي أو أحد الأعمام، وعليه لم يساو المشرع بين الرجل والمرأة فيما يخص النيابة الشرعية.
– أحكام الإرث: للذكر مثل حظ الأنثيين
– تعدد الزوجات على الرغم من اشتراط القدرة على الإنفاق ووجود المسوغ الشرعي فإن هذه القيود شكلية ولا تحد من هذه الظاهرة.
إن صدور مثل هذا المشروع حالياً يؤجج الصراع غير المعلن حول قانون الأحوال الشخصية في سورية بين تيارين الأول مدني تنويري يسعى إلى إخراج هذا القانون من الحيز الديني الصرف إلى الحيز الاجتماعي العام عبر وضع قواعد أساسية تحقق كرامة المرأة والأسرة في إطار من العلاقات المتكافئة القائمة على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق و الواجبات. و مشروع آخر ظلامي يلبس عباءة الدين همه إبقاء المرأة في موقع الدونية و التبعية.
أخيراً لم نتوقع في أحسن الأحوال أن نحصل على مشروع قانون يتقدم على بعض قوانين الأحوال الشخصية للدول العربية من حيث إقراره للقواعد والمعايير الأساسية في المساواة والحقوق الاجتماعية، ولكننا على الأقل كنا نتمنى أن نرى قانونا لا يرجع بنا قرونا إلى الوراء فيقضي على حلم جميل طالما دغدغ مشاعر السوريات و السوريين.
موقع ثرى
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى