صراع الأدوار بين تركيا وإيران
محمد السعيد ادريس
منذ أن انتقل التركيز الأمريكي على الحرب في أفغانستان بدلاً من العراق والصراع العربي – “الإسرائيلي” حدث تطوران مهمان لهما علاقة بالتنافس والصراع بين القوى الشرق أوسطية الرئيسية: إيران وتركيا والكيان الصهيوني . أول هذين التطورين هو انزواء وتراجع ثقل الدور “الإسرائيلي” في الأزمة الأفغانية، ف”إسرائيل” لا تستطيع أن تقدم الكثير في هذه الأزمة، هذا تطور مهم سوف يفرض نفسه حتماً على التقييم الأمريكي لأدوار القوى شرق الأوسطية، وربما يؤثر ذلك، ولو مستقبلاً، على العلاقات الأمريكية – “الإسرائيلية” . أما ثاني هذين التطورين فهو بروز تنافس تركي – ايراني على النفوذ والأدوار والعلاقة مع الولايات المتحدة .
لقد حرص البلدان طيلة الأعوام الثلاثة الأخيرة على وجه الخصوص، أي منذ الظهور التركي الشرق أوسطي القوي، على إدارة العلاقات بينهما ضمن إطارها التعاوني ومحاولة تجنب كل نوازع التنافس والصراع . حدث ذلك في العراق وحدث في الخليج، عندما حرصت طهران على ضبط ردود فعلها من توقيع تركيا اتفاق شراكة استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وحدث أيضاً عندما كشفت دمشق عن دور تركيا في المفاوضات غير المباشرة التي أجرتها مع الكيان الصهيوني .
هذه المرة لم يستطع البلدان اخفاء حقيقة التنافس على أفغانستان وباكستان وأيضاً على الولايات المتحدة، فتركيا تنظم قمة دورية سنوية مع باكستان وأفغانستان منذ إبريل/نيسان ،2007 عقدت الثانية عام ،2008 وكانت الثالثة في إبريل/نيسان 2009 وهي القمة التي ركزت على أهمية التعاون بين المؤسسات السياسية والعسكرية والاستخباراتية بين الدول الثلاث في ما يتعلق بالقضايا الأمنية الإقليمية وليس في ما يتعلق فقط بالحرب ضد “الإرهاب” في أفغانستان وباكستان . الرئيس التركي عبدالله غول كان حريصاً على تأكيد أن أهم ما حدث في هذه القمة هو اجتماع كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين بالدول الثلاث .
ومنذ أيام قليلة تكثفت الاتصالات بين أنقرة وواشنطن لتشكيل آلية تعاون مع اسلام أباد لمكافحة “الإرهاب”، وتجسد هذا الموضوع خلال اتصالات قائد الجيش التركي الجنرال ايلكر باشبوغ مع نظيره الأمريكي الجنرال مايكل مولن على هامش اجتماعات المجلس التركي – الأمريكي المشترك الذي اختتم أعماله يوم الخامس من يونيو/حزيران الجاري ي واشنطن . كما تجسد في لقاءات مكثفة يشارك فيها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو وقائد الجيش التركي الجنرال باشبوغ مع كبار المسؤولين الأمريكيين .
هذه الحاجة الأمريكية لدعم تركيا في أفغانستان، والعلاقات التركية – الباكستانية لا يمكن مقارنتها بالموقف الأمريكي من الدور الإيراني في أفغانستان أو العلاقة الإيرانية – الباكستانية . فتركيا حليف مأمون لأمريكا، أما إيران فهي منافس قوي أو على الأقل طرف مشاغب ومناوئ للنفوذ الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط، لكن الحاجة الأمريكية المتزايدة للدور الإيراني في أفغانستان هي التي أعطت الضوء الأخضر لتقارب باكستاني – إيراني، وأفغاني – إيراني، ابتداء من دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لإيران كي تحضر مؤتمر لاهاي الخاص بأفغانستان، وبعدها عقدت قمة ثلاثية إيرانية – باكستانية – أفغانية في طهران، وهناك توافق يتزايد بين باكستان وأفغانستان على دور إيراني قوي .
هذان الدوران التركي والإيراني لم يحدث حتى الآن تنسيق بينهما . وهنا يبدو السؤال منطقياً حول مدى قدرة البلدين على جعل التعاون عنواناً لهذين الدورين .
ربما يكون الحرص على تجنب الصدام وارداً لكن تناقض المصالح، وفعالية الدور التركي الإقليمي الملحوظ وعلى مساحة واسعة من إقليم الشرق الأوسط تثير ريبة إيران وتدفعها حتماً إلى الصدام مع هذا الدور، خصوصاً وأن الدور التركي في أفغانستان مأمون أمريكياً بحكم التحالف الأمريكي – التركي .
لكن هذا الصدام يمكن لواشنطن احتواؤه في حالة نجاح الحوار الأمريكي – الإيراني الذي سيبقى مفتاحاً في مقدوره أن يتحكم في فرض الدور الإيراني وفي أنماط تفاعلات إيران الإقليمية بين الصراع والتعاون .
الخليج