لا للأكثريات …لا للأقليات …المدنية هي الوطن المتحضر
ميس نايف الكريدي
بينما نعتقد أننا تجاوزنا مسألة تقبل الآخر إلى مرحلة أكثر تطوراً تتعلق بالتعايش المنتج بين أبناء هذا الوطن باختلافاتهم الدينية والاثنية يطالعنا قانون كمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ليحمل في جعبته عكس ما حلمنا أن نتقدم فيه خطوة، ولست أنتصف هنا للأقليات أو للأكثريات، لأنني ومهما تغيرت المفاهيم أؤكد أن لا انتماء لغير هذه الأرض
واما العقائد فتلك خصوصيات من المفروض أن لا تنزل لشوارع ملونة مثل شوارعنا، ولتجنب أي صدام حتى لوكان فكريا كان المفروض أن تكون هناك مقاربات لصالح التطور، والخروج تباعا من عباءة القوانين المهترئة التي نخجل ان نطالع بها المنظمات الإنسانية، لأننا كأشخاص حضاريين ندرك عدم جدواها، أما أن نعمل على تكريسها فهذا يدعو لوقفة طويلة، ولا أدري إذا كان استخدامي لكلمات تدل على الشراكة في الوطن صحيح لجهة المنطق، إذ لم يستشرنا أحد يوما في أي قرار ….
مازلنا مع الأسف نغرق في التفصيلات الطائفية، مع الاحترام لكل فكر سواء ديني أو علماني، أو إنساني بامتياز، بكل ما تحمله العبارة من معنى، لأننا لا نريد الدخول في السجالات القاتلة، إذ إنه لا يحتاج منا كثير من الاجتهاد لنبين مدى تعصب كل واحد من الآخرين لخصوصيته وإيمانه الراسخ بحكم صفات البشر بصلاح نظرياته، ووجوب تطبيقها على الجميع …
ربما يجب أن نكون أكثر مباشرة ونبين أن هذا الخليط المتنوع من البشر يفتقد أولا للقدرة على النقاش البناء، وإمكانية قبول هذا الآخر بطريقة سليمة، واعتباره شريكا حقيقيا في الوطن، لا مجرد آخر مضطر أن يتعامل معه، ويبقى ما في القلب في القلب ..
لا أريد المزاودة على أحد لا في الوطنية، ولا في التملص من الفكر الطائفي القابع في أعماقنا يطفو كلما ما سمحت له الفرصة، ويتفاوت الظهور حسب البنية النفسية والمجتمعية والفكرية لكل منا …ولا ننكر أن فينا من يطمح حقا للانتصار لمشروع إنساني حضاري، لا انتفاضة لإحساسه بغبن طائفي، ولكن المشكلة أننا شعب الأكثريات، وهذا فيه من الديمقراطية حسب رؤى المتعاطين بالسياسة، ولا تعليق على نوع السياسة، ولا شرح لبنيتها التي مر عليها من الزمن ما يكفل تآكلها ..
فالرأي السائد ليس رأي النخبة الواعية، والتي بالكاد تمتلك ناصية الفكرة وبالكاد ترسل رسائل مبهمة، لا عن عجز، وإنما تبعا لواقع مهما حاولنا تجميله فما هو موجود، موجود .
الكلمة مبتورة، الجملة مقصقصة، المواقع مراقبة لدرجة الحجب، الصحف معزولة عن البشر بحكم واقع يطول شرحه، والمقال الجيد بالكاد يتداوله مجموعة مهتمين …
أثق أننا نتحدث في موضوع لم يصل منه إلى الشارع إلا ما يعزز الشحن الطائفي، فأولئك المتمترسين خلف معتقداتهم اللاهثين وراء لقمتهم ستصلهم جزئيات الحقائق، وأنصاف العبارات، بحيث ينظر المسيحي لأي قانون من منظار مسيحيته، وينظر المسلم لهذا المتذمر من قبيل رفضه لقانون يتناسب مع عقيدته التي يؤمن أنها القول الحق، وهذا ما سيفتح المجال أمام الشارع لتكريس أحقاد خفية، والخاسر الوحيد يبقى الوطن ..
إن المطالبة بقانون مدني هو جزء من خطوة هامة نحو إخراج الطوائف من سجال الشوارع ليصبح الإيمان علاقة خاصة مع الله، وفي ظل واقع طائفي متنوع في بنية بلاد تطمح للتقدم أهم ما يجب أن يقال هو ضرورة إخراج الشارع من مفاضلات غربلة البشر ..
في الواقع لم يكن القانون السوري يوما مستقى بشكل كامل من الشريعة، وإلا لوجب تنفيذ الحدود، وهذا ليس مقبولا في واقع القرن الواحد والعشرين، وصحيح أن عليه مآخذ كثيرة، لكننا نعلم أن المواطن يقبله دون أن يقارنه بما يرد في الكتب السماوية أو الأعراف الخاصة ببعض الأقليات، أي أن الدولة قادرة على استخدام نصوصها التي ربما يتذمر البعض منها لكنها لا تتجاوز الندب غير المزعج بمعنى الكلمة ..
خلاصة ما أريد أن أقوله أن هذا الشعب يثق بالقرارات، ويقبل الواقع، مما يؤكد انه لو تم التعامل مع رأي النخبة التي تملك مفاتيح انتقال هذه البلد إلى المجتمع المتحضر الذي نتشدق بأحلامنا فيه بشئ من الاهتمام لكانت الأمور أفضل، هذا إذا كنا نريد لمجتمع التقدم أن ينهض بالمكان والزمان أما أن نحيي أفكارا رجعية لا تقدم إلا مزيدا من التوتر، وتراجعا على مستوى المد الفكري، فإني أتحمل مسؤولية أن أعلن أن رأي الأكثرية هنا لا ينفع، لأن فيه عزف على أوتار حساسة لأقليات ربما لا تستطيع التطاول كثيرا،لكنها ستغرق في القهر الذي يولد كراهية الآخر .
لقد حمل مشروع قانون الأحوال الشخصية إضافة لمظاهر الخيبة التي رافقت تجاهل سلبيات القانون القديم، خطر إقرار القانون الجديد، الذي بدل ان يتجاوز الجزء القاصر من القوانين، أمعن في اغترابه عن الحالة الإنسانية العامة، وفي اختزال المختزل أساسا من حقوق المرأة، وفتح الشوارع على سجالات، تحمل كثيرا من التطرف، أحيانا الموضوعية، والتحويم غير المجدي حول المشاكل الأكثر حساسية ..
علينا أن نمتهن الجرأة، الصدق، الرغبة في مواجهة كل الواقع الذي يمكن أن يغتال ما تبقى لنا من حقوق، والأهم أن نعترف بما يتناسب مع عقولنا حقيقة، هل نريد المجتمع الذي يتسع لنا جميعا، الوطن الكبير المتميز بوحدة انتمائنا له، وفقط له، أم أننا نطمح للانحياز لمجموعة طوائف تكفل الاضطهاد الجماعي لنا جميعا، وتفتح البلاد على وجه أسود هو آخر ما نحتاجه في هذه المرحلة الحساسة من عمر الوطن ….
للاطلاع على كامل مواد مشروع القانون الجديد يمكنك الذهاب الى الرابط التالي
https://alsafahat.net/blog/pdf/Syrian_safahat001.doc