الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

الإنتخابات الإيرانية: قراءة في مشهد مخادع. صراع بين تيارين من داخل النظام القائم

شاكر الناصري
إن كان هناك شخص يعتقد إن نتائج الانتخابات التي اجريت في الجمهورية الاسلامية الايرانية قبل يومين فقط ،كان يمكن ان تحدث تغييراً في مسار السياسة الايرانية وتوجهاتها او انها ستاتي بنظام سياسي آخر اقل تشددا من النظام السابق واكثر إنفتاحا منه على الغرب والعالم قاطبة فانه على خطا كبير وإن علية ان يعيد النظر في كل تصوراته السياسية و معرفته بطبيعة النظام السياسي في إيران والتيارات السائدة والمتنفذة فيها.
إن ما حدث خلال الانتخابات الاخيرة في إيران لم يكن صراعا بين تيارات سياسية مختلفة او متناقضة سياسيا وايدلوجيا وفكريا ، تيارات علمانية او ليبرالية او يسارية وشيوعية و اشتراكية او إسلامية مختلفة التوجهات الطائفية والمذهبية ، تختلف وتتصارع فيما بينها على طبيعة النظام السياسي القائم وإن لكل منها توجهاته وروؤاه وبدائله للوضع القائم في إيران ويمتلك تصورات ونظرة للمستقبل السياسي لإيران وعلاقاتها السياسية مع العالم ومكانتها ودورها في محيطها الاقليمي وتوازنات القوى الاقليمية . ماحدث كان صراعاً مغايراً لكل هذا فهو صراع بين قطبين يمثلان النظام السياسي القائم في إيران ويشكلان جناحيه الاساسيين . اصلاحيون ومتشددون . هكذا تم رسم لوحة الصراع السياسي في إيران و تم تصديرها حتى نكون تحت تاثير الانطباع الذي يسعى نظام الجمهورية الاسلامية لتصديره بان ما يحدث هو صراع حقيقي ومصيري وإن نتائجه ستمس ثوابت كثيرة وسيترك آثارا كبيرة على مواقف إيران على الصعيد الداخلي اوعلى الصعيد الخارجي وعلاقاتها الدولية ونظرة العالم اليها .
الانتخابات الاخيرة لم تكن صراعاً بين التيار المتشدد والمدافع عن امتلاك ايران للاسلحة النووية والدولة التي تقف في مواجهة امريكا والغرب والقادرة على زعزعة النظام العالمي والامن الاقليمي والعمل مع الدول والمنظمات والاحزاب التي بامكانها ان تكون اداة إيرانية او إن إيران تدعم مشاريعها السياسية واهدافها الحزبية كحماس وحزب الله وفي اعقد الاماكن الحساسة بالنسبة لامريكا والإرب عموما ، فلسطين ولبنان ، او دورها في الاحداث الامنية في العراق وعلاقاتها مع تيارات ومجاميع ارهابية كالقاعدة وجيش والمهدي والمجاميع الخاصة ومحاولاتها المتواصلة لفرض اجندة سياسية محددة على العراق بواسطة قوى واطراف موالية لها، التيار المتشدد هذا ، ممثلا بالرئيس المثير للجدل كما يصوره الاعلام الغربي ، احمد نجاد ، من جهة، وبين التيار الاصلاحي ، ممثلا بمير حسين موسوي من الجهة الاخرى ، هذا التيار الذي بإمكانه ان يغير صورة إيران ويعيدها الى الحظيرة الدولية وإن بالامكان التعامل معها بسهولة وبثقة وتبادل مصالح يعزز الامن العالمي من خلال التفاوض على البرنامج النووي الايراني وإيجاد حلول سلمية لهذا البرنامج تمكن إيران من الاستفادة من الطاقة النووية للاغراض السلمية كما تم تصوريه لنا من قبل الاعلام الغربي، ولكنه التيار الذي سيضحي بكل قيم ومبادئ الثورة الاسلامية وسيلغي تاريخ هذه الثورة وسجلها الحافل بالقيم والمبادئ التي تم تعزيزها داخل المجتمع الايراني بعد الاطاحة بنظام الشاه ، كما يقول لنا نظام ولاية الفقيه المتحكم بهذه المسرحية المخادعة والقادر على إيقافها عندما يشعر إن من يؤدون الادوار الاساسية فيها يريدون الخروج عن الادوار المرسومة لهم .
على الرغم من ان كل المرشحين لمنصب الرئيس قد اقسموا على الولاء لمبادىء وقيم الثورة الاسلامية وإنهم يعملون من اجل الحفاظ عليها وتعزيز قيمها وعدم الخروج عن طاعة مرشد الثورة ، الا ان ماحصل كان خارج حسابات هؤلاء المرشحين وخصوصا مرشحي التيار الاصلاحي فالاحداث المتسارعة وحسم نتيجة الانتخابات من قبل خامنئي ( اصدر بيان اعلن فيه فوز احمدي نجاد قبل ان تقوم وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المشرفة على الانتخابات بإعلان تلك النتائج) قد دفعت بجميع منافسي نجاد للتشكيك بهذه النتائج ووصل الامر بمهدي كروبي الى اعتبار نتائج الانتخابات ( باطلة وغير شرعية) فيما عمل موسوي على تحريك الشارع والدخول في صدامات مع مناصري احمدي نجاد وشهدت مدن مختلفة صدامات مع الاجهزة الامنية المختلفة في إيران مخلفة عدد من الضحايا وكذلك تعطيل للدراسة في الجامعات وشن حملة إعتقالات طالت رموز وانصار التيار الاصلاحي ومحاصرة مساكن رفسنجاني وخاتمي وموسوي من قبل اجهزة الامن .
الولي الفقيه او المرشد الروحي للثورة الاسلامية ، على اكبر خامنئي ، هو اللاعب الرئيسي في هذه المسرحية وهو الذي يحدد الادوار وجحم كل ممثل فيها ومساحة الدور الذي يؤديه . إن مرشح مرشد الثورة لمنصب الرئيس هو الذي يجب ان يفوز بغض النظرعن نتائج الإنتخابات او خيارات الناخب الإيراني الذي اصبح مرغما على اختيار مرشحين لايردون له الا المزيد من الرضوخ والخضوع لسطوة وسلطة الجمهورية الاسلامية . ان مقولة خامنئي ( الانتخابات تعكس وعي الشعب الايراني ) بقدر ما هي مقولة مخادعة الا إنها تحمل الكثير من الدلالات وان ما سيتحقق من نتائج يجب ان تحظى بتاييد الشعب الايراني وقبوله ، فثمة قوة عليا، مطلقة القدرة والصلاحيات ،قادرة على التحكم وادارة شؤون البلاد بغض النظر عن ارادة الايرانيين و ضد رغبتهم في إيجاد نظام سياسي مغاير لما هو قائم . ماحدث بعد اعلان نتائج الانتخابات او حتى قبلها يعيد الى الاذهان ما حدث خلال إنتخابات عام 1997 عندما فاز محمد خاتمي ووصف حينها بالرئيس الاصلاحي ولكن تبين انه لم يكن سوى ممثل لدور محدد ولايمكنه تجاوز او تخطي دور اللاعب الاساسي والمتحكم بكل مقدرات إيران وسياساتها وعلاقاتها الدولية ، مرشد الثورة الاسلامية .
قضايا اساسية تخص المرشحين لمنصب الرئيس ان يكون المرشح لمنصب الرئيس من المذهب الشيعي تحديدًا وان يكون مؤمناً بثوابت الثورة الاسلامية وان لايخرج عن طاعة المرشد الروحي لهذه الثورة وان يحترم سلطاته وقراراته ، وان يحظى بقول المرشد الروحي لترشيحه . وان يكون اداة تنفيذية لقرارات واحكام هذا المرشد.
القوى الغائبة على الرغم من إن التيارات الاسلامية في إيران والموالية لمنهج وسلطة الولي الفقيه قد تمكنت من مصادرة الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه وصورتها كثورة اسلامية خالصة ونصبت الخميني زعيما ومرشداً روحيا مطلق الصلاحيات ( امر باعدام عشرات الالاف من العمال والقادة العماليين والشيوعيين ومن القادة العمليين للثورة الايرانية خلال الايام الاولى من حكمه الاسود)، إلا ان الثورة الايرانية لم تكن سوى ثورة العمال الايرانيين ضد نظام الفساد والظلم والحرمان والاضطهاد الطبقي والقمع البوليسي والاستبداد السياسي وإن عمال النفط كانوا العمود الفقري لهذه الثورة ومحركها الاساسي . تمكن العمال من التحول الى قوة اجتماعية اساسية وقائدة للنضال المطلبي لكادحي إيران ومحروميها وكان لهذه القوة بديلها الاجتماعي في قضايا واقعية ومحورية تمس صميم المطالب الاجتماعية في قضايا قوانين العمل والتعليم وحقوق المراءة والنظام السياسي .
إن القول بان الغرب قد دعم الخميني نكاية بالشاه وممارساته المخزية واللاانسانية ضد الايرانيين وتفرده بالسلطة ولابد لهذا الغرب الانساني جدا من التخلص منه بعد ان اصبح عباً عليه ،لم يكن هو الحقيقة كلها ، بل هو الحقيقة المغلوطة التي يتم التستر بها من اجل تغييب حقيقة اساسية وهي إن الغرب وجد إن العمال وحركتهم التي اطاحت بالشاه تماما بعد الاضراب الشامل لعمال النفط تشكل تهديدًا لمصالحه في ايران و تهديداً لامدادات النفط الى الاسواق العالمية وإن القوة والنفوذ الاجتماعي للعمال سيقودهم الى السلطة السياسية في إيران مما سيؤثر على موازين القوى الدولية القائمة انذاك . عمل الخميني ومنذ الايام الاولى لوصوله الى السلطة الى ممارسة اشد الاجراءات القمعية والاستبدادية البشعة ضد العمال وقادتهم وضد التيارات والقوى الشيوعية . لقد نفذ مجزة دموية رهيبة بحق من اسقط الشاه وانهى سلطته ونظامه .
معظلة إيران الاساسية إن قوى حرس الثورة والاجهزة القمعية الموالية لسلطة ولاية الفقيه، التي تمكنت من اشاعت الاستبداد والقمع وكل اشكال الاقصاء السياسي للمخالفين السياسيين ، تمكنت ايضاً من عزل القوى الاجتماعية الاساسية ، الحركة العمالية وقادتها ، التي يمكنها ان تدفع المجتمع الايراني نحو حراك سياسي يؤدي الى إيجاد نظام سياسي واجتماعي اكثر تحرراً واكثر عدالة من هذا النظام الرجعي والارهابي الذي يواجهونه كل يوم . شردت القوى والاحزاب الشيوعية واليسارية والليبرالية والعلمانية المنادية بإقامة دولة مدنية علمانية وديمقراطية في إيران . غياب هذه القوى او ضعف حضورها و تشتتها وغياب رؤية واضحة للبديل السياسي الذي لابد وان يخرج من مجرد اسقاط النظام الاسلامي ليتحول الى بديل واضح الملامح وقادرعلى ان يدفع المجتمع الايراني للالتفاف حوله، بات يعزز من مكانة التيار الاسلامي المتسلطة في إيران ويزيد من حدة قمعه وعدائه للمجتمع الايراني ولمجمل تطلعالته بالتحرر والرفاه والمساواة وانفرادها بالسلطة والتحكم بمصير الايرانيين.
على الرغم من إن عملية ومسار الانتخابات الايرانية وكل الضجيج الاعلامي الذي يصاحبها قد اعطت الانطباع بان ما يجري في ايران هو صراع حقيقي بين تيارات مختلفة لها برامج ومشاريع مختلفة ايضاً تسعى لرسم صورة جديدة لمستقبل إيران إلا ان هذا الانطباع لم يكن سوى انطباع مخادع جدا ، فما حدث هو صراع بين تيارين من داخل النظام القائم ويعكسان المشاكل التي يواجهها هذا النظام وإن كل منهما يسعى لحماية حكم النظام الاسلامي القائم والحفاظ عليه ، بالتشدد او بالاصلاح والاعتدال لافرق فالنتيجة واحدة ، ادامة نظام ولاية الفقيه والحفاظ على وجود السلطة الاسلامية.
شبكة العلمانيين العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى