الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

المرارة الإيرانية

أمين قمورية
جرت الرياح الايرانية بما لاتشتهي سفن كثيرين في ايران نفسها والعالم .عاد محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية الاسلامية. واعلن النظام الاسلامي اصراره على مواصلة السير نحو امتلاك القوة النووية شاهرا من جديد القبضة الحديد لنجاد وليس ابتسامة حسين مير موسوي كما كان يأمل البعض.
المفاجأة الكبرى في نتائج الانتخابات الايرانية كانت انفجار الغضب الشعبي في الشارع، واتهام السلطة السياسية بالانحياز الواضح والفاضح للرئيس المنتخب واللجوء الى التزوير والترهيب، ورد السلطة بالاعتقالات والتضييق على المتظاهرين.
وما حصل في شوارع طهران في اليومين الماضيين يحاكي المشهد نفسه الذي حصل في انتخابات 2005 عندما خسر هاشمي رفسنجاني امام نجاد. وقتذاك شعر رفسنجاني بالمرارة نفسها التي يشعر بها اليوم مير حسين موسوي وطالب ايضا المرشد بالتدخل لكنه لم يفعل اكثر من ذلك حرصا على النظام واستقراره.
من جهتها، كررت ايضا السلطة الفعلية في الامس ما فعلته عام 2005. فعلى رغم اصوات الاحتجاجات العالية، أعطى المرشد الاعلى كلمته وصادق على النتيجة مثبتا نجاد رئيسا ومعتبرا ان الاقبال الكثيف للناخبين على صناديق الاقتراع هو استفتاء على شعبية النظام الاسلامي.
بيد ان الاحتجاج هذه المرة، أخذ معنى مغايرا لما حصل في الانتخابات ما قبل الاخيرة. فهو ليس فقط تشكيكا في أن نجاد جاء من خارج ارادة الشعب كخيار للسلطة الفعلية المتمثلة بالمرشد ويده الحديد “الحرس الثوري”، بل هو تعبير عن سخط شبابي عارم على كل نواحي حياتهم: احباطات متكررة للمساعي الدؤوبة لاحداث التغيير، انقطاع الامل بغد أفضل، تراجع حيز الحريات الى أضيق حدود، رمي الملايين من الشبان  والعائلات في صفوف الفقراء، تدهور اقتصادي على رغم العائدات الكبيرة من النفط والغاز، تضييق هامش المشاركة الفعلية في السلطة وتمادي اقلية في حكمها للاكثرية. والاخطر من ذلك تطاول هذه الاقلية على الاخرين وبلوغ هذا التطاول حد التجريح بقطاع واسع من مؤسسي الجمهورية الاسلامية نفسها، وبعض هؤلاء هم من أبرز رموزها، وبينهم رئيس الجمهورية الاسبق هاشمي رفسنجاني، وورئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي، وحفيدة الاب المؤسس زهراء الخميني، ورئيس وزراء الجمهورية مير حسين موسوي، ورئيس برلمان الجمهورية مهدي كروبي، وقائد “الحرس الثوري” محسن رضائي!
هذه الانتخابات ومارافقها، والصراع الدولي المحتدم بين ايران ونصف العالم، ربما وفرت اسبابا لازمة لإحداث صدع ليس فقط بين جناحي النظام انما بين النظام وعموم الايرانيين. من هنا يتعين الانتظار وترقّب ما اذا كان رد موسوي سيكون شبيها برد رفسنجاني عام 2005. وما اذا كان عدد المتظاهرين في الشوارع سيتراجع مع الوقت أم سيزداد . وماذا سيكون موقف الاصلاحيين ومنتقدي سياسات نجاد في الفترة المقبلة؟ وماهو ردهم حيال ما جرى؟ وهل سينتهي الامر بحكومة وحدة وطنية يكون فيها للاصلاحيين “الثلث المعطل” او الضامن؟
واذا كانت حلول آنية كهذه لم تعد تجدي لاخراج الشباب الايراني من احباطاته المتكررة ومن نزوعه الى إحداث التغيير بقوة الغضب الشعبي، فان خط الرجعة لايزال مفتوحا امام السلطة باعادة اجراء الانتخابات والقبول بنتائجها أيا تكن، ذلك ان الفائز ايا كان لن يخرج عن السياق العام للثورة والنظام. اما تجاهل ذلك فلا يبشر سوى بالسقوط في المحظور.
ولكن على رغم علامات الاستفهام الكثيرة التي رسمها الفوز الموصوف بأنه “مدبّر” لنجاد داخل ايران وخارج حدودها، فانه من المبكر القول ان الامور في ايران هي على طريق الافلات من السيطرة، وترك أمرها للفوضى، فموسوي ابن الثورة وأبرز قادتها التاريخيين، ومثله راعيه الشيخ رفسنجاني، وكذلك حليفهما الرئيس خاتمي، وهم يدركون ان سقف الثورة، اذا ما انهار فانما سيقع على رؤوسهم اصلاحيين ومحافظين وخصوصا ان البدائل غير معلومة، وحتما ليس بينهم شمشوم يريد تدمير الهيكل على من فيه!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى