الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةمسعود عكو

الثورة على الثورة

مسعود عكو
الانتخابات الإيرانية وما تلتها من احتجاجات ومظاهرات لأنصار المرشحين الخاسرين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، ومحسن رضائي الذين رفضوا نتيجة الانتخابات بفوز الرئيس الحالي أحمدي نجاد بولاية دستورية جيدة، هذه الأحداث شغلت العالم بأسره عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، حتى باتت تشكل العنوان الأبرز لكبريات الصحف ونشرات أخبار معظم الفضائيات.
حمى الانتخابات والمظاهرات الإيرانية تحولت إلى الشبكة العنكبوتية، والتي صارت المصدر الوحيد لنقل وتناقل المعلومة من داخل وخارج إيران، وذلك بعد أن منعت السلطات الإيرانية وسائل الإعلام الأجنبية تغطية الأحداث داخلها، موعزة ذلك إلى أن هذه الوسائل تقوم بتضخيم وتهويل الأحداث، كما أنها تقوم بالتحريض ضد النظام.
الإيرانيون شاركوا بكثافة في الاقتراع حتى أنها سجلت كأعلى نسبة مشاركة في الانتخابات في تاريخ إيران وربما في العالم، وكان الصراع بين تيار المحافظين بزعامة المرشح أحمدي نجاد والإصلاحيين بزعامة مير حسين موسوي، كان طاغياً لدرجة أنها وصلت إلى حد الاتهامات بالكذب والسرقة والفساد في المناظرات التي جمعت بينهما على شاشة التلفزة الإيرانية، والتي بدورها دفعت جماهير الطرفين إلى المزيد من الثقة بمرشحيهم.
انتهت الانتخابات وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية فوز أحمدي نجاد بولاية دستورية ثانية وبنسبة تخطت منافسه الثاني وبحسب مقياس الداخلية الإيرانية بأحد عشر مليون صوت عن مير حسين موسوي، الأمر الذي رفضه موسوي وأنصاره مسرعين باتهام خصمه بالتزوير، كما رفض كل من المرشحين الأخرين مهدي كروبي ومحسن رضائي النتيجة مشيرين إلى أن تزويراً كبيراً قد تم في علمية فرز الأصوات.
الأمر الذي حول الشارع الإيراني ليكون مسرحاً لمعارضة نتيجة الانتخابات ودعوة مير حسين موسوي بإلغاء نتائجها وإعادتها من جديد، وتدفق الملايين من أنصاره وأنصار الخاسرين الأخرين إلى شوارع مدن إيران وخاصة طهران وشيراز وذلك للاحتجاج والتعبير عن غضبهم وعدم رضاهم عن النتيجة.
جوبه الأمر بقوة من قبل الحرس الثوري الإيراني وقوات مكافحة الشغب، حيث عمدت إلى استخدام الرصاص والهراوات لتفريقهم وأدت بالنتيجة إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص واعتقال المئات وأبرز القيادات الإصلاحية، ولم تنهي المعارضة احتجاجاتها.
المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي خرج عن صمته بعد أسبوع من المظاهرات حيث قطع الشك باليقين وأعلن فوز أحمدي نجاد، وباعتباره أي خامنئي أعلى سلطة حاكمة في إيران فإن قراره هذا جاء كصفعة قوية في وجه الإصلاحيين والذين كانوا يعولون كثيراً على أنه سيتخذ موقفاً محايداً على الأقل، إلا أنه جهر خامنئي بحبه لنجاد وأقرب إلى قلبه من أي شخص أخر كان المسمار الأخير في نعش الإصلاحيين، بالرغم من حديثه الجميل عن رئيس مصلحة تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني، وتفانيه في خدمة وحماية النظام الإسلامي في إيران، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلا فساد أبناء رفسنجاني، مرسلاً بذلك رسالة واضحة إلا نقاط الضعف التي بحوزة المرشد ضد أهم شخصية إصلاحية في إحدى أهم مؤسسات الدولة الإيرانية.
كما أن خامنئي أظهر للعيان بأنه يحب أناس على آخرين وذلك بتمسكه بفوز نجاد حتى قبل خطابه في صلاة الجمعة حيث هنأه بعيد إعلان وزارة الداخلية نتائج الانتخابات، والذي يظهر بأن خامنئي كان منتظراً فوز نجاد أو ربما هو الذي جعل من نجاد فائزاً دون سواه، الأمر الذي أزعج الإيرانيين لأن المرشد الأعلى يفرق بين أبناءه.
الإصلاحيون ماضون في معارضتهم لنتائج الانتخابات، وإن توقفت المظاهرات والاحتجاجات، لا يعني ذلك بنهاية المعارضة، بل على العكس إن هذه الانتخابات أظهرت تماماً أن في إيران معارضة قوية لنظام ولاية الفقيه بالرغم من الحديث عن أن المرشحين الأربعة هم من أبناء الثورة، إلا أن هذا لا يعني تماماً بأنهم راضون عن خامنئي ونجاد، بل يرى مراقبون بأن المظاهرات هي رسالة لخامنئي قبل نجاد، وبدا ذلك جلياً في حديث خامنئي المصحوب بنبرة غضب في خطبة الجمعة ومدى جدية تهديده لمن سيلجأ إلى التظاهرات،  وأكد بأنه لن يرضخ أبداً للشارع، وحديثه عن أيادٍ أجنبية وراء المظاهرات لدليل على اهتزاز عرشه كمرشد أعلى للثورة.
الثورة التي مر على قيامها ثلاثة عقود في إيران بدأت تتآكل وتظهر مدى الصدأ الناخر لجوفها، أبناء الثورة يقفون في وجه بعضهم بعضاً، موجهين الاتهام بالفساد والكذب والخداع وتبديد المال العام، هذه الثورة التي كانت ثورة إسلامية ضد نظام الشاه، بدأت تفقد معناها الإسلامي وتتحول تدريجياً إلى صراع على السلطة بين أبناءها.
الثورة سقطت بل أعلنت عليها ثورة خضراء جديدة، حتى ولو تم تجديد ولاية نجاد، إلا أنه فقد بذلك أصوات ودعم نصف الشعب الإيراني إن لم يكن أكثر من ذلك، فالكرد والعرب والبلوش وأقليات أخرى لطالما كانت مناوئة لنظام الحكم في طهران، الانتخابات الأخيرة أفرزت نموذجاً جديداً للنظام الإسلامي، هذا النظام يقف على جزء من الشعب وليس على كله كما كان يتوقعه كل من خامنئي ونجاد.
إن مباركة المرشد الأعلى علي خامنئي فوز نجاد برئاسة إيران لولاية جديدة، هو برهان على جدية ثقة المرشد بأفكار نجاد، ومنها البرنامج النووي الإيراني والموقف من الهولوكست اليهودي، إضافة إلى الاستمرار في سعي إيران أن تكون قوة في الشرق، والاستمرار في تهديد دول الخليج واحتلال الجزر الإماراتية طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى، كما وستستمر في دعم حركتي حزب الله وحماس والتدخل في شؤون العراق وأفغانستان.
إن حجم الثورة الشعبية عبر الاحتجاجات والمظاهرات لم تكن فقط ضد نتائج الانتخابات، بل هو أكبر بكثير من ذلك، وإلا لما كانت تقف بعض المرجعيات الدينية في قم ضد هذه النتائج، حيث يشكل قم أكبر مرجعية دينية شيعية في إيران وربما في العالم على الإطلاق.
فهل ستكون الثورة الخضراء الجديدة بقيادة الإصلاحيين كأمثال مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي وهاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي، ثورة ضد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران أية الله علي خامنئي والمحافظين كأحمدي نجاد وأنصاره؟ أم ثورة ضد الثورة الإسلامية كفكر وكممارسة؟ أم ستكون ثورة على نظام الحكم الإسلامي وولاية الفقيه بأكمله؟ المستقبل كفيل بالإجابة على هذه التساؤلات.
خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى