قانون الاحوال الشخصية الجديد

إقامة جبرية للمرأة السورية: في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد

إيمان احمد ونوس
يفترض التطور الزمني والإنساني تطوراً حركياً وتفاعلياً يدفع بالمجتمع إلى الأمام. وهذا بالتالي يفترض تطوير القوانين الناظمة للحياة الإنسانية من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية وما إلى هنالك من جوانب تستدعي قوانين ونظم تحكمها.
والهدف من وراء ذلك الارتقاء بالإنسان أولاً، وتالياً بالمجتمع ليكون على درجة من الرقي والتطور بما يخدم هذه الأهداف.
فمن يبني المجتمع..؟
يبنيه خليته الأساسية- الأسرة- مكونة من أفراد( نساءً ورجال) يعملون معاً من أجل المصلحة العليا للمجتمع، وبذات الوقت لأجل مصالحهم الخاصة المرتبطة بشكل أو بآخر بمصالح هذا المجتمع بكل أطيافه ومكوناته.
ويتم التعرّف على مستوى تطور المجتمعات من خلال تطور أو تخلف قوانينها الناظمة لحياة المجتمع وأفراده (بجنسيه)، ومن خلال تعامله مع هؤلاء الأفراد، وتأتي القوانين الخاصة بالمرأة في أولويات هذه القوانين، لاسيما إذا كانت الحكومة قد وقّعت على اتفاقيات دولية هدفها الارتقاء بإنسانية الإنسان، وإلغاء استغلاله وممارسة العنف ضدّه.
ومعروف أن الحكومة السورية قد وقعت على معظم الاتفاقيات الدولية ذات الصلة (اتفاقية حقوق الإنسان، اتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية السيداو أو القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة، القضاء على العنف ضد المرأة.) هذه الاتفاقيات التي تقتضي من الحكومة تعديل تشريعاتها بما يتوافق وهذه الاتفاقيات وبالتالي يكفل ضمان حقوق المرأة وحريتها في العمل والعلم، ورفع الظلم عنها وإلغاء التمييز بينها وبين الرجل في كافة اتجاهات الحياة.
وبعد كل هذا، دُهِشَ الجميع ممن يترقبون تلك التعديلات، أو الذين عملوا طويلاً لأجل صياغتها بشكل يتلاءم وتطور المجتمع السوري بكافة أطيافه، دُهِشوا لمشروع قانونٍ جديد يرسي كل أسباب التمييز والعنف بأشكاله المختلفة، بل ويعود بالمرأة تحديداً إلى عصور الجواري والإماء من خلال مواد تعزز تخلفها وتبعيتها ودونيتها أمام الرجل أيّاً كانت صلتها به.
وقد تناولت في مرة سابقة مسألة الطلاق والنفقة في المشروع سيء الذكر، واليوم أود التطرّق لمسألة لا تقل أهمية عمّا سبق وتحدثت به ألاّ وهي مسألة العدّة وأحكامها ونفقتها.
جاء في أحكام العدة من خلال المادة/244/ تعريف العدة على أنها:
((العدة مرة تربص تقضيها الزوجة إثر الفرقة أو الحكم النهائي بالتفريق أو التطبيق.))
وهنا لا أريد أن أدخل في متاهات ومواد العدة كاملة، لكن بالنظر لتعريف العدّة نجد أنها تقييد لحركة المرأة في زمن لم يعد يقبل التقييد بهذا الشكل فالمرأة قد خرجت للعمل والعلم، ولا أعتقد أن هذين المجالين يسمحان لها بهذا الغياب الطويل عن الحياة العملية أو العلمية، ناهيك عن أن الحياة الاجتماعية لم تعد كما كانت سابقاً تجمع الأسرة كلها في بيت كبير يقوم الآخرون فيه بخدمة المعتدّة، فهي اليوم مستقلة في بيتها وأسرتها التي عليها إدارة أمورها بعد رحيل الرجل، إضافة إلى أن الزمن قد تطوّر بما لم يعد مقبولاً معه هذا السجن القسري للمرأة، باعتباره تكريس وتعزيز تبعيتها للرجل حتى بعد انفصالهما( بالموت أو الطلاق) ولماذا لأن زوجها توفي عنها أو طلّقها…. لأنها ومن وجهة نظر المشرّع وعاء لفحولته التي لا بد أن تنتهي آثارها قبل أن يشوبها آثار أخرى متجاهلين أن الطب وعلومه قد وصلت حداً يمكّن المرأة أن تعرف بحملها من الأيام الأولى وبأبسط الوسائل المخبرية.
هنا تكون المرأة في أحد وجوه هذا التشريع محلّ شك وريبة بأنها ربما تسلك سلوكاً غير سوي، وبالتالي فهي مطعونة في أخلاقها سلفاً، حتى تلك التي تكون بعمر أو مرحلة ما يسمونه سن اليأس والذي يعتبر علمياً مرحلة الانتهاء من حالة الخصوبة والطمث عند المرأة، فهذه ما مدى ضرورة العدة لها، لاسيما أنها ربما تكون قد أصبحت جدّة. وإلاّ ما مبرر الفقرة ب- المادة 248 والتي تنص:
ب- من لم تحض أو من بلغت سن اليأس وانقطع حيضها تسعون يوماً.
فإذا جاءها الحيض قبل انقضائها استأنفت العدة بثلاث حيضات.
ثمّ لماذا يُنظر للمرأة على أنها عديمة الوفاء لمن عايشته زمناً وقاسمته الحياة بحلوها ومرّها…؟ لاسيما في حالة الوفاة حتى تُفرض عليها أساليب حياتية قسرية (المادة252
وفي جميع الأحوال لا تزيد عدة المرأة في الحالات السابقة على سنة شمسية.)
وحتى المطلّقة لم يتم النظر لحالتها النفسية التي قد تقصيها لفترة زمنية وبشكل تلقائي عن الحياة العامة بحكم المفاهيم المجتمعية التي ما زالت تنظر للمطلقة كما لو أنها ارتكبت إثماً أو معصية، ليأتِ المشرّع ويفرض عليها إقامة جبرية تعزز من تدهور حالتها النفسية التي تُشل فاعليتها وحركتها بدل التفكير بما عليها القيام به للمرحلة الجديدة القادمة من حياتها.
وفي الحالتين أرى أن المشرّع يتعامل بازدواجية مقيتة مع المرأة تثير التساؤل، فلماذا تبدو في نظره عاطفية وانفعالية تارةً فلا تُقبل شهادتها منفردة، وتارةً أخرى هي بلا مشاعر أو عواطف، وعلى المشرّع أن يفرض عليها عدّة تصون من خلالها ذكرى وآثار زواج رحل.؟
ثمّ لماذا يُنظر إليها على أنها دائماً بحاجة لمن يذكّرها بواجباتها، وضرورة صيانة نفسها..؟
وما هي أصول هذه الصيّانة برأي المشرّع الذي تماهى مع الرجل- الزوج- وراعى ظروفه التي من الممكن التلاعب فيها عسراً أزلي لا يُسر له طالما الأمر متعلق بنفقة الزوجة والتي نصّ عليها المشروع في المادتين/ 153- 154/
المادة 153
تُعد النفقة ديناً في ذمة الزوج ويراعى في فرضها حاله يسراً وعسراً.
المادة 154
1-نفقة العدة كالنفقة الزوجية. ويحكم بها من تاريخ وجوب العدة.
ولم يكتفِ المشرّع بفرض وصايته على المرأة المسلمة، بل تعداها للمرأة المسيحية أيضاً حسب ما جاء في المادة 626
لا يجوز العقد على من انتهى زواجها إلا:
أ-بوضع الحمل المستبين.
ب-بعد سنة لغير الحامل من تاريخ انتهاء التطليق، أو وفاة الزوج.
وهذا يُعتبر خرقاً فاضحاً وتدخلاً في حرية الأديان وتعاطيها مع مسائلها وقضاياها بشكل مستقل، والذي سيثير حفيظة الآخرين باعتباره تدخلاً غير مشروع في شؤونهم الداخلية بعكس ما هو سائد منذ عهود في سورية من حيث التعايش الجميل بين كل الطوائف والأديان والأعراق بصورة رائعة لفتت أنظار شعوب العالم لهذا الفسيفساء المجتمعي السوري منذ آلاف السنين.
لا ندري إلى أين يريدون لنا أن نمضي في حال تمّ إقرار هذا المشروع المرفوض جملة وتفصيلا.
الواضح أنهم يريدون للمرأة السورية عامة العودة لعصر الإماء والجواري والحريم من جهة، ومن جهة أخرى يريدون لنا إما تناحراً طائفياً مذهبياً، أو عودة لأيام فرض الجزية على غير المسلمين
وما شابه.
خاص- ثرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى