هاربة من قانون الأحوال الشخصية!
عباده تقلا
التقيا للمرة الأولى قبل خمس سنوات، و تحديداً في أول حفل تعارف جامعي تدعى إليه و هي تبدأ خطوتها الأولى في تجربة الحياة الجامعية. تطورت العلاقة بينهما بأسرع مما توقعت، حاملة للطالبة المجدة، والصبية الهادئة ما يناقض كل ما كانت تسمعه من صديقاتها عن استحالة خوض التجربة العاطفية التي تحلم بها في سورية، كون المنغصات التي ستواجهها ستكون كفيلة بأن تتهاوى أمامها أجمل قصص الحب و أكثرها صبراً و عناداً.
كان يكبرها بأربع سنوات، متخرج حديثاً في كلية الاقتصاد، ومشبع بالكثير من الأحلام والطموحات.
كانت مبهورة بقدرته العجيبة على الرفع من شأن أدق تفاصيلها الحياتية، تلك التفاصيل التي اعتادت ألا يقيم لها الآخرون أي وزن يذكر، و رؤيته للحياة من زاوية يتصالح فيها الواقع مع الجنون بطريقة مدهشة، إضافة إلى الإيمان الذي غرسه في داخلها بأن عليها أن تعيش تجربتها الجامعية بكل ما فيها، وأن تحرص على خلق توازن بين التمتع بتلك اللحظات التي لا تتكرر، والمحافظة على تفوق دراسي كان يدرك أنه يشكل لها مصدر اعتزاز كبيراً.
لكن طالبة السنة الأولى في كلية الصيدلة كان عليها أن تحيا تلك العلاقة الاستثنائية بسرية تامة، وخاصة أمام أبويها اللذين بالكاد يمر يوم دون أن يأتيا تضميناً أو تصريحاً على شتم الطائفة التي ينتمي إليها ذلك الشاب، و رواية قصص عاشها أحدهما مع أحد أبناء تلك الطائفة تظهره و كأنه يتحدث عن أناس ينتمون إلى عالم آخر.
أخفت هداياه في أكثر الأماكن سرية، و خزنت رقمه في جهازها الخلوي باسم إحدى صديقاتها، و شاركته البحث عن أماكن لقاء يصعب أن يراهما فيها أحد من أفراد عائلتها، تلك العائلة التي يمتلك أي فرد من أبنائها تفويضاً كاملاً بالتدخل بشؤون غيره، وتقديم عرض كامل لما استطاع السطو عليه من خصوصياته في اجتماع العائلة الأسبوعي.
لكن الحرص لم يمنع ابن عمتها من رؤيتهما معاً، و هو ما أدى إلى شجار بينه وبين حبيبها، وعرضها لأيام طويلة من التحقيقات حتى اقتنع أهلها- أو هكذا اعتقدت- أنه زميلها في الجامعة، و أن الأمر لم يكن أكثر من مصادفة، و لكنه تركها مع كوابيس استمرت طويلاً..كانت ترى ابن عمتها وهو يشهر سكينه في وجه حبيبها استعداداً لطعنه، ثم تستيقظ غارقة في دموعها، ولا تجد عزاء لها إلا في إخبار صديقتها التي تدرس في كندا بكل تلك الهواجس:” ابن عمتي مجرم، مجرم حقيقي، و سيعد نفسه بطلاً إن هو نجح في إيذاء حبيبي، كما أن هناك عائلة بأسرها تبارك إجرامه…متأكدة أنه لن ينسى الأمر، لقد وجد ما يملأ به وقته الفارغ.”
– كثيراً ما كانت تتحدث مع حبيبها عن أمر القوانين النافذة، وتسأله عن تفاصيل تتعلق بإمكانية زواجهما بدون موافقة أهلها، أو عن قدرتها على السفر دون تدخل من أحد..كانت قلقة من تلك السلطة التي يمتلكها والدها المخلص لأفكاره المتخلفة، المريض والمهدد بالموت في أي لحظة، والذي يرغب بتزويجها من شاب يعجبه كي يطمئن عليها قبل مماته- على حد قوله-.
أما الأم فكانت تعدها ابنة عاقة كونها ترفض مشاركتها في تفاصيل حياتها،” كيف أشاركها خصوصياتي وهي التي سترى في علاقتي معك جريمة و سابقة خطيرة؟”
– كان يملك قدرة فائقة على طمأنتها، و يزرع في داخلها الأمل أن الأيام القادمة لا بد أن تحمل تطورات حقيقية، وتشهد ولادة قوانين عصرية تتيح لعلاقتهما الإعلان عن نفسها دون أي خوف…كانت تصدقه و تؤمن بما يقول.
لكن لحظة الانفجار الحقيقية كانت في تلك اللحظة التي قرأت فيها على أحد المواقع الالكترونية بعضاً من مواد ما سمي قانون الأحوال الشخصية الجديد!
بدت كالمجنونة وهي تتحدث معه، كانت تصرخ قائلة:” هل هذه هي القوانين العصرية التي كنت تعدني بها؟ هل أمضيت خمس سنوات في دراسة الصيدلة حتى يصدر قانون تشعرني مواده أنني لست أكثر من مطية لرجل ما؟”
حاول تهدئتها ولكن بدا أن لا متسع لأي هدوء،” هل ضاقت البلد بأهلها و تريد صرفهم عنها؟ إذا كان الأمر كذلك فسأرحل ولن أبقى هنا يوماً واحداً و إن لم أنجح فسأقتل نفسي….. ألم يخلقنا رب واحد في وطن واحد نتغنى يومياً بالحديث عن العيش المشترك فيه؟ كيف يمكننا أن نعيش معاً وهناك من يشعر أنه دون الآخر….اعذرني فلن أبقى هنا ما لم يتغير هذا القانون الذي سيعيدنا إلى عصور الظلام!”
عبثاً باءت محاولاته بتهدئتها، كان في داخله مؤمناً أنها على صواب، لذلك قرر أن يعبر عن رفضه لذلك القانون بأي طريقة ممكنة، ولم يكن اتصاله بي إلا إحدى تلك الطرق التي أراد من خلالها أن يوصل صوته و صوت من أحب إلى أصحاب الأمر….