قانون الأحوال الشخصية الجديد: لا للعلم نعم للجهل
هنادي زحلوط
عكس سير التاريخ، ومنافيا لبديهية أننا بحاجة للعلم لكي نمضي بوطننا إلى الأمام، يأتي مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ليحد من فرص تعليم المرأة عبر مواد متعددة، وليحدّ من حقّ أساسي من حقوق الإنسان وهو حق التعلم!
وإذا كانت المرأة تشكّل حوالي خمسين بالمائة من تعداد السكان، وهي شريك الرجل في الأسرة والعمل والتربية، فإن قوننة حرمانها من حقها في التعلم يشكل اعتداء على حق أساسي لنصف المجتمع، واعتداء غير مباشر، وبشكل لا يقل خطورة على حق الأجيال الآتية في أمومة أكثر وعيا ومعرفة!
فالمادة 45 من مشروع القانون تنص على أنه:
1-إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.
2-إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته.
علما أن التعليم إلزامي في سورية حتى إنهاء مرحلة التعليم الأساسي، أي حتى سن الخامسة عشرة على أقل تقدير، فإذا كانت الفتاة ستتزوج في سن الثالثة عشرة، أفلا يعني هذا أن القانون يجعل من شبه المحتم على الطفلة أن تترك المدرسة لتتصدى لأعباء الزواج وتكوين الأسرة وفي هذا العمر المبكر؟
إن تسرب الطفلات (كما الأطفال) هو واقع، وواقع مرير بأي حال، كما أن زواج الصغيرات مازال موجودا رغم نتائجه الكارثية التي تعاني منها الطفلة أولا، والأسرة كلها ثانيا، ولكن أن يشرعن قانون الأحوال الشخصية زواج الصغيرات بدل أن يضع العقوبات لمن يسهّل تسربهن من المدارس ويحرمهن من حقهن في التعليم فتلك كارثة حقا!
وليست الكارثة واقعة على رأسها الصغير فقط، ففي تلك البيئات الاجتماعية التي يكثر فيها زواج الصغيرات تكون سرعة إنجابها مطلبا للزوج وأسرته كما لأسرتها استجابة لثقافة تعتبر أن الإنجاب واجب أساسي يقع على عاتق المرأة، كما أن قيمة المرأة (كآلة إنجاب في هذه الثقافة) تزداد بإنجابها المزيد من الأطفال، وتكرّ المسبحة ليصبح أمام الطفلة أطفال عليها تربيتهم وتعليمهم، ولكن كيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟ وكيف لمن حرمت من حقها في التعليم، كما التربية السليمة، أن تمنح أطفالها أفضل تربية وأفضل تعليم؟
وتأتي المادة 44 في السياق ذاته إذ تورد أنه:
تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر.
ففي الوقت الذي توافق فيه سن الثامنة عشرة إنهاء المرحلة الثانوية، فإن زواج الفتاة في سن السابعة عشرة يعني حرمانها من إنهاء هذه المرحلة كما يجب بها بعد أن كادت تدرك ذلك!
ومما يعني أيضا أن القانون ذاته يدعم تمييزا وظلما إضافيا، وحرمانا لها من فرص إكمال تعليمها وإيجاد عمل مناسب، ويجعلها أكثر تبعية للرجل وأقل إمساكا بزمام مصيرها!
وتأتي المادة 140 لتكمل وضع حائط مسدود أمام المرأة التي تمكنت من اجتياز الحاجزين السابقين لتقول أنه:
يلزم الزوج بمتابعة نفقة التعليم لزوجته حتى نهاية المرحلة الجامعية إذا تزوجها وهي طالبة جامعية بحسب حاله يسراً، ما لم تتعارض مع واجباتها الأسرية.
وهذا يعني أن متابعة الزوجة لتعليمها الجامعي، بعد كل الجهد الذي تبذله في تحصيل علمها كما في الواجبات الأسرية والزوجية التي يلقيها المجتمع كاملة عليها، مرهون بإذن الزوج، فإن ارتأى أن ذلك يتعارض مع “واجباتها الأسرية” فإن ذلك سيكون بابا لشرعنة عقابها حتى تعلن توبتها وعودتها عن متابعة تعليمها!
ولم يذكر القانون بالطبع ما هي الواجبات الأسرية التي تقع على عاتق الزوج، فالقانون يعطيه حقوقها كلها، إما أن يمنحها إياها، أو يمنعها عنها، وله كامل الحق في ذلك!
إن في إلغاء هذا القانون حفظا لأبسط حقوق المرأة، كما الأسرة، وأهمها حقها في التعليم، مما يمنحها فرصة في المعرفة، وفي تأهيل أفضل، وفي فرص عمل هي بأمس الحاجة لها لتمكّن نفسها من الإمساك بمصيرها!
إن هذا القانون يحرم المرأة من أي فرصة في حياة أفضل، ومن أبسط حقوقها، فهل سيمرّ مهدّما حياتها؟