الحافز … ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
نزار صباغ
كل منا، في فترة ما، لسبب ما، تنتابه حالة من الرغبة بالانعزال… وبخاصة لمن يكون من الناشطين في الحقل العام بتسمياته المختلفة، ولمن يكون منهم متابعاً وراغباً نحو كل ما هو صحيح وإيجابي، ضمن مفهوم ثقافي ناهل من شتى معارف الحياة بكل تجديداتها المعرفية اليومية.
تلك الرغبة تمتد أو تقصر تبعاً لحالة القنوط النفسي التي تنتابه، وللقنوط كما هو معروف أسباب كثيرة إنما قد يكون أهمها اليأس من التناقض الكبير فيما يقوله البعض ويفعله واقعاً… حتى يحصل حدث ما يمكن له أن يكون حافزاً، تقمعه بعنف ثم تقمع غيره وغيره وغيره .. حتى تتكاثر تلك الحوافز اللعينة فتتمكن منك وتنهزم أمامها، وتعيد تكرار ما كنت تحاول الابتعاد عنه.
—————————————————-
توقفت ما يقرب السنتين عن الكتابة وعن الانغماس في كل ما يمكن تسميته نشاط اجتماعي، لأسباب متنوعة، كثير من الأحداث التي مرّت خلال الفترة، كنت أحاول فيها – وقد نجحت إلى حدّ ما – ألا أنغمس في الموضوعات وأن أبقى في حالة المراقبة الحيادية البعيدة، عسى وعلّ أجد تطابقاً بين ما يُقال ويُنَفَّذْ… حاصراً اهتمامي في عموم المجالات الداخلية فقط.
كنت أحاول المتابعة محاولاً إبعاد كل ما هو تحليلٌ لحدث ما وانتقاد له، والتصرف كما يفعل الكثير ممن أعرف، محملاً الجزء الكبير من البطء أو التطوير إلى الشعب بشكل عام، مبتعداً عن كل دراسة نقدية أو مقال لأحد “المغرضين” أو حديث جانبي “مشبوه” أو انتقادات حول اقتصاد السوق الاجتماعي أو حول رفع الدعم أو قرارت وزارة الإدارة المحلية والبيئة أو موضوع الترخيص الإداري أو الأخطاء الطبية القاتلة .. إلخ . معتبراً أن “الحق على الناس” وأشكر الله وأحمده الذي لا يحمد على مكروه سواه، وأواسي نفسي بأن ذلك قضاء الله وقدره ولا مهرب من قضاء الله، وأنه سبحانه يمتحننا نحن عباده الصالحين…
وكنت بالحقيقة مرتاحاً بعض الشيء، أتابع المسلسلات التركية المدبلجة، ومسلسلات التراث العظيمة، وأفلام الآكشن والخيال العلمي إلى ما هنالك من تسميات، وأتابع روبي وهيفا …. وأخبار الساعة الخامسة والنصف في محطتنا التلفازية الأرضية، وبرامج اللقاءات مع المسؤولين المحليين، وبرامج الشبيبة والطلائع وغيرها، حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة من الإطلاع بحيث أعرف من هو مقدم أو مقدمة البرنامج أو الضيف بمجرد سماعي الصوت .. عدا عن البث الإذاعي الرسمي على راديو الترانزيستور في مكتبي ..
وكنت أرتاح نفسياً بعض الشيء لما أراه واسمعه وبخاصة تلك الحالة من الثقة التي يهبنا إياها مسؤولونا المحليون خلال اللقاءات والتصريحات، وأشعر بأننا مركز الكون ولا أقل من ذلك… وكنت أشكر الحكومة على عطاياها حتى الهواء الذي نتنفس رغم تلوثه، راميا السبب على المؤامرات الهادفة إلى إضعافنا، واضعاً أمامي أننا خير أمة أخرجت للناس.
———————————————————
إنما…. ضربني حافز لعين كان السبب في المساواة بين الكفتين بعد كمّ كبير من التراكم، حين طلب أحد أصدقائي أن أكتب موضوعاً عن البيئة لنشره في مجلة محلية نصف شهرية، فكتبت تحت عنوان “المجتمع والبيئة” وضعت فيه وجهة نظري، اقترح صديقي أن أحذف مقطعاً قدمت فيه اقتباساً عن دراسة لأهم /500/ جامعة في العالم ولا وجود لأي جامعة عربية بينها، ومقطعاً يقدم اقتباساً عن خلاصة المستوى الثقافي للشعوب العربية وعديد الصفحات التي يقرأها العربي في السنة وأكثر الكتب طباعة في العالم العربي، ومقطعاً يقدم موجزاً عن خلاصة المؤتمر السكاني في سوريا وما يمكن أن يتسبب فيه لدينا مستقبلاً طفلاً جديداً كل 68 ثانية، ولأني من الشعب المطيع الصالح ويهمني جداً “الصالح العام” قمت بحذف فقرة الجامعات فقط حرصاً على المصلحة العربية … ورغم ذلك تبلغت الرفض بنشر المقال، فقدمته إلى موقع كلنا شركاء في الوطن الذي نشره مشكوراً، ذلك دون أن أعيد كتابة ما كنت حذفت.
أما ذاك الحافز اللعين الذي تسبب في “طبش” الكفة، فقد كان مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد “التقدم إلى الخلف”، كتبت فيه ما كتبت وطالبت فيه بما طالبت، ثم ندمت …..
ندمت وتأسفت لأن الظلمة جيدة بل ممتازة، إنها تجعلنا ننغمس بشكل جاد في مسلسلات الفاتنازيا والدراما التاريخية التي عممناها ودعمناها بشكل فاق توقع من أوحى بها، بحيث تكاد تجعلنا نعيش واقعاً نسمع كثيراً أنه كان أفضل من الواقع الحالي، وستجعلنا فيما بعد ننام باكراً ونستيقظ باكراً وننعم بصحة جيدة، ونقنع بما هو متاح لنا في الحياة دون تعقيدات الطموح الوهمية، إضافة إلى ما يمكن أن يتحقق للدولة من توفير كبير في استهلاك الكهرباء ولما يمكن أن يقدمه ذلك من فرص عمل للكثير في صناعة الشموع أو القناديل ذات الطابع الأثري، ولما يمكن أن تستقدمه من وفود سياحية متزايدة العدد وما سيقدمه ذلك للنتائج الوطني باعتبار السياحة صناعة مهمة من مشتملات اقتصادنا الوطني، إلى ما هنالك من احتمالات رائعة نستفيد منها جميعا نحن الشعب (لا المواطنين) لأن راحتنا من راحة أولى الأمر علينا….
إنما تحرك ذاك الحافز اللعين مجدداً.
———————————————-
حاولت العودة إلى ما كنت سمعته من محطتنا التلفازية الرسمية عن السيد مفتي الجمهورية في لقاءاته مع الوفود الأجنبية، وعما أورده موقع “سيريا نيوز” ونوبلز نيوز” و”شام برس” .. وقارنته مع مشروع القانون وخلصت إلى أربعة نتائج مذهلة:
أولاهما أن “الرحابنة” كانوا ذوي بصيرة متقدمة بشكل كبير أو أنهم من كوكب آخر متقدم عنا كثيراً أو أن هناك من “الجان” من يمدهم بمعلومات مستقبلية، لأنهم خرجوا بأغنية ” ما في حدا لا تندهي ما في حدا”.
والثانية أن السيد مفتي الجمهورية في واد والكثير ممن في مراكز المسؤولية ويتبعون لإدارته في واد آخر.
والثالثة أن مسؤولينا المحليين يكذبون علينا.
والرابعة أن اختيار الموظفين في المرتبات الوظيفية الوسطى والصغيرة يتم على أسس ومعايير غبر صحيحة.
استبعدت الثالثة مباشرة لأسباب كثيرة، ثم الرابعة لأنها مرتبط بالثالثة، ثم الثانية لأنه مرتبط بالثالثة، ثم حذفت المعنى من أغنية “الرحابنة” من الأولى وأبقيت على أنهم متميزون بطريقة ما.
لكن ذاك الحافز اللعين صعقني مجدداً، لم لا نكون نحن أيضاً متميزون …؟ أم أننا كذلك ….؟
————————————————-
إننا نعلم الكثير، ولا يمكن إيقاف عجلة التطور والتغيير، وكل من هو جامد ثابت هو خارج نطاق الحياة المتجددة دائماً، ونحن لا نقبل أن نكون خارج الحياة.
إنما ما هو الواقع..؟ ولم هذا التراجع إلى الخلف..؟ ولم تكثر القيود حول المرأة..؟ ولم التشبث بالماضي وكأن لا تطور وتقدم إلا بالعودة له ؟ … ولم الابتعاد عن وجوب التطوير الحتمي في المفاهيم والموروثات الدينية التي تسبب هذا الوضع من التراجع الفكري والثقافي والمعرفي ..؟ ولم هذا التأثير المتزايد للتيارات الدينية ..؟
هل أن “الزغاليل” – من زغلول النجار – ومن لف لفهم يستطيعون تصنيع آلة لصناعة الإبر بعيدة كل البعد عن الآلات التقليدية التي صنعها الغرب الكافر ذي الأخلاق والقيم المنحطة كما يصفونه ..؟ هل أنهم يستطيعون الابتعاد عن استخدام الكهرباء ووسائل الحياة التي نعيش اليوم ..؟ هل أن عقولهم من الحدود بشكل لا يستطيعون فيه الخروج عن اجتهادات من سبقهم بعشرات مئات السنين ..؟
هل هذا هو الدين …؟ أم أنه وسيلة مثلى من وسائل التحكم بالمجموع باسم الدين ..؟ وباسم المفهوم الديني ..؟
منذ شهر ونيّف قرأت خبراً بأن هناك شركة استرالية اخترعت جهازاً يوفر في استهلاك الماء اللازم للوضوء وكما هي موجبات الوضوء، وقد حصلت على آلاف الطلبات لشرائه .. مجرد خبر لا نعلم صحته من عدمها يقدم فكرة واضحة جداً عن كيفية استخدام العقل، العقل الذي استخدمه الغير للانتفاع المادي من أعدادا هائلة من البشر بسبب إيقاف عقلها عن العمل، كما هو الحال في المنتج الشرق آسيوي الذي ورد بلادنا حيث نسمع آية من الذكر الحكيم عند إدارة مفتاح تشغيل المركبات الآلية “سبحان من سخر لنا هذا” وبالفعل سبحانه الذي وضع العقل في عموم خلائقه من الناس منهم من استفاد منه باستعماله ومنهم من عطله بوضعه حواجز أمام استخدامه.
تفسيرات القرآن الكريم متعددة بتعدد المجتهدين وفقاً لما يحملوه من معلومات دينية وثقافية ونحوية في حينه، وكذلك المذاهب الدينية المختلفة، وكلها كانت من العقل…. العقل الذي استخدمه الأولون دون حواجز ثم وضعها اللاحقون لهم مباشرة واللاحقون اللاحقون والتابعون التابعون وحتى وقتنا هذا.
أهذا هو التميّز …؟
———————————————-
آيات ثلاثة وردت حول الخمر، الأولى “لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون” ووردت نتيجة لحادثة معينة شهيرة، والثانية حملت تنبيهاً بأن مضار الخمر أكثر من منافعه، أما الثالثة التي يعتبرها الكثير الحد الفاصل في وجوب تحريم شرب الخمر فكانت “إن الخمر والميسر والأزلام والأنصاب رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟”
الآيات الثلاث واضحة، تخاطب مجتمعاً معتاداً على تناول الخمر وألعاب الميسر والقمار بشكل شبه يومي، ومن يعود إلى كتب التاريخ وبدايات الإسلام والفترات المتعددة من الحكم الأموي والعباسي وما بعدهما وبعد بعدهما … يمكنه التأكد من ذلك.
الآية الأولى طلبت الابتعاد عن الصلاة في حالة السكر، والسكر نتيجة للإكثار من تناول الخمر كما هو معروف، والآية الثانية أوضحت أن مضار الخمر أكثر من فوائده تنبيهاً وتأكيداً لعدم الغلو والإكثار من تناول الخمر حيطة من الوقوع في حالة السكر بما تسببه من ضرر، والآية الثالثة توضح صراحة أن الغلو والإكثار في تناول الخمر وألعاب القمار يفقد الإنسان وعيه وقد يسبب العداوة بين المنغمسين بهما نتيجة للسكر أو الخسارة وقد يسبب الانجرار فيما لا تحمد عقباه ويجعله مبتعداً عن الإحساس بمرور الوقت ….
اجتهد بعض الأقدمون وافتوا بتحريمها استناداً إلى الآيات الكريمة الثلاثة وفقاً لرأيهم، إنما كان ذلك لحوادث فردية وقعت بسبب الإكثار في تناول الخمر، ونعلم أنه من غير الممكن أن نعمم الفردي على المجموع، أو أن تكون مصلحة الفرد تطغى على المجموع …
لم تحرّم الآيات الثلاث تناول الخمر لأن آيات التحريم والتحليل في القرآن الكريم واضحة وضوح الشمس وتبدأ بكلمات محددة، إنما الفكر الديني المتشدد ذي الخلفيات المعروفة تسبب في مجتمعنا بحالة متزايدة من إيقاف تقديم الخمور في الأماكن العامة تطبيقاً لمفهوم ديني، وبازدياد كبير في تناولها خفية عن الأعين وبشكل سريع يؤدي إلى حالة السكر.
أتعلمون لم الازدياد في طلب مشروب الـ “جن” ..؟ لأنه من الممكن جداً مزجه مع المشروبات الغازية أو العصائر الطبيعية بأنواعها في الأماكن العامة التي تمنع تقديم المشروبات الروحية وتناولها بشكل علني لأنها لا تصدر الروائح الكحولية، وكذلك الحال بمشروب ال “سكوتش” وغيره.
أيعتقدون أن ما من أحد يتناول المشروبات الروحية في الأماكن العامة التي تمنع تقديمها ؟… وما هو الأفضل؟ الرادع النفسي الأخلاقي الاجتماعي القيمي الإنساني من الإكثار من تناول المشروبات الروحية أم المنع والرادع التجبيري ..؟
والتساؤل الذي يفرض نفسه، من هو المستهلك الرئيس في مجتمعاتنا للمشروبات الروحية؟ ليسأل من لا يعرف أو يدعي الجهل، وليسأل أصحاب محلات بيع تلك المشروبات فيحصل على الجواب.
ثم، ما هذا التناقض في الموضوعات السياحية، كيف يدّعي البعض الكثير تشجيعه للجانب السياحي وهو يهدم ما يرغبه السائح بعد يوم طويل من الجولات “السياحية” …؟ إن السائح القادم إلينا يرغب بالترفيه عن نفسه رقصاً وغناءً ومشروبات كما يعمل الكثير عندنا في البلاد التي “يسوحون فيها”.. لكنهم يسوحون فيها سراً وليس علانية ، ويقومون عندنا بتقويض جانب أساسي من جوانب الحياة الإنسانية نتيجة لفهم منغلق قاصر ومتخلف ..
أخشى ما أخشاه أن يتم منع الرقص والغناء فيما بعد والاقتصار على الموشحات الدينية بإيقاعات غنائية راقصة .. بالمناسبة، ما معنى الرقص بين الجنس الذكوري عندما تصدح الحناجر بالموشحات الدينية وترتفع أصوات الموسيقا في احتفالات عقد القران – أم هي النكاح – الذكورية، ولم الرقص بين الجنس الواحد أساساً، أليس الرقص وسيلة من وسائل الرغبة الجنسية كما يقولون، أليس هو مثيراً للرغبات الجسدية والجنسية .. ؟ ثم، هل أن المشاركين كانوا يتناولون المشروبات الروحية بشكل سري …؟
الموضوع أخلاقي أساساً، والمجتمع المتحضر ليس بحاجة إلى قانون لمنع تناول المشروبات الروحية لأن الوصول إلى حالة السكر أساساً ليس بالحضاري… والمجتمع الحضاري ليس بحاجة إلى السرية بل أنه يرفضها تماماً لأنه مؤمن بالوضوح و”الشفافية” … فهل أن مجتمعنا حضاري كما يقولون أم هو العكس ..؟
والمجتمع الحضاري يستخدم العقل ويؤمن بحتمية التطور ويؤمن أن ما كان صالحاً في الماضي لا يمكن له إطلاقاً أن يصلح للحاضر .. وإلا فعليه الابتعاد عن كل مظاهر الحضارة لأنها غواية وضلالة، وعليه العودة إلى العيش بما يعتقده ويحمله من أفكار وليكن ذلك بداية بالاقتصار في التنقلات على “الدابات” الأرضية الطبيعية كالحمير والجمال، والتوقف عن استخدام الهواتف والكهرباء… وعليه كذلك محاربة الأعداء بالسيوف والرماح وكرات البارود لا البنادق والطائرات.
الحضارة كلٌّ متكامل لا يمكن أن نكون حضاريين في شيء ومتخلفين ورجعيين في شيءٍ آخر …
أم أننا مميزون ….؟
———————————-
واستطراداً، ألا نستطيع الاجتهاد، وبالعقل…؟ نعلم تماماً أن من اجتهد وأخطأ له أجر ومن أصاب فله أجران …
سورة المائدة في القرآن الكريم، التي تحمل التحليل والتحريم والتي تبدأ بمخاطبة جموع المؤمنين والمؤمنات بقولها: “يا أيها الذين آمنوا” وليس الذكور أو الإناث فقط لأنها استخدمت صيغة الجمع وليس المفرد بالتخصيص لأحد محدد،… تبلّغ جمهور المؤمنين والمؤمنات في الآية الخامسة منها “اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبل …” ، وهذه الآية تحمل عطفاً متبادلاً، عادياً ومتأخراً .
بدأت الآية بمخاطبة جميع المؤمنين والمؤمنات وأبلغت بأنهم يستطيعون – الذين آمنوا – تناول طعام الذين أوتوا الكتاب فإنه غير محرّم عليهم ويستطيع أهل الكتاب تناول طعامهم – الذين – لأنه غير محرم عليهم كذلك، كما ورد في كتب التفسير المختلفة ..
أما عن جملة “المحصنات من المؤمنات” فهي جملة معطوفة بحرف العطف “و” على ما سبقها مباشرة أي “حلّ لهم” ، و”لهم” تعني أهل الكتاب كما هو واضح تماماً من الآية، أي أن الذكور من أهل الكتاب يستطيعون التزاوج من إناث “الذين آمنوا” بقولها صراحة: “وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات”، وهذا ما أهملته بعض كتب التفاسير أو قام بعضها بإعراب الجملة نحوياً أو قام بعضها بشرح كلمة المحصنات فقط، أو قام بعضها بتجاهل الجملة واعتبر أن ما من مجال لمناقشته في ذلك….
أما الجملة التي وراءها مباشرة “والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبل” فإنها معطوفة بداهة على جملة “طعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم” وهذا ما يسمى بالعطف المتأخر.
أي أنه يحق لأبناء المجتمع الواحد التزاوج فيما بينهم دون حصر أو تحديد بمفهوم سياسي أو مصلحي… وإن رغب البعض بالاستزادة فعليه العودة إلى كتب التاريخ والدراسات التاريخية، فإنه يستطيع بذلك من تفهم ماهيّة الوضع السياسي والمصالح التي كانت حين الاجتهاد بالتفسير، وما هو المستوى المعرفي والثقافي ومدى الاحتكاك مع الغير في حينه.
لو أراد الله تعالى لأبلغها واضحة صريحة، أو لأباد كل من هو “ليس بمؤمن” كما أباد قوم عاد وثمود ولوط …. فهل من قام بالتفاسير أبلغ من الله أو أنه أعلم ؟؟ … محال .
أم أننا مميزون ….؟
————————————————————
واستطراداً، من هم المسلمون …؟ أهم الذين تبعوا الرسول العربي محمد في دعوته فقط أم كل من آمن بالله واسلم وجهه له ..؟ لم أطلق القرآن على الذين اتبعوا الهداية صفة “المؤمنين” أو “المؤمنات” أو “الذين آمنوا” ولِمَ لَمْ يسمهم صراحة بأنهم هم فقط المسلمون ..؟ وهل أن الذين يعبدون الله غير “المؤمنين والمؤمنات” ليسوا بمسلمين ولا يعرفون الله …؟
ذكر الباحث السيد “أنيس محمد صالح” في دراسة مشوقة له بعنوان “ما معنى الاسلام في كتاب الله جل جلاله” رأي يعتقده الكثيرون صائباً تماماً، ومنه أقتبس :
(((( التوراة هي رسالة سماوية كلف الله بها سيدنا موسى (عليه السلام) وهي تقوم على الإسلام (التوحيد) وعلى ملة أبينا إبراهيم، والإنجيل الكريم هي رسالة سماوية كلف الله بها سيدنا عيسى (عليه السلام) وهي تقوم على الإسلام (التوحيد) وعلى ملة أبينا إبراهيم، والقرآن الكريم هي رسالة سماوية كلف الله بها سيدنا محمد (عليه السلام) وهي تقوم على الإسلام (التوحيد) وعلى ملة أبينا إبراهيم.
أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ …آل عمران
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ … الأنعام
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ … آل عمران
…………………………………………….
فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ … آل عمران
في تدبرنا للآية الكريمة أعلاه ، فالدَين يعني (دين الله)، ودين الله يعني (الرسالات السماوية المُنزلة من عند الله وحده لا شريك له .. وهي الرسالات السماوية الثلاث … التوراة والإنجيل والقرآن) وهي كلها جميعها تدعوا إلى الإسلام (التوحيد). إن موسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام) كلهم بلغوا رسالات ربهم القائمة على الإسلام (التوحيد لله وحده لا شريك له – للعبادة والإستعانة بتشريعات الله والتوكُل على الله وحده لا شريك له).
(إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ … التغابن
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا … المزمل
رب المشرق والمغرب لا إله الا هو فاتخذه وكيلا … المزمل
……………………………………
أنزلت الرسالات السماوية ليسلم الإنسان وجهه خالصا لوجه الله (إيمانا واحتسابا بالعمل الصالح) إرضاءا لوجه الله وحده لا شريك له
إن الإنسان وقد ميزه الله جل جلاله على جميع خلقه المُسلمة في السموات والأرض بالاختيار بين الخير والشر … بالاختيار بين الإيمان والكُفر… وكلها بالعقل والفكر والتدبُر في آيات الذكر في الرسالات السماوية… بمعنى آخر إن الإنسان يكفر بعد إسلامه ويكفر بعد إيمانه.. فالعلاقة بين الإيمان والكُفر هي مقرونة تحديدا بالإنسان نفسه، فستجد إن من أمم اليهود والنصارى والأميون (الأميون دلالة على أمم غير أمم اليهود والنصارى) … منهم المسلم المؤمن (الموحد إيمانا واحتسابا) ومنهم المسلم الكافر (المشرك المُنكر الكافر) .. ولهذا أنزلت الرسالات السماوية ليسلم الإنسان وجهه خالصا لوجه الله (إيمانا واحتسابا بالعمل الصالح) إرضاءا لوجه الله وحده لا شريك له ليفوز بالجنة من أمم الجن والإنس وما عدى ذلك فمأواهم جهنم وبئس المصير… وهذا ينطبق علينا جميعا
…………………………………………
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ … البقرة
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ … البقرة
وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ… لقمان
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ … المائدة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ َ .. الصف
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ … آل عمران
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ … فصلت
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ … يوسف
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ … يونس
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ … يونس
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ… يونس
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ … النمل
أَلَّا تَعْلُو عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ … النمل
قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ … النمل
فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ … النمل
قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ … النمل
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ … العنكبوت
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً … النساء
وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً … النساء
قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ … الأنعام
قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ … الأنعام
ولكون رسالاتهم السماوية هي قائمة على الإسلام لوجه الله جل جلاله أصلا، ولا تختلف عن القرآن الكريم كرسالة سماوية، وإلهنا وإلههم واحد.. وربنا وربهم واحد، ورسلهم وأنبياؤهم جميعهم مسلمون لله!!! والله جل جلاله أرتضى لكل منا دينا لنتبعه (شرعة ومنهاجا – كلٌ على دين الله جل جلاله -) وأمرنا الله جل جلاله بأن هذه أديان الله جل جلاله في الأرض، وأمرنا كذلك بأن لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي.
“وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ”
………………………………………….
ووجدت أن بعضا ممن يدعون الفقه الإسلامي يستشهدون بأقوال نقلت إلينا ونسبت إلى رسولنا ونبينا سيدنا محمد وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام) منذ أكثر من (1200 سنة) دونما تأكيد لمصادرها البشرية!!! أكثر من استشهادهم بأصل كل التشريعات والعلوم (القرآن الكريم)… فقد توقفوا عن الاجتهاد والبحث والدراسة والتفسير لعلوم الله جل جلاله في القرآن الكريم… وجمدوا الاجتهاد وتبلدت عقول الناس على فهم وتدبُر هذا القرآن العظيم من خالق عظيم… مما ساهم وساعد في تأخرنا… وتخلفنا عن مواكبة علوم الله جل جلاله في السموات والأرض… بل وتبلدت وتجمدت لدينا قلوبنا… لنفقه بها وأعيننا لنبصر بها وآذاننا لنسمع بها… وتبلدت وتجمدت معها جميع مراكز الفقه والبحث والدراسات في جميع العلوم الحياتية… الشرعية والفقهية والطبية والفلكية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من المتطلبات واستحقاقات التدبر والبحث والتفكُر والعلوم والاستكشافات والتذكر والتفقه… وارتضينا بأن نعيش كالأنعام… بل أضل من البهائم والحيوانات الضالة (للأسف الشديد)!!! ونحن ننظر من حولنا ما وصل إليه أهل الكتاب في شتى علوم الله جل جلاله في السماوات والأرض.
………………………………………..
واعتقدنا خطأ بأننا على الصراط المستقيم… وأصبحنا نختلف على تفاهات الأمور الحياتية… ما يكشف عن هويتنا المفرغة كليا من أي علوم… وبينا للعالم من حولنا بأن لدينا قدرات هائلة على اختلاق الاختلافات العميقة فيما بيننا والتبريرات والحجج الواهية الضعيفة… من خلال ألسنتنا الطويلة… وغياب كلي عن تسخير ما سخر الله جل جلاله لنا من قلوب وعقول وحكمة وإيمان وتأريخ!!!
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى … طه
……………………………………..
لقد كان لنا تاريخ مشرف… عندما اجتهد العلماء الأفاضل قديما في عصرهم (وجزاهم الله خيرا) اجتهدوا في كل العلوم الفقهية والفلكية والطبية والاستكشاف والأبحاث والدراسات… وغيرها من العلوم التي لا زالت آثارها حتى يومنا هذا!!! وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة الإيمان لدى الأقدمين من المسلمين، لأن الله جل جلاله أرادنا أن نستخدم عقولنا وقلوبنا والتبصر بما حولنا من علوم عظيمة من خالق عليم قدير، وان نتدبر بما سخر الله جل جلاله لنا من حواس وقدرات وإمكانات لنقوي من خلالها الإيمان وعند من فيهم ريب أو شك بالله جل جلاله.
وأصبح إيماننا اليوم (للأسف الشديد) ضعيفا… واكتفينا نحن بما عمله علماؤنا الأقدمون… وتبلدنا وتجمدنا نحن عن متابعة واستكشاف ما سخر الله جل جلاله لنا من علوم… وأصبحنا حضارة القديم… لا زلنا نعيش في العام 600 ميلادية!!! ولم نتزحزح منه، وتلهينا في أمور الحياة الروتينية البدائية… وارتضينا بما نحن عليه ندعي العلم فقط (علم ما قبل 1200 سنة!!!)، وأصبحنا ليس أكثر من بلداء جامدين مُستهلكين… لا نختلف كثيرا عما خلق الله جل جلاله لنا من أنعام… بل أضل سبيلا!!!
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ … آل عمران
………………………………………
ناهيك عن معظم كُتب التفسير والتي كتبت قبل حوالى (1200 سنة) إثر حروب طاحنة وتاريخ كتبت حروفه بالدماء!!! وتحول الناس حينها إلى طوائف متناحرة ومذاهب وشيَع!!! ووجدت فيها الكثير والكثير من الأقوال، نسبت باطلا إلى الرسول والنبي سيدنا محمد وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام) بعد موته بفترة لا تقل عن مائتي عام!!! وتتعارض تعارضا واضحا وتتناقض تناقضا تاما مع نص وروح وجوهر ومضمون القرآن الكريم!!!
مُعظم كُتُب التفسير لم تتجدد حتى يومنا هذا… بالرغم من تغير الزمان وظهور معجزات كثيرة فسرت وصححت ما قبلها من التفسيرات!!! بل اُعتبر التجديد والاجتهاد والتذكر والتدبر والتفكر هي من الممنوعات وكأنها من المحرمات (موضوع عليها خطٌ أحمر ) ؟؟؟ في تناقض واضح لأوامر الله جل جلاله والقائمة على الاجتهاد والتفكُر والتعقُل والتدبُر لآيات الله في القرآن العظيم!!!
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً …النساء
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا …. محمد
…………………………………….
ويختلط على الناس هذه الأيام مفهوم الإسلام القائم على اجتهادات البشر من واقع ما تعلمناه خطأً منذ نعومة أظفارنا ومن خلال ما خطه البشر بأيديهم حول مصادر بشرية مجهولة لدينا!!! وبين مفهوم الإسلام الفعلي الحقيقي، من واقع كتاب الله جل جلاله ومصدر كل التشريعات والدساتير والأُصول والفقه والعلوم (القرآن الكريم).
بحيث أختلط مفهوم الإسلام بمفهوم الإيمان!!! بحيث لم نعد قادرين على التمييز بينهما في حياتنا اليومية!!! عندما وجدت أنه حددت خمسة أركان للإسلام!!! وستة أركان للإيمان!!! وكلها تتعارض تعارضا كاملا وتتناقض تناقضا كاملا مع مفهوم الإسلام والإيمان في القرآن الكريم!!!
………………………………………
لقد وجدت أن خاتم الرُسُل والأنبياء سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) جاء مصدقا للرسالات والرُسُل والأنبياء ممن سبقوه (عليهم الصلاة والسلام) والذين هم جميعا مسلمون، والعلاقة القائمة على التصديق لمن سبقوه وبأنه أول المسلمين.. وبين الإيمان بالقلب وبالغيب… تصديقا وعملا صالحا، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالغيب والتسارع في الخيرات، وغيرها من السلوكات والمعاملات النابعة من إسلام المرء خالصا لوجه ربه الأعلى، إيمانا بالقلب وتصديقا بالعمل.
لقوله تعالى:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ … المائدة
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ … المائدة
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ … المائدة
لقد وجدت للأسف الشديد الكثير من الخلط واللبس والإقصاء للآخر من أهل الكتاب (أمم اليهود والنصارى) وكثير من التعاليم والدراسات والتفسيرات البشرية العدوانية والقائمة على ما هو متعارض ومتناقض مع روح وجوهر ومضمون كتاب الله جل جلاله (القرآن الكريم)!!!
وقد لاحظت أن حال الأمة الإسلامية اليوم من قوم سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) من الأعراب والأميين في القرى والبلدان المحيطة بها، وما وصلنا إليه من أوضاع مزرية مقيتة، وبالمقارنة مع ما وصل إليه أهل الكتاب من (اُمم اليهود والنصارى) وكيف أنهم وصلوا إلى ما هم فيه اليوم من علوم وتقنيات وعدالات اجتماعية وحريات ووحدة أراضيهم وقيمة حقيقية للإنسان عندهم… بالإضافة إلى الغنى والتكافل الاجتماعي… وما وصلوا إليه من علوم الإنسان والفضاء (نتيجة إتباعهم لكتب الله جل جلاله السماوية)!!! وكيف أن الحاكم والمحكوم هم أمام القضاء سواسية!!! وكيف أن الحاكم عندهم يقوم على أساس الشورى والانتخاب الشعبي للأفضل ووجود برلمانات وشورى حقيقية (وهي ما تُعرف اليوم بالديمقراطية وحقوق الإنسان) وهي مأخوذة من تعاليم كُتب الله جل جلاله السماوية.. التوراة الكريم والإنجيل الكريم..!!!
بالإضافة إلى ما يمتلكون من مقومات القوة الضاربة في الأرض والتي تجوب بحار ومحيطات العالم!!! ما يؤكد كل السلوكات والمعاملات التي أوصانا وأمرنا الله جل جلاله بإتباعها وبالقيام بها من خلال الإسلام الحقيقي… وتعاليم الكتاب الحكيم (القرآن الكريم)…
ولو أتبعنا (القرآن الكريم ـ الدستور الإلهي المنزَل بالوحي على الرسول) لامتلكنا من مقومات البأس والقوة ما يمكننا من ملاحقة ركب الحضارات القديمة الجديدة!!!
ولكننا آثرنا على البقاء على ذكرى حضارة قديمة… ونسينا أن الدين الإسلامي متحرك وجمدناه نحن… وبقيت حياتنا ومعيشتنا كلها… مربوطة بفترات الجاهلية الأولى!!! ولا زلنا لم نبارح العام (600 ميلادية) حتى اليوم!!! وارتضينا بأن يقرر مصائرنا (الملوك والحُكام والمشايخ الطغاة) أهل الجهل والتخلف والعدوان والإقصاء للآخرين!!! وعن طريق أولئك الحكام الطغاة… الذين آثروا إلا أن نعيش هكذا… نتيجة خروجهم عن منهج وأوامر الله جل جلاله في القرآن الكريم (كمصدر رئيسي للتشريعات) القائم على الشورى بين الناس (الديمقراطية وحقوق الإنسان – وهي من أصل كُتب الله جل جلاله السماوية -)!!!
……………………………………
( إياك نعبد وإياك نستعين ) الفاتحة
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ … التغابن
واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا … المزمل
رب المشرق والمغرب لا إله الا هو فاتخذه وكيلا … المزمل
ويعني: (التسليم أو التوحيد لله جل جلاله والاستعانة والتوكل عليه وحده لا شريك له).
والمؤمن هو بالضرورة مسلم… أما المسلم فليس بالضرورة مؤمن.
فالخلاصة هنا جلية واضحة…
وهي أن جميع أهل الكتب السماوية (أهل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن) هم أهل أديان سماوية شرعها وسنها الله جل جلاله في الأرض، وهم جميعا كلهم مسلمون… بمن فيهم اُمم اليهود والنصارى… دونما إقصاء أو استثناء للآخر… ودونما إكراه في الدين.
أما فيما يخص الإيمان… فأهل الكتب السماوية (أهل التوراة والإنجيل والزبور والقرآن) منهم المؤمن… ومنهم الكافر… بمن فيهم نحن….
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ….
أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا … النساء ))))) انتهى الاقتباس
ملاحظة: محركات البحث موجودة لمن يرغب
——————————————-
العقل مفتاح التطور، والتطور حقيقة إنسانية، والنور خير من الظلام .
الكلمة الأولى من الآية الأولى من السورة الأولى في القرآن الكريم هي “اقرأ” …. إنها فعل أمر تحض وتحث على التعلم، على التطور، على التقدم لا على الجمود، على التطور لا على التخلف.
فمن يدعي التديّن والعلم والتبصر في علوم الدين، عليه أولاً أن يفهم حقيقة الدين، وأن يعمل عقله ويطوره وإلا كان لا عقل له…..
ومن يتنطح لتقديم قانون جديد للأحوال الشخصية عليه أن يكون ذا فكر متقدم ومتطور، وأن يعمل بما يقوله بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان بانفتاحه وتطوره واستباقه كل تطور في الحياة والمدارك والمعارف، لا أن يهدم ما يقول … ومن يقول أن الإسلام لخير ومصلحة الإنسان والإنسانية فعليه التطبيق لذلك فعلاً وعملاً لا العكس بتقديمه مشروعاً قانونياً يمس بحياة كل إنسان في سوريا ومتعارضاً تماماً مع حقوق الإنسان.
ومن يؤكد أن الإسلام قد كرّم المرأة فهل ذاك هو التكريم الذي أدرجه المشروع ضمن بنوده …؟ هل توجد كلمة “موطوءة” في القرآن الكريم ؟….
الله أكبر الجميع، ويحتضن الجميع، وأقوى الجميع… والوطن كبير، يسع الجميع … والمرأة الأم كذلك لأسرتها كبيرها وصغيرها.
لا يمكن اختزال شمولية الله في الذات المفردة، أو الوطن في فكر وعقل منغلق، أو المرأة الأم في فكر وعقل متخلف… ولا يمكن القبول بسماحة الدين بوجود من يهدّم ويحطّم ويفرّق ويذلّ ويخرّب وجود وحياة واستمرارية ونهضة وتطور الوطن والمواطنين باسم الدين…. فالدين لله والوطن للجميع.
والزمن متغير ومتبدل باستمرار، تختلف فيه المفاهيم وتتطور بمسير الزمن وتطور الحياة وتجددها، ويتطور بمسيرها العقل نحو الأفضل.. لا يمكن لأي مجتمع كان البقاء بحالة السكون والكمون لأنه يصبح كالمستنقع، مجتمعاً آسناً راكداً ضاراً لا حياة فيه… وعلى الجميع اتخاذ القرار الصحيح والمشاركة فيه بالعقل، فالمستقبل أمامنا، وهو مستقبل أبنائنا ووطننا …. إما أن نهدم أو أن نبني، ولا خيار آخر .
فالتميز وكيفيته وموضوعه، خيار إنساني بشري… وهو خيارنا ومسؤوليتنا نحن جميعاً… وبالعقل.
من الذي نخاطب ..؟ أنفسنا أمن من نريد منه أن يعمل عقله …؟ هل من مجيب أم أنه الرأي القائل:
قد كنت أفلحت لو ناديت حيا ****** ولكن لا حياة لمن تنادي
لو نارٌ نفخت فيها أضاءت **** ولكن أنت تنفخ في رماد
خيارات ثلاثة: الرحيل، الخنوع، المقاومة …… وبالنسبة لي فقد اخترت المقاومة.
——————————————-
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ****** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
تباً لعلماء الجهالة … وتباً لذاك الحافز ….
وتصبحون على وطن
21/6/2009 نزار صباغ