البركان الإيراني في مواجهة مدافع آية الله
أُبيّ حسن
ربما لم يبق شيء لم يسبق أن قاله محللو إيران والكثير من سياسييها, قبيل بدء الانتخابات الرئاسية الأخيرة, بمن فيهم السيد أحمدي نجاد الرئيس المُعاد انتخابه. وهو –أي نجاد- لم يتردد قبيل البدء بالانتخابات عن المباهاة بـ”ديمقراطية” بلاده التي تمنى على الآخرين (بمن فيهم الغرب) الاستفادة منها!. لاندري إن كان السيد أحمدي نجاد ما يزال يصرّ على “ديمقراطية” نظام بلاده, وضرورة استفادة الآخرين منها, بعد أن شهد العالم أسبوع الغضب الإيراني الذي تلا الانتخابات مباشرة.
غني عن البيان, أن النظام في إيران الملالي, وآليات الحُكم المتبعة فيها, هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية وروحها, إذ القاصي والداني يعلم, أن كلّ السلطات هي بيد المرشد الأعلى”نضر الله وجهه”, وبمقدوره إلغاء أي مؤسسة قائمة في البلاد؛ ناهيك عن أن لذلك المرشد صفة قدسية, بحكم وجود ما يُسمى ولاية الفقيه التي نأمل أن تنتهي بدعة العمل بها في المجالين السياسي والديني. ومن المعروف أن المرشد لا يُنتخب انتخاباً من الشعب, بل يختاره مجلس الخبراء, وهذا الأخير معين بدوره.
في السياق ذاته, ثمة كثيرون يعتقدون أن مجلس تشخيص مصلحة النظام وصيانة الدستور(وهو مؤسسة لا مثيل لها إلا في إيران), بمقدوره أن يلغي أي قانون يسنّه المجلس التشريعي(لا ندري إن كانوا يطلقون عليه في بلاد الملالي مجلس شورى) المُنتخب من الشعب؛ مع العلم أن مجلس صيانة الدستور مُعين وليس منتخباً!. ويحق لذلك المجلس أن يمنع من يشاء من المرشحين من الترشيح لمنصب الرئاسة. وسرت أقاويل كثيرة عن رفضه طلبات لعشرات المرشحين والمرشحات, من دون أن يكون مُلزماً بتقديم تبريرات لرفضه ذاك. وأين العجب؟ أليست هذه خصوصية إيرانية؟, مع ذلك تصرّ على تقديم نفسها بأنها أفضل ديمقراطية في العالم!.
من جانب آخر, يمكن أن نذكر أن بنية النظام الإيراني قائمة على مرتكزات عنصرية مذهبية, إذ لا يجوز وفق الدستور أن يترّشح لمنصب رئاسة الدولة الإيرانية أي إيراني لا يعتنق المذهب الشيعي. وفي مثل وجود هكذا قانون, يمكننا أن نصنّف سُنّة إيران بالمواطنين من الدرجة الثانية في الحدّ الأدنى, وبالاتي, فإن وجد في بلاد الفرس يهود ونصارى, فهم أهل ذمة حُكماً. ما ذكرناه ليس اختلاقاً بل توصيف لجانب من جوانب الحكم الثيوقراطي الإيراني طوال ثلاثين عاماً من عمر ثورتها.
طبعاً يمكن أن يقال الكثير في سلبيات نظام الحكم الإيراني وآلية عمل مؤسساته التي وجودها من عدمه سيان في ظل وجود الولي الفقيه. بيد أن الأحداث التي وقعت مؤخراً تشير إلى جملة من المعطيات التي لا بدّ من الوقوف عند أبرزها, من بعد أن نستثني مزاعم المرشح السيد موسوي, وإن كنا نميل إلى الاعتقاد بوجود تزوير لصالح أحمدي نجاد.
أولاً: يتبادر إلى الذهن إن الشعب الإيراني, هو شعب حي وحيوي, وقد تعب من حكم رجال الدين له, وتحكمهم بطرق حياته, وربما مماته. ولا نكون قد تجنينا على أحد إذا ما قلنا إن نظام الحكم في إيران عبارة عن كتلة صماء تقف في وجه التاريخ.. هناك نهر يجري, هو نهر التاريخ, وطبيعة وكينونة النظام الثيوقراطي في إيران هي الضد الطبيعي لذلك النهر, وعلى ما يبدو أن النهر قد فاض, ولم يعد بمقدور السد, الذي شاخ مبكرا, الوقوف طويلاً في وجه النهر ومياهه الدافقة.
ثانياً: ما قام به السيد موسوي وأنصاره, يؤكد لنا أن ثمة اختلافات بينية ضمن النظام الإيراني نفسه. هل وجود الرئيس الأسبق محمد خاتمي(على سبيل المثال لا الحصر) في صف موسوي مصادفة؟, وهي خلافات(وليست اختلافات, وشتان ما بين الكلمتين) لم يقف المرشد على الحياد منها, فكلنا رأيناه في خطبة الجمعة الماضية في 19/6 الجاري كيف انحاز إلى طرف دون الآخر. ومعروف انحيازه إلى تلميذه أحمدي نجاد, علماً أن السيد موسوي يكون ابن بنت خالة المرشد ومن بلدته. وهو, أي موسوي, أحد رجال ثورة الخميني.
ثالثاً: وهو مشتق من الثاني, الجماهير التي ملأت شوارع طهران طوال أسبوع كامل, ليست كلها من مؤيدي موسوي, وهي لم تنتفض, بمجملها, ضد نتائج الانتخابات كونها مزورة من وجهة نظرها, إذ نفترض أن نسبة معتبرة من تلك الجماهير تحركت بفعل عوامل عدة, منها على سبيل المثال لا الحصر: -نسبة البطالة المرتفعة في صفوف الشباب الإيراني, وثمة تقارير تفيد أن عنصر الشباب دون الثلاثين من العمر, يشكلون قرابة الستين بالمئة من الشعب الإيراني.
-انتفاضة ضد طبيعة الحكم الديني المتزمت, وجدت فرصتها للتعبير عن سخطها من طرق العيش المتبعة في ظل هكذا أنظمة دينية ما تزال تقطع يد السارق وترجم العشّاق بتهمة الزنا, في ظل نظام لا يساوي بين مواطنيه(إن كان يؤمن حقاً بمفهوم المواطنة).. الخ.
-هذه النسبة التي نعني, تعارض موسوي كمعارضتها لنجاد, كونهما نتاج البنية الدينية ذاتها, وكلاهما أبناء مؤسسة الحكم القائمة راهناً في إيران. وربما كانت تعلم, تلك النسبة, إن مصيرها في حال نجحت الانتفاضة على يد موسوي, سيكون كمصير من حالفوا الإمام الخميني(من خارج سربه كحزب تودة الإيراني, وبعض آيات الله الذين خالفوه وجهة النظر, وسواهم) ضد نظام الشاه, فكان مصيرهم إما المنافي وإما السجون. وأفترض كذلك أن تلك النسبة تعلم أكثر من غيرها, بعض ما جرى في عهد “الإصلاحي” محمد خاتمي, وهو عهد لم يكن بريئاً من اغتيال قرابة المئة صحفي وكاتب وناشط. (طبعاً في ظل نظام ديني, يعتبر اغتيالهم قضاء وقدراً, ولا راد لقضاء الله وقدره). لذا, ربما تكون وجدت تلك النسبة فرصتها سانحة للتخلص من النظام برمته.
رابعاً: يعتبر حادث التفجير الانتحاري الذي تمّ في ضريح الخميني إشارة بالغة الأهمية إلى درجة السخط, لا بل والاحتقان, التي باتت تكتنف شرائح, نرجّح أنها واسعة, ضد نظام ولاية الفقيه, ومن الإجحاف المرور على تلك الحادثة مرور الكرام.
أخيراً: ربما يكون للخارج يد, قد تكون طولى, في ما جرى وما قد يجري, لكن اللاعب الأول والأخير على ذلك المسرح الفارسي, هو الشعب الذي تعب من مزاودات نظام ملاليه؛ وعلى ما يبدو أنه يريد أن يعيش الدنيا كما ينبغي أن تُعاش تاركاً الآخرة لرجال كهنوته الذين عاث أبناؤهم فساداً بما يكفي. أوليست إحدى أسباب خصومة رفسنجاني مع احمدي نجاد, كون الأخير حرّض الصحافة, خلال رئاسته الأولى, ضد فساد أبناء رفسنجاني الذين استغلوا منصب والدهم؟.
لقد سبق أن وضع محمد حسنين هيكل في مطلع خمسينيات القرن الماضي كتاباً بعنوان: “إيران فوق بركان”, ذلك البركان الذي توهمت “مدافع آية الله”, وهو كتاب ثان عن إيران الخميني لهيكل, أنها أخمدته وإلى الأبد, لكن ما رأيناه بالأمس القريب يشير إلى أن البركان انتفض من جديد.
كلنا شركاء