الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّورية

مناقشة لمنطق اليساريين الأتراك في رؤية الوضع الإيراني

جنكيز شندار
لقد أثارت إيران حيرة الأتراك. لا يعرفون كيف يتعاملون مع الوضع فيها، ولا ما يجب أن يكون رد فعلهم.
يحاول من يُعرَفون باليساريين ذوي الخطاب الضيّق المناهض للإمبريالية أن يثبتوا أنها ليست “ثورة ألوان”. فهم يعتبرون أنه ليست لجورج سوروس أي علاقة بإيران، وذلك خلافاً للدور الذي أدّاه في الثورتين الجورجية والأوكرانية. وفي نظرهم، لسنا أمام ثورة هنا.
يتعاطفون مع “النظام القمعي” في إيران لمجرد أنه “مناهض لأميركا” لكن لا يمكنهم قول ذلك علناً. ويرى بعضهم أن “قوى خارجية”، أي الرئيس الأميركي باراك أوباما، تقف وراء الاحتجاجات، كما زعم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في عظته الأسبوع الماضي. ولذلك يشعرون بالارتياح.
هؤلاء ليسوا كثراً، لكن آراءهم ضيّقة الأفق جداً ولا يرتدي ما يقولونه أهمية. الإسلاميون في حيرة من أمرهم أيضاً. تميل مجموعة منهم إلى الاعتقاد بأن “النظام القمعي” في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرادف لـ”الإسلام”. وفي هذا السياق، ليسوا جمعيهم راضين عن رد فعل الإيرانيين حيال النظام. فهم يعتبرون أن الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد استحق الفوز في الانتخابات. في الواقع، يجرون تحاليل سوسيولوجية معمّقة يستنتجون بموجبها أن “المناطق الريفية دعمت أحمدي نجاد، غير أن حفنة من أبناء الطبقة الوسطى دعمت مير حسين موسوي الذي يتطلّع إلى الغرب”.
يشدّد بعض الإسلاميين الذين يتذكّرون أن موسوي كان رئيس وزراء آية الله الخميني، على أن المرشحين المنافسين لأحمدي نجاد كانوا من الرعيل الأول للثورة الإسلامية، ولذلك يعتبرون أن المؤشرات لا توحي بحدوث تغيير في النظام. ويحاولون أن يجدوا مصدر عزاء في هذه الفكرة.
وتهزأ بعض الأوساط العلمانية ذات الذهنية المماثلة مما يجري. يلتقي أتراك كثر ذوو آراء مختلفة حول نقطة مشتركة: لا تعني التطورات في إيران تغييراً جذرياً.
أريد أن أسألهم “ما أدراكم بذلك؟ أنتم لا تعرفون شيئاً عن إيران، فما أدراكم بذلك؟”
عند اندلاع أعمال الشغب ضد شاه رضا بهلوي عام 1978، هزئ كثر من الأمر. كان نظام الشاه “عسكر الولايات المتحدة في الخليج”. كان يملك جيشاً كبيراً وقوياً ومدجّجاً بالسلاح. كان الجميع يخافون حتى سماع اسم جهاز الاستخبارات الإيرانية، السافاك. وكان الجميع يعرفون سجن إوين السيئ السمعة في طهران. وقيل إن من يظنّون أنه يمكن إسقاط نظام الشاه فقدوا صوابهم بالتأكيد. لكن بعد ستة أشهر، في الأول من شباط 1979، انهار النظام عند وصول الخميني. وكان الشاه قد غادر البلاد قبل ذلك التاريخ.
نحن في بداية احتمالات كثيرة في إيران. من السابق لأوانه أن نقول ماذا سيحصل وكيف سيحصل، تماماً كما كان من “السابق لأوانه” أن يهنّئ الرئيس التركي عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أحمدي نجاد بعد ساعات من إعلان اللجنة الانتخابية النتائج الرسمية. ليتهما انتظرا قليلاً لأن طهران اهتزّت بأكبر تظاهرات جماعية منذ الثورة الكبرى عام 1979.

مكوّنات ثورة إيرانية
في المرحلة الراهنة، لا يصب تأييد جهة معيّنة في إيران في خانة الحنكة السياسية، فما بالكم بدعم الحكومة
الحالية؟ هل من الدقيق وصف ما يجري في إيران بـ”حالة الثورة”؟
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالاً مثيراً للاهتمام بعنوان “مكوّنات ثورة إيرانية”. ما عدا مكوّنَين اثنين، كل المكونات الواردة في اللائحة موجودة في إيران اليوم. والاستثناءان الوحيدان هما “الأجهزة الأمنية الضعيفة أو المنقسمة” و”الدعم الخارجي”.
عندما فشل الجيش الإيراني في منع الحشود من النزول إلى الشارع وشُلَّت حركته عام 1979، غادر الشاه طهران، وأصبح الطريق سالكاً أمام انتصار الثورة. لكن في إيران عام 2009، حرس الثورة وميليشيا الباسيج غير منقسمَين. حتى إنهما مستعدان لاستخدام القوة الهمجية. لكن ثمة أمر آخر: لقد تسبّبا بحمام دماء. النظام الذي يريق دماء شعبه لا يستطيع أن يتعافى من الأمر. لا يستطيع الوقوف على قدميه حتى لو صمد. وهذا ما يحصل في إيران.
ثمة نقطة حسّاسة أخرى في إيران. صحيح أن القوى الأمنية غير منقسمة، لكن “النخب في الإدارة” منقسمة، والانقسام جدي جداً. فمجلس الخبراء – وهو عبارة عن مجموعة من رجال الدين تملك وحدها القدرة على اختيار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ويُنتخَب أعضاؤها كل ثماني سنوات ويرأسها الآن علي أكبر هاشمي رفسنجاني – يجري محادثات مهمة خلف الأبواب المغلقة. يسعى رفسنجاني إلى إنشاء آلية لـ”حراسة الثورة” تتألف من عدد من رجال الدين بدلاً من الطلب إلى خامنئي بالتنحي من منصبه.
من رئيس وزراء الخميني، مير حسين موسوي، إلى رئيس مجلس الشورى السابق آية الله مهدي كروبي، وآية الله العظمى حسين منتظري الذي أعلن أنه خليفة الخميني في مدينة قم، وحجة الإسلام محمد خاتمي، الذي يفوز بلا أدنى شك في الانتخابات إذا ترشّح، نحن أمام “تحالف” كبير يتصرّف وكأنه معارضة حاشدة.
لكن الأهم هو أن النظام الحالي فقد شرعيته حتى لو فاز في المعركة وظل في منصبه. فلنقرأ السطور الآتية معاً:

“القمع العنيف للتظاهرات يقود إلى المجهول الكبير. عندما يبدأ النظام بقتل شعبه، يتجاوز الحدود. أحياناً، كما في إيران عام 1979، يؤدّي حمام الدماء في الشوارع إلى فقدان كبير للثقة والشعبية إلى درجة أنه يضع حداً لحياة الحكومة. وفي أحيان أخرى، إذا كانت الحكومة همجية وقاسية جداً، يمكن أن ينجح القمع العنيف، والصين في عام 1989 خير مثال على ذلك”.
“غير أن قتل المتظاهرين جرّد الحكومة الإيرانية من شرعيتها. قد يؤمّن بقاء النظام في المدى القصير. لكن لا شك في أنه يقضي عليه في المدى الطويل”.
انظروا إلى إيران من هذه الزاوية أيضاً.

(صحافي تركي. ترجمت النص عن الانكليزية نسرين ناضر)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى