إيران والديمقراطية وإرادة الشعوب
مازالت منطقة الشرق الأوسط تشهد حراكا ً سياسيا ًنشطاً، تتسق مظاهره مع تقدم التجربة الديمقراطية والخبرة المكتسبة بهذا الشأن والمتباينة من بلد إلى آخر. الاحتجاج الشعبي الحاشد الذي تشهده شوارع المدن الإيرانية حاليا، دليل قاطع على زخم الفعل السياسي في إيران وفعاليته الكبيرة، على الرغم من أنه يجري تحت مظلة النظام الذي يشكل ويتحكم بأسس وقواعد اللعبة الديمقراطية، وهي قواعد صارمة لا تترك مجالا لمعارضة أو احتجاج أو تعبير عن إرادة التغيير التي تتفاعل منذ سنين داخل المجتمع الإيراني ، إلا إذا كانت هذه التعبيرات والتحركات تتسق مع رؤية النخب الحاكمة دينية كانت أم سياسية.
على الرغم من تلون الصراع الدائر في شوارع طهران وكبريات المدن الإيرانية، بصبغة الصراع المحتدم داخل أروقة النظام الحاكم، وهو صراع سياسي بامتياز، إلا أن ظاهرة الاندفاع الحيوي للفعاليات الشعبية تحت شعارات بعيدة عن تلك التي يحشد عبرها النظام، بل في مواجهتها، كالتسلح النووي والشحن القومي، ومحاولة البروز كقوة إقليمية تهيمن على ما حولها، تتدخل وتبذل قسطاً وافراً من وارداتها القومية لفرض سطوتها وتوجهاتها على قرار وإرادة شعوب خارج حدودها، عدا عما تمارسه من قهر واضطهاد بحق القوميات الأخرى داخلها، لا تخفيه العناوين والشعارات البراقة والبعيدة عن حاجات الناس وضرورات معاشهم، أو تطلعاتهم نحو الازدهار و الحرية، ولا تستره المناورات السياسية و التدخل في شؤون الاخرين.
” أين صوتي ” “نريد حريتنا” “آن أوان التغيير” شعارات رفعها المتظاهرون من أبناء الشعب الإيراني وجلهم من الشباب الذي رفل في ظلال حكم السلطة الدينية السياسية العليا بمرجعيتها الفردية، ذات السند الغيبي، وكانت شبهة التدخل الرسمي في نتائج الانتخابات الرئاسية، مبرراً قوياً ومحرضا ًكافيا ًللخروج عن إرادة المرجعيات التي بددت قسطا ًكبيرا ًمن ثروات الشعب من أجل الحصول على قوةعسكرية ضخمة تستخدمها كورقة للتفاوض مع القوى الكبرى وتحديداً أمريكا والحصول منها على تفويض بالهيمنة على دول المنطقة وجعلها منقطة نفوذ إيراني، بدا لإيران أنه متوهما حتى الأن وخلف فشلا في وعودها وخططها التنموية وزاد الهدر والفساد وتضييق هامش الحريات أمام مواطنيها.
إن سياسة إيران التدخلية في المنطقة وطموحات الهيمنة والنفوذ ومحاولة فرض أجندات إيديولوجية خاصة بكافة الطرق سوف تبوء بالفشل وسيتكفل الشعب الإيراني بالوقوف أمام مغامرات حكومته، وسوف يعيد الاعتبار لأجنداته الداخلية في الحرية والتنمية وتغليب سياسة الحوار والمصالح المشتركة وحسن الجوار على سياسة التدخل والهيمنة وتوتير المنطقة.
إن إرادة الشعوب طاقة دفينة، وقوة كامنة، لا تنهيها وتقتلها عقود من الاستبداد والاضطهاد، وبذرة الحرية لن تموت،. والمؤمنون بالديمقراطية كقيمة سياسية وإنسانية عليا، على يقين بأن الشعوب ستظل حية وقادرة على تحقيق ما تصبو إليه مهما طال الزمن.
موقع اعلان دمشق