قانون الاحوال الشخصية الجديد

المادّة 584: تصريحٌ بالقتل، رغم التعديل..!

ميشال شماس
يتقدّم العالم من حولنا ويتطوّر بخطًى ثابتة نحو الأمام، بينما نحن لا نستطيع تقدّما إلا إلى الخلف. فبعد مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي أراد معدّوه ـ بأحكامه المهينة لجميع السوريين ـ العودة بسوريا إلى ما قبل الجاهلية، جاء تعديل المادّة 548 من قانون العقوبات السوري في السياق نفسه والرؤى نفسها والمنهج نفسه، للّجنة السرّية التي أعدت مشروع قانون الأحوال الشخصية المستمرّ رغم كلّ الاحتجاجات الرافضة له، ليؤكّد هذا التعديل من جديد أنّنا سائرون بجدارة نحو الخلف.
وما يُحكى عن نصرٍ أو حتى ربع نصر حقّقته المرأة السورية بهذا التعديل، ما هو إلاّ وهم يدحضه النصّ المعدّل، فبالرجوع إلى المادة 548 قبل التعديل نجد أنّها كانت تنصّ:
[1 ـ يستفيد من العذر المحلّ من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد. 2 ـ يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفّف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.]
وأصبح النص بعد التعديل:[ يستفيد من العذر المخفّف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، على أن لا تقلّ العقوبة عن الحبس مدّة سنتين في القتل.]
وبمقارنة النصّ المعدّل مع النص القديم، نلاحظ أنّ المشرع ميّز بشكل فاضح بين المرأة والرجل، عندما حسم الجدل الذي كان دائراً حول تفسير من له حقّ القتل الزوج فقط أم الزوج والزوجة؟ وحصره بالرجل دون المرأة، لو فاجأت زوجها في جرم الزنى على سبيل المثال، وهو ما أوضحته بجلاء عبارة “فأقدم على قتلها أو إيذائها”، بينما كانت تلك العبارة في النصّ القديم “فأقدم على قتلهما أو إيذائهما”، والفرق واضح لا يحتاج إلى جهد، أمّا النص القديم المأخوذ عن التشريع الفرنسيّ فلم يكن يفرّق بين الزوج أو الزوجة، وبين الرجل والمرأة، وقد جاء في الرأي الفقهي لشرح المادّة المذكورة الوارد في موسوعة قانون العقوبات السوري لمحمد أديب استانبولي الصفحة 348: ” إنّ كلمة الزوج هي ترجمة لكلمة (conjoint ) الفرنسية والتي تقبل التأنيث والتذكير، وتطلق لغوياً على البعل وامرأته، ومن المحتمل أن تفاجئ الزوجة زوجها وهو في جرم الزنا المشهود، فنعتقد أنها لا تقل شعوراً بالسورة والغضب والغيرة والانفعال، عن الزوج الذي يفاجأ بزوجته وهي في وضع مماثل، لذلك من العدل وكلمة حقّ تقال يجب أن يكون كلاهما على صعيد واحد من المساواة أمام القانون في هذا الصدد “.
أمّا الجديد القديم في التعديل الجديد، فهو تحديد عقوبة مرتكب جرم القتل في جرائم الشرف، على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل، ونسأل هنا لماذا سنتين فقط؟ وما هي العبرة من مدة السنتين؟ ولماذا لا تكون العقوبة خمسة عشر عاماً أو في حدّها الأدنى عشر سنوات مثلاً؟ فالتعديل لم يأت بجديد بالنص على عقوبة السنتين، باعتبار أنّ المحاكم في سورية قد درجت على معاقبة القاتل في جرائم الشرف ضمن حدود السنتين. بينما كان معارضو هذه المادّة يأملون، وكنّا نأمل معهم، أن يتمّ إلغاء هذه المادة نهائياً، واعتبار مرتكب جرم القتل في جرائم الشرف مثل باقي المجرمين القتلة، ومعاقبته كمجرم قاتل يستحقّ عقابا بالسجن لا يقلّ عن خمسة عشر عاماً، وإلغاء أيّ تخفيض في العقوبة لمرتكبي تلك الجرائم خاصة تلك المنصوص عليها في المادة 192 من قانون العقوبات.
والإيجابية الوحيدة التي يمكن الإشارة إليها في النص الجديد المعدّل هي حذف الفقرة الثانية الواردة في النص القديم للمادة 548 التي نصّت:” 2 ـ يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر). وحسناً فعل المشرع بحذفه تلك الفقرة التي كانت تبيح القتل حتى على الشبهة.
ويهمّنا أن نوضّح هنا أننا لسنا مع إباحة عملية القتل الهمجيّ سواء للرجل أم المرأة، إذ لا يجوز إطلاقاً أن تتنازل الدولة عن حقها في الاقتصاص من المجرم للأفراد، وإنّ إباحة عملية القتل في النص القديم قد أدّت إلى مآس وخراب أسريّ، فكثير من النساء قتلن لأمر لا يتعلّق بالشرف مطلقاً، بل طمعاً في ميراثهن، أو للتغطية على فعل مشين، كأن يلجأ الرجل مثلاً عندما ينكشف أمر تشغيله لزوجته بالدعارة إلى قتلها بحجّة الدفاع عن الشرف. وسوف لن يختلف الأمر مع التعديل الجديد إذ سيبقى الباب مفتوحاًً أمام قتل النساء بحجّة الدفاع عمّا يسمّى بالشرف.
تُرى أية جريمة ارتكبتها تلك المرأة، حتى تُعامل بتلك القسوة والوحشية؟ وأية قسوة أكبر من أن تُسنّ القوانين التي تبيح قتلها، وتعفي قاتلها من العقاب؟ ولماذا على المرأة دائماً أن تدمي إنسانيتها في كلّ لحظة من حياتها؟
أيّ مصير ينتظر هذا المجتمع الذي مازال يرزح تحت وطأة مفاهيم وعادات وقوانين تنتقص من كرامة المرأة، وتجعل سيف الرجل مسلطاً على عنقها متى شاء استله تحت ستار الشرف!؟ وأيّ “شرف” هذا الذي يبيح قتل امرأة من قبل رجل، الذي لولا احتضانها له في رحمها تسعة أشهر لما خرج إلى الحياة!؟
أيّ شرفٍ هذا الذي يبيح للرّجل قتل زوجته إن وجدها مع شخص آخر، أو قتل أخته لمجرّد أنها أحبّت، أو أنّها تزوّجت من خارج عشيرتها أو طائفتها..! أليس للمرأة شرف؟ أم إنّه ملكية أبدية للرجل الذي حوّلها إن كان أخاً أو أبا أو زوجاً، أو ربّما كان قريباً، إلى ما بعد الدرجة الرابعة؟ وهل شرفُ المرأة يقتصر على جسدها، أو على حركة مثيرة أو مريبة منها أو لمجرّد الشك في سلوكها؟ وهل يملك ذلك الرجل الذي يسرق أو يرتشي أو يروّج للمخدرات بين أبناء وطنه شرفاً عندما يستلّ سيفه ليقطع عنق امرأة تحت ستار الدفاع عن شرفه!؟
نؤكّد أخيراً أننا لسنا مع الفجور أو الابتذال الأخلاقي بالتأكيد، ولكننا مع حفظ الكرامة الإنسانية للرجل والمرأة معاً، وصون شرفهما الإنساني في إطار من الاحترام المتبادل والعدالة الإنسانية، دون تمييز أو تحيّز على ما نصّت عليه المادّة 25 من الدستور السوري:
[ 1ـ الحرية حقّ مقدّس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم. 2ـ سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة. 3 ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. 4 ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين الموطنين.]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى