في مشروع تفتيت سورية (1): الاستعلاء الديني والفتنة الدينية والطائفية..
نساء سورية
سبق وقلنا أن مشروع أمراء الطوائف حافل بالاستعلاء الديني والتمييز الطائفي (بين الأديان، وبين الطوائف) في كل بند فيه. ويحط من المرأة إلى مستوى “غانية بأجر طويل الأمد”، بلا أية حقوق، ويشرع الإتجار بالأطفال واغتصاب الطفلات، الأمر الذي اعترض عليه البعض بأنه مبالغة، وأننا نسقط آراءنا الخاصة على المشروع، ونقوله ما لم يقله.
بدءا من هذه المادة، سوف نتناول بالتفصيل ما سبق أن قلناه، ونبرهنه أولا بأول. مظهرين أية رؤية ظلامية حاقدة على الحياة نفسها صاغت هذا المشروع، مدعية أن ذلك هو الإسلام، ومسقطة عقدها وأمراضها الخاصة على المجتمع السوري الذي حقق نقلة كبيرة إلى الأمام في الواقع، عجزت عن استيعابها بعد أن رمت خلفها تلك الأصولية الميتة، رغم بعض القضايا الهامة التي نعمل من أجل تجاوزها، مثل العنف والتمييز ضد المرأة، العنف ضد الأطفال، “جرائم الشرف”، حق الجنسية لأطفال المرأة السورية، وغير ذلك..
نبدأ بما هو الأكثر خطورة في هذا المشروع، وهو “الاستعلاء الديني والفتنة الطائفية”.
نقصد بالاستعلاء الديني (وقد حاولنا هنا فعلا أن نستخدم أكثر الكلمات “لطافة”)، اعتبار أصحاب اعتقاد ما أن كل من هم على غير معتقدهم هم أناس أدنى منهم. وهو ما يعبر عنه عموما بـ”شعب الله المختار” التي حملت دلالات سياسية خاصة نتيجة للوضع الخاص المتعلق باليهود في “إسرائيل”.
ودون الخوض في تفاصيل جانبية، من المهم القول أن مثل هذا الشعور هو أمر طبيعي في جميع المعتقدات المغلقة وشبه المغلقة. ولا يثير اعتراضا ولا يتسبب بأية مشكلة في الواقع طالما بقي شعورا يخص أصحابه وتفاصيل علاقتهم مع اعتقادهم. إلا أن انتقال هذا الشعور إلى الحيز العملي المجتمعي، إلى التعامل مع الآخرين، وخاصة إلى القانون الوطني، يحوله مباشرة إلى مستوى آخر تماما، هو مستوى احتقار الجماعات الأخرى، واضطهادها، وتهميشها، وما إلى ذلك.. وهي العبارات التي طالما سمعناها عن معتقدات معينة، إلا أن مشروع القانون هذا، يطبقها بشكل صريح وواضح. فكيف ذلك؟
قبل إظهار ذلك يجب الإشارة إلى مسألة هامة جدا، هي أن اللجنة السرية تلك، وبتواطئ من المسؤولين الذين وافقوا ضمنا أو علنا على مشروع تفتيت سورية، قامت بعدة ألعاب تضليلية بهدف إظهار الحملة التي تواجه مشروعها كما لو كانوا لا يعرفون عما يتحدثون. فقد أجريت بضعة تعديلات طفيفة، منها حذف استبدال كلمة “ذمي” بكلمة “كتابي”، ومنها تغيير صيغة بعض المواد، وحذف بضعة مواد لا تقدم ولا تؤخر، مما أدى إلى تغير كلي في ترقيم المواد. وبالتالي صاروا يضللون بالقول: إنظروا، المادة التي يشيرون إليها بالرقم كذا، رقهما كذا! كما لو كان لديهم نصا آخر مختلفا عما نشرناه. والواقع أن الاختلافات بين النص الحقيقي المنشور، والنص “المروتش” الذي يدعونه، غير موجودة، باستثناء ما ذكرناه، وخاصة تغيير أرقام المواد.
وسنعتمد نص المشروع الذي نشرناه. وفي حال وجود نسخة، أو بعض من نسخة بين أيديكم تختلف في أرقام المواد، يكفي أن تبحثوا في أرقام المواد القريبة مما نثبته هنا لتجدون المواد كما هي.
إضافة إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى أننا هنا، وفي المقالات اللاحقة المتعلقة، لا نناقش علاقة أي من الأفكار الأصولية المتطرفة التي بثت في المشروع، بالعقيدة نفسها. فهذا شأن آخر. إلا أننا نعيد رفضنا لتقديس مفهوم لتقديس “الشريعة الإسلامية” الذي يشكل كتلة ضخمة غير متجانسة، ومتناقضة أحيانا، تضم كل ما وضع خلال قرون من الزمن في الفكر الإسلامي. وبالتالي فالمفهوم، وجل مضموناته، لا تقع في خانة “العقيدة” بل في خانة التصورات البشرية لحلول معينة في ظروف معينة.
وأيضا، لا بد من الإشارة إلى أن الأصولية المتطرفة التي ظهرت في هذه اللجنة ومشروعها الأسود، لاقت أصولية متطرفة من المذاهب والطوائف والأديان الأخرى. بعضها كان رد فعل فقط على طائفية المشروع. وبعضها الآخر كان في الواقع نزوعا طائفيا وجد في الأصولية المتطرفة هذه فسحة ليعبر عن طائفيته.
ما يجب تأكيده هنا أننا في هذه المقالة، أو في أي من المقالات اللاحقة، نرفض بإطلاق المحاصصة الطائفية سواء بين الأديان أو بين الطوائف. فما نريده هو قانون للجميع كمواطنين ومواطنات، وليس عشرات القوانين التي تخص كل دين وكل طائفة كما لو كانت كل مجموعة دينية أو مذهبية تعيش في دولة مستقلة.
وأخيرا، فإن إظهارنا للاستعلاء الديني وتبيان الفتنة الطائفية في المشروع، لا يعني أننا نوافق على تغييرات قد تفهم من السياق، وتبنى على أساس طائفي أو محاصصة طائفية. وفي كل مرة قد يبدو ذلك من المناقشة اللاحقة، يكون الأمر متعلقا فقط بتبيان الأمر، وليس بالموافقة عليه.
1- الاستعلاء الديني:
في مواد المشروع الـ 665، وضعت اللجنة السرية المرعية من قبل رئاسة مجلس الوزراء ولوبي التطرف الديني في سورية، 617 مادة خصصتها لمن سمتهم “المسلمين”! بينما وضعت مادة واحدة (619) سمتها “أحكام خاصة بالطائفة الدرزية”، و 34 مادة عنونتها بـ”أحكام خاصة بالطوائف المسيحية”، و9 مواد عنونتها بـ”الأحكام الخاصة بالطائفة اليهودية”. وضمتها جميعا تحت “كتاب” واحد سمته “الكتاب الحادي عشر، أحكام خاصة”، تضمنت أيضا المادة (617) التي تشكل حد ذاتها لغما متفجرا ، وسنتناولها لاحقا.
إلا أن المواد الـ (617)، لم توضع تحت عنوان واحد، مثلا: “أحكام خاصة بالطائفة المسلمة”، أسوة بما نص عليه تجاه الأديان أو الطوائف الأخرى. بما يجعل المواد هذه منطبقة على الجميع، مسلمين وغيرهم، إلا ما نص عليه في “الأحكام الخاصة” بهذه الطائفة أو تلك.
وبما أن هذه المواد جميعها، أو جلها، هي مواد مصاغة على أساس رؤية طائفية بحتة، فإن على جميع السوريين والسوريات، مهما كان دينهم أو طائفتهم، الخضوع لهذه الرؤية. وهو ما نظهره هنا.
يفاخر المسلمون عموما بأنهم يعترفون بجميع الأنبياء “السماويين”. وهي مفاخرة محقة على العموم، لكنها تتحول لدى الأصوليين التكفيريين إلى سلاح إضافي في احتقار الآخرين والعمل على إخضاعهم. فهذا “الاعتراف” مشروط لدى هؤلاء بأن يكون في السياق الذي يتصورونه. وبما أن لأتباع الأنبياء الآخرين تصوراتهم العقائدية حول سيرة أنبيائهم وتعاليمهم، فإن الاعتراف ذاك ينقض فورا إذا لم يوافق هؤلاء “الآخرون” على تصورات الأصولية نفسها. وهم طبعا لا يوافقون، وإلا لتخلوا عن عقائدهم انضموا إلى الأصولية الإسلامية.
من هنا، يرسم الأصوليون “الآخرين” على أنهم قاصرون وغير جديرون بالمساواة معهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة. وبالتالي لا يمكن أن تكون لهم الحقوق نفسها والواجبات نفسها فيما يخص حياتهم المجتمعية. وهذا يعني أن الفصل بين “الآخرين”، بصفتهم خطائين، وبين “العرق النقي” الأصولي هو أمر لا بد منه.
هذا بالضبط ما ترجمه المشروع عبر عشرات المواد في نص المشروع الطائفي الاسود.
أولا: حرمان المسيحيين واليهود من الزواج بمسلمات (المواد: 63، 92)، بينما يمكن للمسلم الزواج من امرأة من أي دين آخر! بل حتى أن “ردة” الزوجة بعد الزواج لا تستلزم طلاقها (مادة 234)! وفي هذا تمييز مطلق طالما أن ما نتحدث عنه هو قانون “الأحوال الشخصية”.
كذلك المادة (230)، التي يحكم بندها الثالث بفسخ الزواج إذا كان الزوجان من غير الأديان الثلاثة، وأسلم الزوج، ثم لم تتبع المرأة أحد هذه الأديان. بل حتى إذا “امتنعت عن إبداء الرأي بعد إعلامها”! بل يصل البند الخامس من المادة نفسها إلى حد القول “إذا كان الزوج غير أهل لعرض الإسلام عليه فسخ القاضي الزواج بينهما دن عرض”!
لا يكفي ذلك. بل إنه بإمكان المسلم أن يفعل ما يحلو له بالمرأة غير المسلمة. إلى حد أنه بإمكانه أن يتزوجا خارج المحكمة (بعقوبات بسيطة طبعا)، ومن ثم ينكر زواجه منها. فإن فعل ذلك ليس هناك أية إمكانية أمام المرأة لإثبات زواجها به. إذ لا يقبل تأكيدها مهما فعلت طالما أن الزوج المسلم قد “جحده”! وفي الاتجاه المعاكس، إذا قرر الزوج أن يعترف بزواجه منها، ثبت نهائيا.
وهذا التمييز يعيد في الواقع إلى عصر “السبايا”. لكأن النساء غير المسلمات لدى من وضع المشروع ومرره وما زال يعتمده كورقة أساس في انتظار جولة أخرى، لكأنهن مجرد سبايا يمكن لرجال المسلمين أن يفعلوا بهن ما يشاؤون.
ثانيا: إصدار “حرمان” مبرم بمنع من لا يتبع لإحدى الديانات السماوية من الزواج، دون أن يسميهم بشكل دقيق. فبالنسبة للفكر الأصولي في سورية لا يجود أصلا من لا يتبعون إلى أحد الأديان السماوية: فالناس إما مسلمين أو مسيحيين أو يهود، أو: مرتدون! (استثنينا “الدروز” لأننا سنتناول مشكلة تسميتهم أدناه). وتسمية كل ما عدا الأديان السماوية بـ”المرتدين” يدل بوضوح على أنهم، بالنسبة للأصولية التكفيرية في اللجنة السرية وداعميها، ليسوا إلا “مسلمين انتقلوا إلى دار الحرب”، وبالتالي وجب “القضاء عليهم”! سوى أنه لا يمكنهم قنونة كيفية “القضاء عليهم” بالطريقة التي يحبذونها في سورية 2009، فجعلوا هذا الحكم عبر إعدامهم ببطء بحرمانهم من الزواج!
ثالثا: اعتبار غير المسلمين غير جديرين بالتواصل القانوني مع المسلمين، بما أن الأصل في المشروع التكفيري هو الانتماء الديني والطائفي، وليس المواطنة. بما يعني أن من هو غير مسلم هو بالضرورة ليس مواطنا. ففي المواطنة لا توجد درجات: إما مواطنا/ة، أو لا.
فبينما يمكن لـ”العدل المسلم ذكرا كان أو أنثى” (مادة 270) أن يثبت الولادة، لا يمكن لغير المسلم أن يثبتها إلى بوجود شهادة “رجلين، أو رجل وامرأتين” (وفق البند الأول من المادة نفسها).
وفي المجال نفسه، لا يمكن للزوجة المسيحية أو اليهودية المتزوجة من مسلم، في حال الطلاق، أن تحضن طفلها لأكثر من أربع سنين بأي حال من الأحوال (م 293)، بينما يمكن سحب الحضانة منها في أية لحظة إذا ادعى الزوج أنه يخشى على طفله “أن يألف غير الإسلام وإن لم يعقل معنى الأديان” (المادة نفسها). بل إن المادة (394) تذهب إلى إمكانية الحرمان الكلي للزوجية المسيحية أو اليهودية من الحضانة بإطلاق، بنصها على “تقتصر الحضانة على الأم المسلمة فقط إذا خشي على المحضون أن يألف غير دين الإسلام وعاداته”!
وأيضا، لا يمكن شهادة المسيحي أو اليهودي على عقد زواج يكون الزوج فيه مسلما، إلا إذا كانت الزوجة من أحد هذين الدينين. بل وفقط في حالة لم يتوفر “شهود مسلمين”! وهو ما نصت عليه بوضوح المادة (38) من المشروع الأسود.
في الولاية على الزواج، يمارس المشروع احتقارا علنيا قل نظيره تجاه المسيحية واليهودية، حين تقول المادة (48)، المعنونة بـ”الولاية في الزواج”، البند الرابع: “تجوز ولاية الذمي (تم استبدال الذمي في النسخ التضليلية بـ”الكتابي”) على موليته الكتابة ولو كان غير دينها”. و”غير دينها” تعني تحديدا اليهودية. إذ لا يمكن، وفق المشروع الطالباني، أن تكون هناك ولاية لمسيحي على مسلمة! بل إن ذلك هو من باب “الجواز”، فقط. أي يمكن سحب هذه الإمكانية في أية لحظة.
في الخطبة يمكن لأي مسلم أن يعقد خطبته على أية امرأة، مسلمة كانت أو مسيحية أو يهودية، دون قيد أو شرط، ومن ثم يعقد زواجه عليها دون تحديد فترة زمنية بين الخطبة والزواج، يرى أصوليو المشروع أن هذا “حقا” للمسلمين فقط دون غيرهم. فبينما تكتفي المادة (28) بالقول “يجب إشهار الخطبة”، دون وجود اية قيود أو شروط من أي نوع، تؤكد المادة (620)، وهي أول مادة في الباب المعنون بـ”أحكام خاصة بالطوائف المسيحية”، على أن وزير العدل سوف يصدر “قرارا بالتعليمات اللازمة لذلك”، أي لإشهار الخطبة! ويؤكد البند الثالث من المادة نفسها على أنه “لا يجوز عقد الزواج إلا بعد خمسة عشرة يوما من تاريخ إشهار الخطبة”!
لا يتوانى المشروع الأسود عن تضمين صيغ أخرى “احتقارية” تتلبس لبوس الإنسانية. فالمادة (131) تقول أن “على” الزوجة زيارة والدها إذا كان مريضا واحتاج ابنته، “حتى لو كان الأب غير مسلم”! كما لو أن عقيدة غير المسلم هي انتقاص “طبيعي” من قيمته، فتفضل المشروع “بتكريمه”.
الأمر نفسه في المادة (155) التي تقول أن نفقة الزوجة على زوجها “ولو كانت كتابية”! كذلك في عدد من المواد الأخرى..
ثالثا: التسميات هنا تأخذ حيزا هاما بما لها من دلالات تاريخية متراكمة، إضافة إلى دلالاتها التمييزية. فالمسودة الأصلية حفلت بصفات مثل “ذمي، كتابي”. ومن ثم حذفت كلمة “ذمي” واستبدلت بـ”كتابي” إضافة إلى الإبقاء على “كتابي” حيث وردت أصلا.
ورغم شيوع هذا التوصيف، إلا أنه في الحقيقة ليس إلى تجنبا صريحا وواضحا لتسمية المسيحيين باسمهم البسيط: مسيحيون. واليهود كذلك. وهذا بحد ذاته يتضمن الفكر الأصولي نفسه الذي لا يعترف أصلا بالعهدين القديم والجديد كما هما معتمدين من قبل أتباع الديانتين. وبالتالي فإن الأصولية التطرفية تلك تنزع عنهما انتماءهما إلى الأديان التي يعترف بأنبيائها الإسلام نفسه. فبدلا عن أن يكونوا “مسيحيين”، أي هم أتباع السيد المسيح، أو “يهودا” أي منفذي تعاليم يهوه، يصيرون مجرد “كتابيين” تحتمل تبعيتهم الصحة والخطأ مبدئيا، وهي خاطئة حكما فعليا.
رابعا: لم يكتف الفكر الأصولي التكفيري الذي وضع المشروع، وتبناه وسوقه، ويحاول اليوم المراوغة فيه، أن وضع الأديان الأخرى في مرتبة تحت مستوى “المسلمين”، وأنكر إمكانية وجود من هم خارج إطار الأديان السماوية الثلاثة حتى من الأديان الأخرى كالبوذية مثلا، بل إنه اعتبر من حقه (الفكر الأصولي) أن يرسم للآخرين من منظوره الاستعلائي ما يجب أن يفعلوه وما لا يجب أن يفعلوه. بالطبع ليس على قاعدة المواطنة التي هي أعلى من انتماءات الأفراد الدينية، بل من منطق السلطة الدينية الطائفية لمجموعة تعتقد أنها “مكلفة” بقيادة البشر وفق هواها.
على هذا النحو جرى تحديد “عدة” للمرأة المسيحية المطلقة أو المتوفى عنها زوجها، وهو أمر غير معتمد في العقيدة المسيحية. كذلك جرى وضع “موثق” للخطبة والزواج مدني (وزارة العدل)، فيما لم يضع مثل ذلك للمسلمين! وجرى اعتبار كل طفل يلد مجهول الأبوين، ايا كان مكان إيجاده والمحيط الاجتماعي الديني لهذا المكان، طفلا مسلما بالضرورة. وغير ذلك.
وهناك الكثير أيضا مما يدخل في إطار الاستعلاء الديني، اكتفينا منه بالأمثلة أعلاه.
2- الفتنة الدينية والطائفية:
طفا على سطح الحديث حول الطائفية والتمييز الطائفي الذي يروج له المشروع، طفا التدخل الفظ الأصولي المتطرف في عقائد المسيحيين. ولم يكن ليطفو لولا أنه ناجم عن رؤية طائفية تكفيرية استعلائية بالأساس، ولولا أن البعض قد ضربت بهم الحمية، فبدلا من أن يحكموا عقولهم في نقد مشروع طائفي على أساس مدني من المواطنة وحقوق الإنسان، راحوا يردون عليه بالروح الطائفية نفسها التي اعتمدها المشروع الأسود. الأمر الذي غطى بشدة على أن طائفية المشروع لا تقتصر على إنكاره المواطنة، وتعديه على العقائد المسيحية، بل إنه أبعد من ذلك بكثير، ويمس كافة الانتماءات الدينية للأديان والطوائف المختلفة في سورية.
أولا: يقف المشروع موقفا غامضا ملتبسا حول “الدورز”. فبينما لا يحدد إن كانوا دينا مستقلا عن الإسلام، يتعامل معهم كما لو كانوا كذلك عبر تخصيص فقرات بهم مثلما فعل حصرا مع المسيحية واليهودية. ويخصهم ببعض القواعد الخاصة، منها بشكل خاص المحكمة المذهبية المستقلة كليا.
وفيما جرى عمل كثير وتصريحات كثيرة خلال السنوات الماضية، من رجال دين دروز وغيرهم، أن المذهب الدرزي هو مذهب من مذاهب الإسلام، وهي بالتالي طائفة إسلامية لا تختلف عن الطوائف الأخرى في اعتقاداتها الأساسية بشيء، خاصة لجهة التوحيد، فإن المشروع ينكر ذلك بشكل صريح حين يتعامل مع “الدرزية” كما لو كانت دينا مستقلا.
والواقع أن هذه الرؤية الأصولية المتطرفة، والتي تعتمد بقايا من المحاصصة الطائفية كما وضعها الاحتلال الفرنسي أثناء مشروع تقسيم سورية إلى دويلات طائفية، تتقاطع فعلا مع رؤية الاحتلال تلك، مع إضافة هامة هي استبدال السيطرة الفرنسية نفسها بسيطرة الأصولية المتطرفة.
وهذه الرؤية، كما يعرف كل من هو على تماس مع أي عقد زواج بين رجل أو امرأة تنتمي إلى هذا المذهب، ورجل أو امرأة من أي مذهب إسلامي آخر، هي التي تمارس دائما في المحاكم الشرعية السورية. حيث لا تقعد المحكمة أي زواج بين من يعتقد بالمذهب الدرزي، وغيره من المذاهب الأخرى، دون أن يجبر الشخص الدرزي (رجلا كان أو امرأة) على “إشهار إسلامه”!
ورغم أن ما يجري من ناحية الواقع هو جزء من “تفاهم ضمني” قائم على المحاصصة الطائفية، بحيث يضيق على الزواج بين أشخاص من طوائف مختلفة، مثلما بين أديان مختلفة، تفاهم يشارك فيه عدد كبير من “زعماء الطوائف” المختلفة، إلا أن وضع ذلك في مشروع قانون أسود يعد عام 2009 لمئة سنة قادمة، في ظل كل التطورات التي جرت في المجتمع السوري، ومرور أكثر من نصف قرن على جلاء الاحتلال الفرنسي واستقلال سورية موحدة، يشكل بؤرة طائفية متفجرة باستمرار، جرى التغطية والتعمية عليها خلال السنوات الماضية.
وفي الواقع فإن تسمية المشروع للمسيحيين واليهود بـ”الطائفة المسيحية” و”الطائفة اليهودية” يعود بدرجة كبيرة إلى هروبه من تسمية “الدروز” (إضافة إلى عدم الاعتراف أصلا بصحة مرجعيتهم). فهو إن سما الأديان أديانا، كما هي، وليس طوائف، سوف يقع في مشكلة علنية واضحة وصريحة في تسمية “الدروز”. فإن سماهم طائفة سيكون هذا اعترافا صريحا أنهم جزء من الإسلام، ويكون تخصيصهم ببنود خاصة مدعاة للتساؤل مباشرة. وإن سماهم دينا يكون قد أعلن “خروجهم” عن الإسلام بكل ما يثيره ذلك من قضايا ومشاكل.
وصحيح ان الأمر نفسه هو في القانون المعمول به منذ 1953، أي القانون الحالي، إلا أن القانون الحالي وضع أصلا بعد وقت قصير من التخلص من الاحتلال الفرنسي ومشاريعه الطائفية التقسيمية، وبالتالي من المفهوم أن تكون بعض آثاره قد بقيت في بعض القوانين، مثلما الحال مع المادة 548 من قانون العقوبات، (والتي صار اسمها الآن المرسوم 37 لعام 2009، دون أن يتغير في مضمونها الكثير). وبالتالي فإن إبقاء الوضع على ما هو عليه في أي مشروع قانون أسرة أو أحوال شخصية جديد، يعني قبولا صريحا واعتمادا لا لبس فيه للرؤية الطائفية للاحتلال الفرنسي، رؤية تقسيمية لسورية على أساس مذهبي.
ثانيا: رغم أن الطوائف والمذاهب الاسلامية المختلفة تتقاطع كثيرا في الأحوال الشخصية، إلا أن بعض الفروق تقع هنا وهناك. لكن المشروع الذي صيغ برؤية طائفية بحتة، رفض أن يكون للطوائف الأخرى رؤيتها، أو أن يعترف بها. الأمر الذي يعني ممارسة شكل واضح من التمييز والاضطهاد ضد الطوائف الأخرى. ونعود هنا لنؤكد أن ذلك قائم بسبب من الرؤية الطائفية للمشروع، وليس بسبب من ضرورة المحاصصة الطائفية. فوجود قانون لا يعتمد الطائفية، بل المواطنة، يجعل الجميع تحت سقف واحد هو القانون الوطني.
لن نطيل هنا، حتى لا ندخل في تفاصيل اختلافات نحن نرفضها أصلها، ويدخل بعضها مباشرة في أصول الخلافات المذهبية، بل سنكتفي بمثل واحد شهير، هو “زواج المتعة” لدى الشيعة. فالمادة (41) نصت بشكل واضح في بندها الثاني أن “شرط التأقيت في العقد مبطل للزواج”. بينما زواج المتعة المعترف به عند الشيعة بصفته زواجا صحيحا، يعتمد كليا على شرط “التأقيت”، أي أن ينتهي في وقت محدد يعين وقت عقد الزواج.
ومرة أخرى لا بد من التأكيد اننا نرفض المحاصصة الطائفية، وأن حديثنا هذا هو فقط لكشف الفتنة الطائفية التي يمارسها الفكر الأصولي المتطرف عبر مشروعه الأسود، والذي يعمل على تدمير أسس الدولة الحديثة القائمة على المواطنة، لتشريع مقدمات إشادة إمارات الطوائف القائمة على سيطرة الطائفة “الأقوى” على غيرها وإخضاعها.
وبخصوص “زواج المتعة” حصرا. لا بد من القول أننا غير معنيين إطلاقا بأية مرجعيات مذهبية أو دينية حول هذا الأمر، سواء كان مطابقا لما يراه البعض في الشريعة الإسلامية أو مخالفا لها وفقا لما يراه البعض الآخر. إلا أننا نرفضه بوضح تام لأن الزواج هو مؤسسة لبناء أسرة مستمرة ودائمة وقادرة على أداء مهماها كأسرة في المجتمع، خاصة لجهة إنجاب الأطفال والعمل على تأمين كل مستلزمات نموهم الصحيح من كافة الجوانب. وبالتالي فإن اشتراط إنهاء الزواج في وقت محدد قبل بدئه هو مناقض كليا لهذا الأساس.
ثالثا: لا يعترف المشروع أصلا بالعديد من الطوائف والأديان الأخرى التي تقع خارج ما اصطلح على تسميته بـ”الديانات السماوية” الثلاث. ففي سورية بعض البوذيين/ات، بغض النظر عن عددهم. وهؤلاء إما لا يعترف بدينهم وبالتالي سيخضعون حكما لتصورات طائفية أصولية (بدلا من قانون وطني مدني)، وإما سيكونون بحكم المرتدين بكل ما يترتب على ذلك من حرمان من زواج، او فسخ له إذا كان قائما. وفي سورية عددا جيدا من “اليزيديين”، وهم أصحاب دين قديم ترجع الدراسات وجوده إلى ما قبل الإسلام والمسيحية. ولهم تصوراتهم الخاصة أيضا بخصوص تنظيم العلاقات الأسرية (الأحوال الشخصية). ولكنهم هنا، مع المشروع الأصولي الطائفي، فهم في مثل حالة البوذيين: إما سيخضعون لتصورات طائفية أصولية أو سيكونون بحكم المرتدين.
إلى ذلك، فإن في سورية أيضا العديد من اللادينيين، بعضهم ممن يصرح بذلك علنا، وأغلبهم لا يصرحون إلا ضمن نطاقات ضيقة خوفا من سلطة الأصولية الدينية. وهؤلاء أيضا سيكونون في مثل الحالتين السابقتين.
هذا التمييز الطائفي هو فعلا اليوم مصدر توتر. بغض النظر عن حجمه واتساعه. إلا أن الأمل بمشروع قانون للأسرة عصري وملائم، ويتعامل مع الناس على أساس مواطنيتهم، هو ما كان يخفف من حدة التوتر الناجم عن التمييز. إلا أن إطلاق مسودة هذا المشروع الأصولي التكفيري فجر استياءات طائفية واسعة بين هؤلاء، وهم محقون تماما في ذلك. ليس لأن من حق كل طائفة أن تقرر ما يخصها على مقاس تصوراتها، ولكن لأنه من المرفوض تماما أن يشرع قانون طائفي من زاوية تطرفية بحتة، ويوضع قسرا تحت اسم “الإسلام”، ثم يطالب الآخرين أن يكونوا خاضعين لتصوراته، أو يكونوا “مثيري فتن”. فالذي يثير الفتنة تحديدا هو من يرفض اعتبار المواطنة أساس ورأسا لكل تعامل، ويقيم الناس ويعاملهم ويوزع حقوقهم وواجباتهم على اساس انتماءهم الطائفي، وليس على اساس انتماءهم للوطن.
رابعا: تشكل بعض التفاصيل في المشروع فتنة صريحة لا لبس فيها. فالمادتين (21-22) من المسودة المنشورة، وهما المادتين اللتين اصطلح على تسمية صلاحياتهما بـ”دعوى الحسبة”، وهي ما سنفرد له لاحقا بحثا خاصا. إلا أننا نتناوله هنا سريعا ضمن نطاق الفتنة الطائفية فقط.
فبما أنه تم تشكيل نيابة عامة وفق المادة 21، من صلاحيتها فسخ الزواج، وبما أن فسخ الزواج متعلق بما هو باطل أو غير باطل، وبما أن ما هو باطل متعلق أساسا بتصورات الأصولين التكفيريين عن “من هو المسلم”، فإن هذه النيابة تنصب نفسها “محكمة تفتيش” طائفية يمكنها أن تفسخ أي زواج بدعوى “الردة”، والتي يختلف على تعريفها أصلا الكثير من الباحثين الإسلاميين. وبما أن الطوائف الإسلامية المختلفة تمارس شعائرها وطقوسها الدينية الإسلامية بأشكال مختلفة، ويعبرون عن انتماءهم للإسلام بكلمات قد تختلف إلى هذا الحد أو ذاك، كما يضعون تصورات ليست متطابقة حول عدة قضايا عقائدية أساسية، فإن هذه النيابة يمكنها ببساطة أن ترفع دعوى “الحسبة” على أي شخص لا يطابق المعايير الطالبانية التي وضعت المسودة على أساسها، ومحاكمة أي شخص بهدف إجباره على إعلان إسلامه وفق ما يريدون، والتبرء مما فعله أو قاله، أو أن يفسخ زواجه أو يحرم من الزواج ما لم يكن متزوجا. فأي فتنة طائفية أكثر من ذلك؟ الواقع أن هناك فتنة طائفة أشد وطأة وظلاما. هي المادة (22) من المشروع نفسه. فهذه المادة تنقل صلاحيات المادة (21) إلى كل شخص “ولو لم يكن له مصلحة بذلك”. وكل ما يحتاجه هو أن يتقدم بطلب إلى القاضي أنه يرغب برفع دعوى “الحسبة” على فلان، ليحصل على ترخيص بإقامة مثل هذه الدعوى!
خامسا: اللغم المتفجر: المادة (617):
قبل أن يختم أصحاب الحلم بتفتيت الدولة الحديثة السورية عبر نقض المواطنة فيها، وإقامة إمارات الطوائف حيث يمكن لهم، وفق ما يتصورون، أن يفعلوا ما حدث في مناطق أخرى قريبة من “حرب توحيد” قد تكون بأدوات وآليات مختلفة، يكون فيها الجميع تحت عباءة “أمير المؤمنين”! يثبتون مادة هي في الحقيقة لغم متفجر يلخص كل رؤية المشروع الاسود. إذ تقول المادة (617):
1-تطبق نصوص هذا القانون على جميع المسائل التي تناولتها في لفظها، أو في فحواها.
2-كل ما لم يرد عليه نص في هذه القانون يحكم به بمقتضى القول الراجح في المذهب الحنفي.
3-وأما فيما يتعلق بتوضيح أو تفسير مسألة جزئية فرعية نص على أصلها في القانون فيرجع فيه إلى المذاهب الفقهية التي استمد منها القانون نصوص هذه المسألة.
في البنود الثلاثة لهذه المادة كمية كافية من المتفجرات القابلة للانفجار في أية لحظة.
– يشكل البند الأول مشكلة حقيقية. فرغم أنه يلزم لكل قانون وضع توضيحات حول احتمالات الخلاف بين اللفظ والمضمون، بشكل أو بآخر، فإن النص هنا، في مشروع قانون للأحوال الشخصية، على “أو في فحواها” يفتح الباب على مصراعيه لصراع لا حدود له حول “فحواها”! لأن هذه “الفحوى” لا تستند إلى الدستور، ولا إلى معايير المواطنة، ولا إلى معايير حقوق الإنسان، وجميعها معايير واضحة وصريحة. كما أنها لا تستند إلى معايير دينية أساسية غير قابلة للخلاف والاختلاف بين الأديان والطوائف. وبالتالي، فإن “أو في فحواها” تعني أنه يمكن لكل قاض، ولكل محام، وبالتالي لكل شخص، أن يأخذ الفحوى على النحو الذي يلائم اعتقاداته وتصوراته الدينية والطائفية، بما أن المشروع هو تشريع اصولي طائفي بامتياز.
وهذا يعني فتح باب الصراعات حول “الفحوى” لا نهاية لها. وبما أن المحاكم هي أصلا المجال الذي يصل إليه الناس عند اشتداد خلافاتهم، فيمكن تصور كيف ستنتقل هذه “الخلافات” إلى مستويات أخرى بسهولة شديدة. خاصة حين يكون كل من الزوج والزوجة ينتمي إلى دين أو طائفة غير دين أو طائفة الآخر.
– يشكل البند الثاني تحديدا أصوليا آخر مرتين. الأولى تحديد المذهب الحنفي حصرا عن غيره من المذاهب في أن يكون مرجعية في كل “ما لم يرد عليه نص في هذا القانون”. فما هي الميزة الخاصة بالمذهب الحنفي التي تسمح له بذلك؟ هل القول أن “أكثرية” المسلمين السنة هم يتبعون هذا المذهب هو استناد كاف؟ فإذا كان ذلك، أليس هذا اعتراف صريح لا لبس فيه باعتبار “الكثرة الطائفية” هي المعيار؟ وبالتالي أن الطائفية هي وحدها المعتمدة هنا؟ فهل وصلنا في سورية 2009 إلى حد إجراء إحصاء شامل لمعرفة “كم في سورية” من المسلمين أتباع المذهب الحنفي، وكم منهم أتباع المذهب الشافعي؟ وهل هذا يعني أن يشمل الإحصاء أيضا كم هم المسلمون أتباع المذهب الإثني عشري، وأتباع المذهب العلوي؟ هل يحتاج هذا البند إلى أي توضيح لمدى الطائفية العنصرية التي يتضمنها؟
وبالتأكيد، لا يكون كل هذا حين يصير الاعتبار هي سورية، الدولة الحديثة، المواطنة، والمقاصد العليا الحقيقية والإنسانية للشرائع والعقائد السامية جميعا، وليس رؤية طائفية أصولية بامتياز.
– وتكمل المادة – اللغم في بندها الثالث تأكيد تقسيم الناس على اساس من عقائدهم الدينية والطائفية. مؤكدة التمييز الأساسي في البند الثاني أعلاه. فالمسائل الرئيسية تبقى عائديتها إلى “القول الراجح في المذهب الحنفي”، فيما كل ما يتعلق بتوضيح أو تفسير “مسألة جزئية فرعية”، ترجع عائديته إلى “المذاهب الفقية التي استمد منها القانون نصوص هذه المسألة”. وبما أن المشروع الأسود لم يضع بجانب كل مسألة “المذهب الفقهي” الذي استمد منها، فإن ذلك يفتح الباب واسعا لاجتهادات لا اساس لها إلا الطائفية، ولا مؤدى لها إلى اعتبار الناس والتعامل معهم ومحاكمتهم على اساس طائفي. هذا إضافة إلى أن المشروع لا يحدد اصلا ما هي “المذاهب الفقهية” التي استمد منها القانون رؤيته في هذه المسألة أو تلك. وبالتالي فلا أحد يعرف إن كان المقصود هي المذاهب “السنية” الأربعة، أم أن المذاهب “الأخرى” مدرجة في الحسبان. وسواء كان هذا أو ذاك، لا يختلف الأمر بشيء في ان المرجعية المحددة بدقة هي مرجعية طائفية بامتياز.
كان هذا استعراض سريع لما يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير لتشريحه. فكما سبق أن قلنا مرارا: المشروع برمته ليس إلا “حفلة ماجنة” من الفتنة الطائفية والاعتبارات الطائفية التي تلغي كل إنسانية الإنسان، وكل مواطنيته، ولا تقيم له وزنا ولا قيمة، ولا تشرع له أبدا على أساس مواطنيته/ا وإنسانيته/ا، بل فقط على أساس إلى أي دين، او مذهب، أو طائفة ينتمي!
وفي الواقع، فإن خطوة واحدة إلى الأمام تظهر بشكل جلي أن هذا المشروع يتطلب فورا إعادة تسجيل خانة الدين والمذهب على الهوية الشخصية بدلا من “الرقم الوطني”. فمع هذا المشروع لم يعد لكلمة “وطن” بكل مشتقاتها أية قيمة. فإذا كان هذا المشروع يخص قانون يتناول حياتنا من الولادة إلى الموت، لا يقيم اي اعتبار لغير الطائفية، فأية قيمة ذات أهمية تولى لأي قانون آخر في مجال آخر قائم على أساس المواطنة؟
هكذا، يتبين بوضوح أن “العنصرية الدينية”، و”الفتنة الطائفية” ليستا تهمتان موجهتان لهذا المشروع، بل هما حقيقتان ثابتتان ساطعتان سطوع الشمس. ولا شيء، ولا أي اعتبار، يمكن له أن يقطع الطريق على الاستنتاج الوحيد المنطقي: إن هذا المشروع لم يوضع بروح بريئة، ولم يجر تمريره ببراءة، بل هو فعلا يتضمن هدفا واضحا وصريحا، وإن لم يسمى بدقة، هو: تفتيت وتدمير أسس المواطنة والانتماء إلى الدولة الحديثة، واستبداله بأسس الطائفية والتمييز الديني، كمقدمة لا بد منها، ومجربة، من أجل استبدال الدولة كلها بـ”إمارة أمراء الحروب”.
وسنكمل لاحقا تناول المحاور الأخرى في المشروع الأسود.. محورا فآخر..
نساء سورية