معلّقاتٌ وعقولٌ عالقة على جدران غزة ودمشق!
د. فاضل الخطيب
دخل رجلٌ إلى صيدلية وسأل: هل يوجد موز؟ وكان جواب الصيدلاني بأنه لا يوجد موز!
وفي اليوم التالي دخل نفس الرجل إلى نفس الصيدلية راغباً شراء الموز, وكان الجواب شبيه بجواب الأمس, وفي اليوم الثالث رأى الرجل ورقة على باب الصيدلية مكتوب عليها”لا يوجد موز”! ورغم ذلك دخل الرجل وسأل: يا ترى هل كان يوجد عندكم موزاً؟
سخر وضحك الكثير من وزير الثقافة السوري النعسان ومن شاعر البعث صابر فلحوط ومن غيرهم من النعسانين عندما حاولوا اللف والدوران حول علاقة الثقافة واعتقال المثقفين, لكن ذلك لم يغيّر حقيقة قمع السلطة للرأي الحر واعتقال الكلمة.
فشل عدوان حزيران وأسطورة الأنظمة التقدمية لم يغيّر من حقيقة الهزيمة ـ هزيمة الأنظمة أمام إسرائيل وهزيمة الشعوب أمام الأنظمة ـ
نفس الشخصية التي تبحث عن الموز في الصيدلية هي نفسها التي تمثل ثقافة القمع والفساد وهي نفسها التي انهزمت وهزمتنا معها, ولا يغيّر في حقيقة الأمر شيئاً إن سمينا وزارة الأستاذ نعسان وزارة الغير نعسانين أو وزارة مديح الوالي, ونحن لسنا بصدد تقييم النظام ولا رموزه, لكننا نرى ضبابية في رؤية الخريطة السورية, ويمكن أن يكون مفهوماً إن رأى البعض”جينيات” حافظ الأسد التي لم نستطع التخلص منها كلياً.
تنقسم الحركة الوطنية السورية إلى جداول عديدة, بعضها يلتقي وبعضها يتقاطع ـ مرحلياً على الأقل ـ وبعضها كالخطين المتوازيين لا يلتقيان إلاّ بإذن الله, وهذا شيء ليس غريباً لكن الغريب أن تكون بعض الجداول تسيل للأعلى وهذا يشبه من يحاول التبول بعكس الريح, ويمكن التأكد من أنه فيه شيء من الصعوبة.
البعض ما زال يراهن على إمكانية إصلاح النظام بالتعاون مع”الطيبين” داخله والحوار معهم, وهؤلاء لا يستطيعون تقديم أي حجة أو مؤشر يدعم هذا الرأي.
البعض يعتقد أن النظام السوري غير قابل للإصلاح ـ وهذا موقف له عشرات الحجج التي تدعمه ـ لكنها بنفس الوقت ما زالت ترفع شعارات تبين من خلال دوران الأرض حول الشمس ولعشرات السنين أنها صارت”بايخة” لأنها ليست عملية وواقعية ومن هذه الشعارات النضال ضد سياسة أميركا الامبريالية وضد العولمة وغيرها, وهذا يخدم النظام بشكل غير مباشر.
العالم اليوم ـ مع الأسف ـ يسمى أمريكا, لأنها الأقوى إقتصادياً وتقنياً وعسكرياً, وهذه حقيقة لا تتغير إذا شتمناها مئات الأضعاف من شتائم القذافي أيام زمان.
وهناك فريق من المعارضة لا يؤمن بالحوار مع السلطة ويؤمن ويدعو العالم بما فيه أمريكا لدعم مواقفنا السياسية والضغط الدبلوماسي ورفع الغطاء السياسي عن النظام والتضامن مع شعبنا, وأعتقد أن هذا هو الصواب.
إذا أراد زعماء المعارضة أن يكونوا رجال سياسة مقبولة في صالونات السياسة الدولية كممثلين عن شعبنا, كبدائل عن النظام ـ إذا أرادوا ذلك ـ يجب أن يكونوا رجال سياسة بالغة الرشد السياسي, لذا عليهم القفز فوق الدائرة التي تحدد حلفاءنا في الداخل.
تريدون أن تبقوا سياسيين أنداء لسكرتير ما في سفارة أوروبية ما؟
تريدون أن يكون نشاطكم أخذ موعد للقاء مع مستشار ثقافي لسفارة أجنبية في دمشق؟
تريدون أن تجلسكم السكرتيرة في قاعة الانتظار نصف ساعة ريثما يفرغ سعادة سفير دولة ما من مكالمة تلفونية مع زوجته تتعلق بنوع عشائهم؟
تريدون أن يبقى الشرطي “أبو محمود” يصرخ في وجهكم ولا من يتعاطف معكم غير المرآة المكسورة في البيت؟
تريدون أن تكونوا قادة سورية وتعتقدون أن ديبلوماسية العالم ليست أكثر من معرفة الأكل بالشوكة والسكين؟
تريدون بناء وطن من تحت الصفر أو بالأحرى إيجاد وطن لا يملك أكثر من الشعارات والتخلف والذل والفقر؟
تريدون …
يسأل طفلٌ والده في الملعب الرياضي عن الذين سيربحون في مسابقة الجري, فيقول الوالد أنه بين كل المتسابقين سيكون الفائز شخصٌ واحد, فيسأل الطفل: لماذا إذاً يركض الجميع؟!!
الديمقراطية ليست فقط أن أترشح ويتم انتخابي, بل أن أترشح ولا يتم انتخابي أو لا أترشح أصلاً!
إن بقايا التربية الأسدية التي رضعناها خلال عشرات السنين ما زالت تفعل فعلها سواء في الموقف من السياسة الخارجية إيديولوجياً أو السياسة الداخلية والزعامة الديمقراطية.
المرشحون لقيادة الوطن عليهم العمل على إيجاد الفرص لمحادثة ومقابلة ومناقشة هذا أو ذاك السياسي الأوربي والأمريكي بشكل خاص.
أقل ما يمكن أن يقوم فيه سياسي سوري معارض هو شكر كل الأصوات التي تتضامن مع حقوق شعبنا.
أقل ما يمكن أن يقوم فيه السيد رياض الترك هو شكر الرئيس الأمريكي لرفع صوته من أجل حرية شعبنا.
كيف تفتح أبواب الدبلوماسية الأوربية أمام قادة المعارضة السورية بعد تلك التصريحات وردود الفعل الصبيانية اليسارية والقومية ضد السيد الترك؟
تريدون إثبات مقولة النظام أنه لا بديل عنه, هذه العنترية الديماغوجية في السياسة الخارجية تشبه صمود وممانعة وشعارات النظام وتحريره للأرض!
لقد أصاب أحد المثقفين الذي قال متسائلاً”هل يرفض معارضي النظام موقف أمريكا إذا طالبت من إسرائيل بإعادة الجولان؟” على اعتبار أمريكا دولة إمبريالية لها مخططاتها في المنطقة. مقاومة مخططات أمريكا وغير أمريكا لا تتم من خلال الشعارات الديماغوجية, لكل دولة في العالم مخططاتها ورغم ذلك تتحاور وتتعاون الدول لتخفيف أو ترشيد أو تحجيم تلك المخططات التي قد تؤثر سلبياً على هذه أو تلك الدول.
السياسة الداخلية لم تكن في يوم من الأيام سياسة خارجية كما هي اليوم!
أما الخوف من تخوينات النظام أو بعض توابعه وطحالبه فيجب أن يدفعنا أكثر للوقوف ضد كل سياساتهم, لأنه كلما ازداد حقد النظام وردود فعله القمعية الهستيرية كلما تأكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح.
********
********
جوائز أوسكار سورية, ريشة ذهبية دمشقية, جوائز الضفدع الذهبي, كتب تفسير الأحلام, براويز الخشب الذهبي…
دراسات عن الفقر في أمريكا, وأزمة في إسرائيل منذ ولادتها, تفاؤل بسياسة جديدة لكل رئيس أمريكي جديد…
منذ فجر الثامن من آذار 1963 ونحن نتفاءل بسياسة جديدة لكل رئيس أمريكي جديد ونفرح لانتهاء دورة كل رئيس أمريكي قديم. منذ ذلك الفجر نتحدث عن أزمة خانقة في إسرائيل تهدد سقوطها. ومنذ إعلان حالة الطوارئ يومها ونحن نتحدث عن انتصاراتنا وعن خسائرهم, عن ازدهارنا وعن فقرهم, عن علومنا وعلميتنا وعن أميتهم وتخلفهم.
لسنا وحدنا في هذا الرأي بل الكثير من أشقائنا العرب يشاطرنا الموقف.
في كل بيان وحديث عربي ثوري صمودي ممانع, نقرأ عن وحشية إسرائيل وعدوانيتها, وعن الإمبريالية ومخططاتها وأهدافها, ولا نلامس الإشارة إلى مسؤوليتنا.
إعادة تأكيد سياسة إسرائيل العدوانية لا يغير شيء, لكنه لم تكن الشجاعة عند الكثير لإعادة تقييم سياساتنا.
ما هي الفائدة التي جناها الفلسطينيون منذ مجزرة ميونيخ ضد الرياضيين الإسرائيليين, مروراً بخطف الطائرات وحتى الانتفاضة الأولى والثانية والرابعة والعمليات الانتحارية … الفائدة تدمير عشرات الآلاف من المنازل الفلسطينية وسقوط الآلاف من الضحايا الفلسطينيين وبضع عشرات من البيوت والمطاعم والباصات الإسرائيلية, وتعاطفٌ أكثر من العالم مع إسرائيل وتراجعٌ في تضامن العالم مع الفلسطينيين.
سياسة البعض تشبه من”حمل عنزة وضرط, قال حطوا الثانية”.
لا نعترف بضعفنا, ونعتقد أن الشعارات والبيانات والصراخ والمزاودة كفيلة بالحل على اعتبار ذلك صموداً.
عندما سقطت التفاحة قال الجميع”سقطت التفاحة” إلاّ واحد قال”لماذا سقطت؟”!
لماذا لا نستطيع الإقرار أن العالم يقف إلى جانب إسرائيل رغم كل عدوانيتها ولم نبحث عن الأسباب, كل صاروخ تطلقه حماس باتجاه إسرائيل يرتد على غزة ليقتل العشرات والمئات ويدمر البيوت ورغم ذلك يدافع العالم عن إسرائيل, بعد كل صاروخ حماسي وتدمير إسرائيلي تناشد حماس العالم لإنقاذ الفلسطينيين ـ أليس في ذلك مكابرة كحامل عنزتنا!
وقد استشهد أحد العلمانيين العرب بالدرس الياباني الذي ما أحوجنا لفهمه, التجربة اليابانية والدرس الياباني الذي استند للواقع وأدار الظهر للشعارات والعنترية والديماغوجية,
ركعت اليابان بدون قيد أو شرط, تمّ تدميرها وإذلالها واحتلالها, وبعد ذلك وقفوا ببرودة أعصاب ودرسوا الواقع وخططوا للمستقبل وبدون ردود فعل لا تستند إلى موضوعية, بدون شعارات هوجاء, وخلال أقل من نصف قرن صارت أكبر منافس لأمريكا, من دولة مدمرة جائعة محتلة مذلة إلى دولة عملاقة فخورة بحاضرها وبماضيها, لكنه حقيقة أنهم لم يكونوا يملكون لا صدام ولا أسد ولا مشعل ولا هنية ولا سلفية ولا ..
نصف قرن ونحن خلالها نقوم بتصنيع الشعارات والتماثيل لهبل وللهبلان وكل يزاود على الآخر بدل مراجعة نقدية ذاتية.
الهستيريا والرد العصبي لا يحل محل التفكير بل يعيقه ويضغطه.
خمسة عشر سنتمتر تعني الكثير, خصوصاً إذا كان المقصود منها المسافة الممتدة بين الأذنين!
وأستشهد أخيراً بقول للفيلسوف برتراند راسل”نحن بشكل عام نميل إلى التفكير بأنه يجب على العالم أن يتأقلم مع أفكارنا ورغباتنا وأحكامنا المسبقة, أما الموقف المعاكس لذلك فهو يحتاج إلى قليل من التفكير والجهد, وأكثر الناس أسهل عليها الموت من أن تفكّر, وهذا ما يحدث بالضبط”!
بودابست, 27 / 1 / 2008. .
خاص – صفحات سورية –